لماذا قتل معاذ الكساسبة حرقاً؟

بتول عبدالله

«لا يعذب بالنار إلا رب النار». مقولة حرّفها الجزار «الداعشي» الذي شرّع لنفسه قتل الحيّ حرقاً بالنار، فأثبت للمشكك في وحشيته قبل المتيقن منها، أنه إرهابي – تكفيري إلى أبعد حدّ.

المجرم «داعش» والضحية طيار أردني. للوهلة الأولى لا تتحسّس الأذن الخبر باستغراب إذ بات الإرهاب «ماركة» خاصة بهذا التنظيم. غير أنّ تفحّص الأسلوب الهمجي غير المسبوق الذي اتبع في قتل معاذ الكساسبة، يستفز الكيان والضمير وكلّ المشاعر الإنسانية.

معاذ الكساسبة ، طيار أردني كان يقوم بواجبه المهني والوطني حين أغار على معاقل الإرهابيين في سورية، فتحوّل من صقر حرّ طليق إلى أسير في قفص حديدي.

معظم التقارير ذكرت أنّ الكساسبة قتل في الثالث من كانون الثاني الماضي، والعديد من المؤشرات تؤكد ذلك. من بينها المدة المطلوبة لتركيب وتجهيز شريط الفيديو بأحدث التقنيات وبأعلى جودة ممكنة. راوغ «داعش» السلطات الأردنية حيث لم يعلن عن إعدام الكساسبة إلا بعد إشباع الفيديو بالعناصر الدعائية المبتغاة لإرفاقه بالخبر.

سينما «داعش» تتفوّق على «هوليوود»

تفوّق «داعش» على عظماء «هوليوود» في عملية الإخراج والتنفيذ والتصوير في شريط الفيديو الأخير. فيديو سينمائي تمّ تصويره من زوايا مختلفة وبطريقة لا تقلّ احترافية عن تصوير أيّ فيلم في أحد استديوهات هوليوود الأميركية، هدفه واضح… ألا وهو إعطاء جرعة خوف إضافية لكلّ من يقف ضدّ التنظيم والتأكيد على أنه لن يتمّ القضاء عليه بسهولة.

سادية «داعش»

«هذا الأسلوب من القتل غير مسبوق إلا في العصور الوسطى ويعبّر عن وحشية وسادية في تعذيب الإنسان.» بحسب المحامي الأردني سميح خريس الأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب الذي أضاف: «الدافع وراء قتل معاذ الكساسبة حرقاً هو نشر الرعب بين الناس عموماً وتوجيه رسالة إلى التحالف الدولي خصوصاً، بدليل انسحاب دولة الإمارات وبلجيكا منه. ما يعني أنّ إرهاب النفوس قد تحقق».

أين التحالف الدولي من عملية حرق الكساسبة؟

إنّ عملية إعدام الكساسبة في وضح النهار وفي منطقة سكنية كالرقة التي بدت خالية من الحشود أثناء التصوير، تثير التساؤلات حول دور التحالف الدولي لضرب «داعش» في سورية والعراق. الأمر الذي يدفعنا إلى تحليلين أحلاهما مرّ:

1 ـ ضعف العمل الاستخباري الغربي حيث من المفترض ألاّ تغادر طائرات استطلاع التحالف الدولي سماء معاقل الإرهابيين، وتحديداً في الرقة.

2 ـ رفض التحالف الدولي الإعلان عن عملية إعدام الطيار الاردني لحظة حصولها، والتي من المفترض أن يكون قد صوّرها وسجّلها طيرانه الاستطلاعي. ما يعني أنّ التحالف الذي تترأسه أميركا يتواطأ مع «داعش» أو أقله يفتقد إلى الجدية في عمله.

المردود الدعائي

«داعش أصرّ على تنفيذ هذا العمل في مشهد سينمائي رهيب مستخدماً أفضل التقنيات ومتعمّداً بث الرعب وإظهار السيطرة والتحكم بالأوضاع». قال مدير كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية الدكتور رامي نجم، وشرح: «بما أنّ الناس قد اعتادت على مشاهد الذبح، أراد داعش اللجوء إلى نمط أكثر وحشية، وكان الحرق وسيلته الجديدة التي أثرت في الجماهير وأثارت ضجة كبيرة، وبالتالي حقق الهدف المنشود.»

إنّ ابتكار «داعش» لأبشع أنواع العنف وآخرها قتل الحيّ حرقاً، بل وتصوير العملية ونشرها على المنتديات «الجهادية» في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ستترتّب عليه نتائج معاكسة لكلّ الدعاية التي مارسها وحقق نجاحاً فيها حتى الآن.

أولاً: خلق خلافات داخل التنظيم بسبب ضعف الوسائل التبريرية الدينية لهكذا نمط من العقاب، حيث أنّ غالبية علماء الإسلام يدينون ويحرّمون القتل حرقاً. ما يشكل استفزازاً صريحاً لأيّ إنسان حتى في أوساط العناصر التكفيرية. والدليل على ذلك كما يقول محللون هو انشقاق مجموعة كبيرة من «داعش» في تل أبيض «المعبر الرسمي» بين تركيا و«داعش» والذي يسيطر عليه الأخير بعد نشر شريط الفيديو بساعات.

«الحرابة»

وحول لجوء «داعش» إلى قتل معاذ الكساسبة حرقاً بحجة دينية علّق الخبير في شؤون الحركات الإسلامية الدكتور أحمد موصللي قائلاً: «لجأوا إلى مفهوم العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم. حيث اعتبروا أنّ الطيار الاردني يريد قتلهم بقذائف حارقة وقاتلة فردّوا عليه بالمثل. واستندوا إلى فتوى ابن تيمية بجواز قتل «الحرابة»، أي المحارب وقاطع الطريق، ولو حرقاً. إلا أنّ هذا رأياً شاذاً لا يوافق عليه أيّ مسلم.»

ثانياً: وحدة الشعب الأردني وتكاتفه في مواجهة «داعش»، حيث سيزداد الحقد عليهم داخل البلاد، ولن يستطيع أحد انتقاد مشاركة الأردن في التحالف الدولي لضرب «داعش».

ثالثاً: بدأت الأصوات تتعالى في الأردن للتنسيق مع سورية والعراق ولبنان في محاربة التكفيريين، ووقف تسليح وتدريب المعارضة السورية بكلّ أشكالها. بالإضافة الى المطالبة بعدم الانجرار وراء الحسابات الأميركية التي تستخدم الحرب على الإرهاب بوتيرة سياسية تخدم مصالحها وليس مصالح الشعوب العربية.

محاربة «داعش» بـ«القاعدة»

يتخوّف البعض من وقوع الأردن في فخ محاربة الفكر التكفيري بفكر تكفيري آخر. فقد أعلن مصدر قضائي أنّ السلطات الأردنية أطلقت سراح عصام البرقاوي منظّر تيار السلفية الجهادية الملقب بـ«أبو محمد المقدسي»، المعروف بمعارضته لـ«داعش» وتأييده لـ«جبهة النصرة»، وذلك بعد أكثر من ثلاثة أشهر على توقيفه بتهمة «استخدام الإنترنت للترويج لأفكار إرهابية». ما يطرح تساؤلات حول الإفراج عن «المقدسي» في هذا التوقيت بالذات.

غريزة القتل عند «داعش» فاقت الخيال. الحيوان يقتل كي يأكل، أما التكفيري يقتل كي يتلذذ بتعذيب وإلغاء الآخر. لكن: «إنّ الله يمهل ولا يهمل».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى