في ذكرى اغتيال الحريري… الضياع يسيطر على التيار الأزرق

هتاف دهام

لم يأتِ رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الذي تكبّد «عناء» المجيء إلى لبنان للمشاركة في ذكرى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، بجديد، سوى أنه أكد حال الضياع الذي يعيشه التيار الأزرق والخلافات بين أجنحته المتكسّرة. وكشف في خطابه الاستعراضي المتناقض الذي شن فيه «هجوماً عنيفاً على حزب الله لجهة تدخله في سورية ، ورفضه تسليم المتهمين بجريمة اغتيال والده، وتوزيع السلاح تحت تسمية سرايا المقاومة»، «أن حواره مع حزب الله، حاجة إسلامية لاستيعاب الاحتقان المذهبي الذي لم يعد من الحكمة التغاضي عنه، وضرورة وطنية لتصحيح مسار العملية السياسية وإنهاء الشغور في الرئاسة الأولى».

تحولت الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس الحريري أول من أمس التي أقيمت في «البيال» تحت شعار «عشرة، مية، ألف سنة، مكملين»، إلى الاحتفال بوجود الرئيس سعد الحريري الذي عاد خصيصاً من السعودية للمشاركة في ذكرى اغتيال والده. علا التصفيق بحضور الشيخ سعد الذي استعاض عن خلعه لـ«الجاكيت بتوزيع القبلات، على مناصريه الزرق الذين كانوا أبعد ما يكون عن حملة «علمني» التي سبقت الاحتفال.

حضر الحريري شخصياً احتفال البيال، بعدما شارك شخصياً للمرة الأخيرة في 14 شباط 2010، ليغادر إلى الرياض مع إسقاط حكومته من الرابية، والذي انقطعت معه شعرة معاوية بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، فتيار العماد ميشال عون الذي كان يشارك في هذه المناسبة منذ عام 2005 إلى عام 2010، توقف عن الحضور منذ عام 2011 إلى عام 2014، ليعود ويحضر أول من أمس بشخص وزير الخارجية جبران باسيل، ممثلاً الجنرال الذي يكون سحب One Way Ticket التي كان قد قطعها للحريري في عام 2011، وهي المرة الأولى التي يشارك فيها «الوطني الحر» من خلال الوزيرين باسيل والياس بو صعب والنواب آلان عون ووليد خوري وغسان مخيبر ونعمة الله أبي نصر، بعد الحوار الذي حصل بين التيارين البرتقالي والأزرق متنقلاً بين السعودية وفرنسا، وتشكيل حكومة المصلحة الوطنية. ولما كان رئيس حزب «القوات» سمير جعجع قد حضر الاحتفال وزوجته ستريدا، علمت «البناء» أن جعجع كان أبلغ المنظمين أنه لن يحضر الاحتفال، إلا «أن تبلغه بحضور الوزير العوني، دفعه إلى الحضور لعدم ترك «التيار الازرق» يقتنص فرصة فعالية الحضور مع الوزير باسيل الابن الروحي للجنرال عون». وعلى عكس «القوات»، تمثل حزب الكتائب في الاحتفال بحضور باهت جداً. غاب رئيسه أمين الجميّل، وغاب معه نجله سامي، كذلك، غاب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ليحضر الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان.

ففي حين بدأ الحريري كلمته بتمجيد الملك السعودي الراحل، مجدداً البيعة للملك السعودي الجديد، طلباً للرضا والتزاماً بالولاية والتبعية، قال: «لبنان ليس في المحور الذي يمتدّ من إيران إلى فلسطين مروراً بسورية ولبنان كما يريده البعض، ولا في أي محور، غالبية الشعب اللبناني تقول لا لهذا المحور ولأي محور. لبنان ليس ورقة في يد أحد، واللبنانيون ليسوا سلعة على طاولة أحد»، فكان كلامه محور تساؤل إن لم يكن أكثر من ذلك. قام الحريري بإجراء جولة أفق سطحية للدول العربية.

أما الإيجابية التي قد تكون وحيدة في خطابه، فتمثلت في حديثه عن الحوار والتزامه بالسير به، عندما أكد «أنّ الحوار مع حزب الله ليس خطوة لتجاوز نقاط الخلاف بل هو حاجة وضرورة وطنية». ورأى «أنّ الحوار هو حاجة اسلامية لاستيعاب الاحتقان المذهبي وتصحيح العملية السياسية»، معتبراً «أنّ الفوائد الناتجة من الحوار مشجعة على استكماله، ونحن جديون بالحوار وإن شاء الله سنصل الى نتائج». إلا أن كلام الحريري عن الحوار كان ناقصاً، لم يأتِ الحريري على ذكر «أنّ الحوار هو حاجة ومصلحة لتيار المستقبل «المعتدل» قبل كلّ شيء، بخاصة أنه يعلم أن التكفيريين الذين دعمهم في لحظة من اللحظات بدأوا بقضم هذا التيار ورفع الصوت فوق صوت الشيخ سعد، الذي اضطر في الايام القليلة الماضية الى طرد النائب خالد الضاهر الذي، وفق مصادر في «المستقبل»، سيليه آخرون». وأكد الحريري «أنه متطرف للبنان، للدولة، للدستور، للجيش… الخ، إلا «أنه لم يخبر جمهوره الذي يتقن «التصفيق» أكثر من «الإصغاء» أين أصبحت المكرمة السعودية لدعم المؤسسة العسكرية؟

علّم الرئيس الراحل رفيق الحريري أكثر من ثلاثين ألف طالب لبناني، إلا أنه فشل في تعليم مستشاريه والمحيطين به مهمة تنظيم المهرجانات، والتمييز بين المناسبات التي تكون أحياناً سعيدة وأحياناً حزينة. احتفال «البيال» الذي يصادف يوم عيد العشاق، دفع الكثير إلى التعليق إن كان منظمو الاحتفال، اختلطت عليهم المناسبة، التي أحيتها إلى تانيا قسيس، فرقة «من الآخر» التي غنت للمرة الأولى في البيال أغنية راب «وينو الي عمّر» بشهادة تلفزيون «تيار الشهيد»، بحضور مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان وعدد من المشايخ.

شهادات من علّمهم الرئيس الراحل والمتخرجين من مؤسسته، كانت أكثر من متدنية، وأقرب إلى تسديد فواتير قبل الانتخابات النيابية المقبلة على حساب الوطن. فمحمد ياسين ابن بلدة غزة الذي يعد من أغنى الاغنياء في بلدته، يضع الشيخ سعد في جيبه مالياً، فهو من قام بشراء أرض الحريري في حوش الحريمة، ومستوصف الحريري في تعنايل، وعائلته تملك الكثير الكثير من الاراضي والعقارات، قبل أن يعود الرئيس الراحل إلى لبنان من السعودية بداية الثمانينات، ويطمح الاستاذ ياسين وفق ابناء بلدته إلى موقع سياسي في صفوف الكتلة في المستقبل القريب.

نجح رئيس التيار الأزرق، للمرة الأولى في قراءة خطابه، بعدما استجاب لنصائح عدد من الاعلاميين والنائب السابق باسم السبع الذي يكتب له «كلماته»، قراءه الكلمة بالعامية، لكي يكون أقرب إلى قلوب مناصريه. وعلى رغم ذلك كان الخطاب وفق المراقبين أقرب إلى الخطاب المضطرب، القلق، المملوء بالتناقضات. الفقرة تلغي الأخرى، والمقطع يلغي الآخر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى