الحلقة الضائعة بين الأهل وأبنائهم

آمنة حسين حافضة

في مجتمعٍ قائمٍ على التجاذب بأولويّة التفرّد بالرّأي، وتتناحرُ فيه المناقشات بين جيلين يشكّلانِ بنيةَ هذا المجتمع من الآباء والبناء، بات التنافر الأسريّ ظاهرةً ترزحُ تحت وطأتها عائلات كثيرة، وغدا كلّ طرفٍ يلقي باللّوم على الآخر. ولم نصل إلى هذا التّباينِ كلّه إلا من خلال مفهومنا الخاطئ للتربية، فالتّربية ترمي إلى غايةٍ واحدةٍ هي توسيع دائرة الحياة، وتأهيلل االفرد ليسيرَ بثقةٍ ومهارةٍ، وليتصرّف باعتدالٍ أمام المواقفِ المتشعّبة على امتداد الدّرب، والتي تتطلّب العمل على استخراج وسائل السعادة والفائدة ممّا يدور حولنا.

المطالبة بممارسة الحرّيّة لا تعني أنّنا نقصدُ الإباحيّة مثلما يظنّ كثر، فالإباحيّةُ تنخر جذور الحرّيّة وتقضي على رونقها، وكلتاهما تلغي حدود الأخرى وتتخطّاها وتتجاوزها. لذا على الوالدينِ القيام بالواجبات المتعلّقة بأعناقهم، والمسؤوليّة المترتّبة عليهم، وليتركوا لفلذات أكبادهم الأمر وحرّيّة التّصرّفِ من دون الضّغط عليهم، وليَكْتَفوا بالمراقبةِ والحياديّة والتّرقّبِ. وليَنْظروا إلى تهديهم نحوه فطرتهم، وما تُمليه عليهم ضمائرهم. للأخلاق التّي غُرِسَت فيهم الدّورَ الأبرزَ في تقويمهم، فإن أحسنوا الاختيارَ فليحتضنوهم وليُمطروهم بالتشجيع على المثابرة والإقدام وليباركوهم، وإن كان العكس وكان اختيارهم واهناً ضعيفاً وطالهم بعض الشرّ بسبب ذلك، فإن ذلك يكون بمثابة الاختبار ومدرأةً لتخطّي العقبات واجتياز الرزايا المنتشرة على رصيف العمر.

ليس على الآباء سوى غرس الثقة في أفئدة أبنائهم، وليُدْركوا أنّ على كلّ شخصٍ أن يحيا حياته بجميع أبعادها، وعليه بالتالي أن يَجِدَ طريقه ويشقَّ سبيله ودربه بنفسه، فهو المسؤولُ عن كلّ عملٍ يأتيه ويختاره، وعليه أن يتحمّل نتائجه وتبعات اختياراته. فمتى ندرك وَهَنَ تربيتنا وبأنّها ناقصة،وأنّها أساس كلّ تسلّطٍ وعنفٍ؟ ممّا لا شكّ فيه أنّ ذلك يجعل الحياة مثل الرّيح السموم؟ متى نفهم ونَعي أنّ العنف لا يُولّد إلاّ العبوديّة؟ ومن ينشأ على العبوديّة لن يتمكّنَ من بذر الأمن وغرس مبادئ العدل والحرّيّة، ففاقد الشيء لا يعطيه.

يا حبذا لو أمعنّا النّظر في العلاقة بيننا وبين هذه الغرسات الطريّة التي تحتاج إلى العناصر الأولويّة لبسط أغصانها كي تبلغ الأفق!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى