السعودية: جدلية التسلّح والنفط
وليد زيتوني
أكدت التقارير الصادرة عن مراكز مراقبة التسلّح في العالم، ومنها مركز الدراسات الاستراتيجية في لندن، أو مركز استوكهولم، أنّ المملكة العربية السعودية من ضمن الدول الثلاث الأولى التي تتصدّر الإنفاق على التسلّح. وهي ليست المرة الأولى التي تقارب هذا المركز. وأنها إلى جانب الإمارات العربية المتحدة تصنّف من ضمن الدول الخمس عشرة الأوائل عالمياً. وهي مراتب لم تصلها أبداً دولة الكيان الغاصب في فلسطين. بحيث تصل نسبة إنفاقها على هذا الموضوع الى حدود 10 في المئة من الناتج المحلي. بقيمة مشتريات وصيانة وتشغيل تقارب 100 مليار دولار أميركي سنوياً.
التسليح بشكل عام ليس هدفاً بحدّ ذاته، إنما يرتبط بالجدوى العملانية للجيش في حركته الاستراتيجية للدفاع عن مصالح الدولة القومية. والجدوى العملانية في هذا السياق لا تنفصل عن دور الجيش في البيئة الجيوبولتيكية والجيو استراتيجية. وإذا ما اعتبرنا، أنّ السعودية تبحث عن دور سياسي أكبر، أو لنقل إنها تعمل على تثبيت دورها الحالي. فإنها بحاجة أكيدة إلى تسليح ضخم يتناسب مع مساحة أرضها البالغة مليوني كلم مربع، وعدد سكان يقارب 30 مليون نسمة. ولكن بحسب السياسة المعلنة فإنّ الجدوى العملانية، هي أو من المفترض أن تكون، لها علاقة بمسألتين. الأولى تتعلق بحماية منابع النفط وطرق تجارته، والثانية بحسب ادّعائها مواجهة «إسرائيل» وإيران.
في المسألة الأولى، نرى أنّ حماية آبار النفط ومراكز التكرير والنقل المحلية والإقليمة والعالمية، جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الأميركية، وهي تقع تحت الحماية بل السيطرة الأميركية والغربية. أما المسألة الثانية، والتي افترضنا فيها أنّ السعودية تعمل على التوازن مع إيران و«إسرائيل»، وهي على رغم شكوكنا، تفترض القدرة على استيعاب السلاح وتشغيله وصيانته. هذا ليس بمقدور السعودية على الأقلّ في المرحلة الحالية وربما في المراحل المنظورة، ونستند بذلك إلى عديد جيشها الذي يضمّ هنوداً وباكستانيين وجنسيات أخرى، إضافة إلى المستوى الوضيع علمياً للعناصر المحلية التي يتشكل معظمها من البدو. كما أنّ شروط التسلّح من ناحية أخرى تطمح إلى تحقيق المفاجأة التقنية. وهذا الأمر مستبعد لاعتماد المملكة السعودية على شراء الفائض أو المعروض من الأسلحة الأميركية وغير الأميركية. فالصفقة الأخيرة التي تشكل طائرات أف15 عمودها الفقري، لم يوافق عليها الكونغرس الأميركي إلا بتزامنها مع تسليم طائرات أف35 الأحدث لـ«إسرائيل». وهذا في الواقع لا يشكل توازناً إنْ كان على المستوى النوعي أو على المستوى الكمّي.
على المقلب الآخر، أو على صعيد النفط. وعلى رغم الانخفاض الكبير في الأسعار، الذي أدّى إلى خسارة السعودية ما يقارب 200 مليار دولار سنوياً من ناتج إجمالي بحدود 350 مليار دولار سنوياً. فإنّ صفقة التسليح الأخيرة طاولت 20 في المئة من الرصيد المتبقي. وإذا ما أضفنا مبالغ التسليح التي تحوّل إلى الدول الأخرى مصر، لبنان، الخ والعصابات التكفيرية الدائرة في الفلك السعودي فتصبح النسبة تتجاوز 30 في المئة، وهي نسبة هائلة إذا ما قارنّاها بالإنفاق العسكري للدول الأخرى بما فيها الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي لا تصل نسبتها أكثر من 3 في المئة.
إن تخفيض النفط، قرار أميركي في الأساس، ليس مبنياً على حاجة السوق وإنما يقع في سياق الحرب الاقتصادية على روسيا وإيران. إضافة إلى كونه عاملاً منشطاً للاقتصاد الأميركي بحيث حقق وفراً يتجاوز 400 مليار دولار سنوياً. وبالتأكيد فإنّ مبيعات الأسلحة الملزمة وغير المجدية عملانياً للسعودية وغيرها من الدول النفطية تندرج في سياق هذا التنشيط. فالدراسات التي أعدّت من الشركات الأميركية المصنّعة للسلاح، أوردت أنّ صفقة السلاح الأخيرة البالغة 60 مليار دولار تفتح حوالى 77 ألف فرصة عمل في 44 ولاية أميركية. ناهيك عن الصفقات الجانبية غير المعلنة أو التي يجرى التفاوض على عقدها.
بالاستنتاج، نرى مشروع النهب الأميركي مستمراً، إنْ على مستوى تخفيض الأسعار، أو على مستوى إلزام الدول النفطية بسلاح هي ليست بحاجة إليه. وبالتالي ليس للولايات المتحدة أصدقاء وحلفاء، بل زبائن ومصالح وسرقات.
عميد ركن متقاعد