دي ميستورا حسمها لا حلّ إلا بالأسد…
سعد الله الخليل
في السياسة التي توصف بفنّ الممكن تُبنى التحالفات وفق مبدأ المصالح والإمكانيات المتاحة لتحقيق الأهداف والتطلعات الاستراتيجية البعيدة المدى والتكتيكية الآنية والقريبة المدى، وفي أعراف الشعوب والدول أن تترك البراغماتية السياسية مجالاً للتراجع عن المواقف والسياسات الكبرى طريقاً وفق ما تقتضيه التطورات المرحلية التي ربما تخالف التوقعات والخطط التي ترسمها تلك الدول، خاصة في القضايا الكبرى التي يتوقف عليها مصير دول ورسم خرائط جيوسياسية كبيرة إقليمية وربما عالمية، وفي منطق التجارة مبدأ يقضي بأن لا يضع التاجر البيض كله في سلة واحدة.
وحدها الدول الفاشلة التي تمضي في سياساتها من دون أن تترك لخط الرجعة أي حسابات، وتغامر وتقامر بكلّ البيض في سلة واحدة، وتتورّط حتى النخاع في ملفات أكبر من حجمها على أمل أن تعزز مكانتها في نادي الكبار في السياسة، هذا ما سعت إليه تركيا في ظلّ موجة ما سُمّي «الربيع العربي»، ربما نجحت في بعض المحطات بكسب بعض النقاط الآنية في معارك مصر وتونس وليبيا، سرعان ما خسرتها بعد سقوط المشروع الإخواني في المنطقة لتبقى الورقة السورية الأخيرة التي تلعب بها أنقرة لتبني مشروع مستقبلها السياسي على تصدّر الحرب على سورية كرأس حربة في معركة إسقاط الرئيس الأسد، فسرعان ما قطع آردوغان شعرة معاوية مع دمشق الأسد مطلقاً الوعيد والمواعيد لاقتراب صلاته في المسجد الأموي، بانياً استرتيجياته على دعم جماعة «الإخوان المسلمين» بغطاء «المجلس الوطني» تارة و«الائتلاف» تارة أخرى، وجناحها العسكري تحت يافطة وعنوان عريض «الجيش الحر»، والذي سرعان ما سقط مع تنامي الجماعات التي تسمّي نفسها «جهادية»، والتي أغرت عناصر «الحر» بما تقول إنه «مشروع إسلامي»، فتحلل «الحرّ وتسيّدت «النصرة» و«داعش»، ولأنّ المشروع الأردوغاني في الحرب على سورية لا رجعة فيه فتحت ذراعيها للتنظيم وسهّلت دخوله إلى الأراضي السورية.
أدركت تركيا أنّ إمساكها بورقة «داعش» فرصة ذهبية للسير في الحرب على سورية، خاصة في ظلّ تواجد «جبهة النصرة» الشريك الحليف لـ«داعش» في الجنوب والدعم «الإسرائيلي» اللامحدود لفصائل «النصرة»، التي توقعت تركيا أن تكون الذراع الرديفة لها في محاولة الضغط على دمشق وصياغة التفاهمات السياسية الكبرى في ظلّ غياب الرؤية الواضحة لآفاق الحلّ السياسي التي تنادي به الأطراف الدولية، بدءاً من وثيقة جنيف إلى مبادرات المبعوثين الأمميّين التي لم تر النور، ما أغرى تركيا بالسير في دعم «داعش» باعتقادها أنها اللاعب الأكثر فاعلية على الأرض.
حساب البيدر السوري لم يوافق قبان أردوغان وسفن الميدان لم تسر وفق رياحه، فبعد عملية القنيطرة والردّ الموجع لحزب الله في مزارع شبعا، بدأت عملية إنهاء الدور «الإسرائيلي» من خلال القضاء على مَن كان يعمل لجعلهم «جيش لحد» جديداً على تخوم الجولان المحتلّ، وها هي «جبهة النصرة» والمجموعات المساندة لها في الجنوب، تتساقط تباعاً، حيث تأتي العمليات العسكرية للجيش العربي السوري والمجموعات الرديفة وقوى المقاومة أكُلها في ما تشهدة قطاعات ريف درعا والقنيطرة من سقوط دراماتيكي للمجموعات المسلحة في معارك كسر عظم، ما يعكس إرادة سياسية تتجلى بإخراج هذه المنطقة من أي حسابات سياسية مستقبلية، وعودتها لسيطرة الجيش السوري، ما يعني خسارة أردوغان لتلك الجبهة.
ومع رفض القيادة السورية تمديد خطة دي ميستورا إلى ريف حلب، يدرك أردوغان فشله في خلق منطقة منزوعة السلاح بمحاذاة الحدود التركية بما يمكنه من دعم أوهامه، ولعلّ إعلانه عن منطقة عسكرية مغلقة في محافظة شانلي أورفة في جنوب تركيا على الحدود المشتركة مع سورية، في ظلّ الاشتباكات الدائرة بين «داعش» والفصائل الكردية في سورية، صورة عن الأزمة التي وصلت إليها تركيا في سورية خاصة، وبعد أن أعلنها دي ميستورا بأن الأسد جزء من حلّ الأزمة في سورية ما يعني أنّ أردوغان لن يصلي في الجامع الأموي إلا بإذن من الأسد… دي ميستورا حسمها: لا حلّ الا بالأسد.
«توب نيوز»