لماذا قال ما قال سعد الحريري؟ ماذا لو قال سعد الحريري؟

ناصر قنديل

– قال الرئيس سعد الحريري، بعد عودة إلى بيروت لقيت الترحيب من الجميع، في ذكرى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، كلاماً أثار الجدل حول مدى تطابقه مع هدف نزع فتيل الاحتقان من الشارع، وهي المعادلة التي برر بها الحوار مع حزب الله، والتساؤل المشروع حول مدى صلة الكلام بتصعيد تفاوضي لا يرى الحوار إلا منصة التفاوض، ويرى فرصة الاحتماء بالحوار لحظة تسمح برفع السقوف ولا تلزم بتخفيضها.

– قال الحريري: «قواعد الحوار لا تعني التوقف عن السؤال عن المصلحة اللبنانية في اختزال العرب في نظام الأسد ومجموعة مليشيات مسلحة تعيش على الدعم الإيراني لتقوم مقام الدول في لبنان والعراق وسورية وإيران ونفي الجامعة العربية»، متسائلاً: «أين هي المصلحة في ذهاب شباب لبنان للقتال في سورية والعراق والتدخل في شؤون البحرين والإساءة لدولة لا تقابل اللبنانيين إلا بمحبة وحسن الضيافة؟»، قائلاً: «مصلحة لبنان من كل ذلك صفر ومعدومة وغير موجودة».

ولفت الحريري إلى أنه «في موضوع رئاسة الجمهورية هم غير مستعجلين وفي موضوع الاحتقان نقول إن هناك 4 أسباب لهذا الاحتقان: رفض حزب الله تسليم المتهمين باغتيال الحريري، ومشاركته في حرب سورية، وتوزيع السلاح تحت تسمية سرايا المقاومة، شعور باقي اللبنانيين أن هناك مناطق وأشخاصاً لا ينطبق عليهم لا دولة ولا قانون»، مؤكداً: «أننا في الحوار لم نطلب من حزب الله شيئاً وقلنا لهم أنتم تريدون تخفيف الاحتقان ونحن أيضاً لأن مشروعنا هو رفض الفتنة وهذه هي أسباب الاحتقان وقولوا لنا ماذا تستطيعون أن تفعلوا وهذا هو أساس الحوار مع الحزب ونحن جديون ونتمنى الوصول إلى نتائج».

ولفت إلى أن «النزاع قائم فعلاً حول ملفات ليست خافية على أحد من ملف المحكمة الدولية والمشاركة في الحرب السورية إلى ملف حصرية السلاح بيد الدولة والإعلان الأخير عن ضم لبنان إلى الجبهات العسكرية في سورية وفلسطين وإيران».

– قال الحريري: «إننا لن نعترف لحزب الله بأي حقوق تتقدم على حق الدولة في قرارات الحرب والسلم وتجعل من لبنان ساحة أمنية وعسكرية يسخرون من خلالها إمكانيات الدولة اللبنانية لإنقاذ النظام السوري وحماية المصالح الإيرانية».

– كرر الحريري وصف كل ما اعتبره مخاطرة من حزب الله بمصير لبنان بالجنون، من جنون ربط جبهة الجولان بجنوب لبنان الذي يستدرج حرباً، إلى المشاركة في سورية التي شكلت برأيه جنوناً سبب استدراج جنون الإرهاب.

– النتيجة الفورية لكلام الحريري، كانت رفع منسوب التوتر المذهبي بزيادة حدة التعبئة العدائية ضد حزب الله في البيئة المحيطة بتيار المستقبل، ورفع التساؤلات في البيئة المحيطة بحزب الله عن مبرر الاستمرار بالحوار مع تيار المستقبل بعد هذا الكلام، والخلاصة قدم الخطاب أكبر إساءة للحوار الذي يفترض أنه صيغ بهذه الطريقة ليحميه.

– كان الرئيس رفيق الحريري في عام 1992 قد دخل الحكم على خلاف كبير مع حزب الله وخصوصاً خياره المقاوم، وفقاً لرهان مساعي التسوية التي كانت قيد الإعداد للانطلاق في مدريد، وكانت سورية الشريك العربي الرئيسي فيها، وكانت قراءته لاتفاق الطائف مؤسسة على فرضية انطلاق قطار الحلول الكبرى في المنطقة. وهو أطلق مشاريع الإعمار العملاقة، وأعباؤها في سياق هذا الرهان. وما كان يردده، لا تهتموا للديون فالسلام الآتي سيحمل إعفاء كل دول المنطقة من ديونها الخارجية، وتورط الرئيس رفيق الحريري من ضمن مجموعة إقليمية مركزها السعودية وفرنسا ولها امتداد في سورية، بتصادمين خطيرين مع المقاومة عام 1993، واحد بحادثة جسر مطار بيروت وإطلاق النار على المتظاهرين المنددين باتفاقية أوسلو، والثاني بقرار إرسال الجيش إلى الجنوب بعد عدوان تموز 1993، تحت شعار منع أي سلاح غير سلاح الجيش اللبناني، والمقصود كان سلاح المقاومة، وهو القرار الذي أحبطه يومها الرئيس إميل لحود كقائد للجيش، أصرّ على ترجمة ما قيل أنه دعم سوري للقرار، بالتزام من الرئيس حافظ الأسد بدعم الجيش اللبناني عسكرياً إذا تعرض لكمين «إسرائيلي» شبيه بحادثة كوكبا عام 1978، ليتبيّن لاحقاً أنّ الرئيس حافظ الأسد لم يكن على علم بالقرار الذي نسبت إليه تغطيته.

– بعدما قتل إسحاق رابين عام 1994 وبدا أنّ مسار مدريد كله قد جرى نسفه، وأن خيار الرهان على السلام صار مقامرة بلا رصيد، وتنامت المقاومة واشتدّ ساعدها، ولم تعد مجرّد ورقة ضغط تكتيكية كما رآها الحريري من قبل يمكن توظيفها المضبوط لتسريع تنفيذ القرار 425، بالاعتماد على ضغط دولي وفقاً لموجبات خيارات الحلول الشاملة، وقع عدوان نيسان 1996، وشكلت المقاومة ورقة لبنان الرابحة، استدار رفيق الحريري، وقرر مصالحة حزب الله، وبدء حوار معه، وواكب الحرب «الإسرائيلية» وبطولات المقاومة، وكان الشريك السياسي لها في السعي لوقف للنار وفق شروطها، مستقوياً بموقف الرئيس حافظ الأسد، ليولد تفاهم نيسان 1996، بدور فرنسي سوري كان رفيق الحريري شريكاً معهما، والنتيجة تشريع عمل المقاومة وحماية المدنيين.

– يشرح رفيق الحريري التبدل في موقفه، ولا يواصل العناد، فيقول مراراً، كنا نراهن على السلام، وإصرار المقاومة على التحول إلى خيار إستراتيجي يعاكس السلام، وإيديولوجية حزب الله تعقد السلام، لكن حدث ما ليس في الحسبان، لم نكن نحن ولا غيرنا نتوقع، فشل مساعي السلام لأنه عندما تكون كل الظروف الدولية والقوى الإقليمية الكبرى هذه مشيئتها فليس لك أن تتوقع الفشل، لكن قلة من «الإسرائيليين» المتطرفين نجحت بإفشال هذه المساعي ووضعت لها حداً وقررت نقل المنطقة إلى مسار مختلف كلياً، فهل نواصل العناد، أم نبحث عن نقاط القوة في بلدنا، ونستثمر عليها، وفي مقدمتها المقاومة، التي فاجأتنا أيضاً بظهور قدراتها وقوتها ومستوى حنكتها وخبرتها سواء في ميادين القتال أو التفاوض، فلماذا الإنكار، وخاض إدارة الحوار مع المقاومة وفقاً لمعادلة، تصبح المقاومة خيار لبنان الإستراتيجي للتحرير مقابل أن تكتفي بجعل هدفها تحرير الأراضي اللبنانية وتحرير الأسرى اللبنانيين، وبعدها يجري الاتفاق على صيغة تحدد دور ومستقبل سلاح المقاومة في الدفاع عن لبنان، وهو التفاهم الذي بقي معمولاً به حتى اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

– ما كان يحتاجه الرئيس سعد الحريري هو عقل والده، وليس غريزة محاكاة المزايدة على النائب الذي علق العضوية في كتلته خالد الضاهر، فيسخر خطابه للرد عليه، وقد كان في عهد رفيق الحريري وحوله أكثر من خالد ضاهر.

– كان الحريري يحتاج لشجاعة الاعتراف، بأن تنامي قدرة ردع المقاومة بوجه «إسرائيل»، الذي تم رغماً عن مشيئة وإرادة الحريري، كان في مكانه وأثبت جدواه، خصوصاً أن عملية مزارع شبعا الأخيرة هي أول اختبار عملي للخيارات الكبرى بعد حرب تموز 2006، وأثبتت المقاومة حكمتها في استخدامه، كما أن قتال حزب الله في سورية أثبت صوابه كخيار، في ردع الإرهاب ومشاغلته بعيداً عن لبنان واستنزافه ومنعه من التوغل والتقدم في العمق اللبناني، وأن يعترف أنه كما تبخر خيار السلام على رغم ما وصفه والده بالإجماع الدولي والإقليمي، تبخر الرهان على سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، على رغم الإجماع المماثل، ويكفي إعلان المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا عن الأسد كضرورة للحل من جهة، ومؤشرات اقتراب التفاهم النووي الإيراني من جهة مقابلة، وتوقيع الاتفاق الخاص بإنهاء الحرب في أوكرانيا وفقاً لمشيئة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من جهة ثالثة، لتشكل وقائع يستند إليها الحريري ليقول، العالم يتغير، ولم تكن مشكلتنا أننا لم نتوقع ذلك، فقد كان كل ما حولنا يشير إلى العكس، ولذلك يعلن الحريري أن الحوار ليس لتنفيس الاحتقان فقط، بل للاستثمار على مصادر قوة يملكها لبنان في معادلات المنطقة الجديدة، تشبه تلك التي تحدث عنها والده قبل عشرين سنة عشية تفاهم نيسان 1996 وما بعده، ويقول نريد التفاهم مع حزب الله من موقعنا كقوة مستقلة لن توافقه على كل شيء، بل ستمنحه التغطية اللبنانية الشاملة، لدوره إذا استطعنا التفاهم على سقوف لبنانية لهذا الدور، ويحدد محاور الحوار أو التفاوض الذي يريده، تحت هذا السقف، فيعرض أن يصير ردع «إسرائيل» والإرهاب كإنجاز للمقاومة موضع احتضان وإجماع اللبنانيين مقابل المطالبة بحصر الاستثمار لفائض قوة حزب الله بمهمة الردع المحسوبة بعدم التورط في حروب، ثبت أن حزب الله يديرها بحكمة وشجاعة، ويعرض أن لا يجري استثمار عائد هذا الدور أمنياً وسياسياً في الداخل اللبناني بداعي حماية الدور مقابل تبديد المخاوف والهواجس بمنح هذا الدور الاحتضان والغطاء الشاملين لبنانياً، ويسأل هل بالمستطاع أن نؤسس على مثل هذا التفاهم الجديد فرصة لانتخاب رئيس للجمهورية؟ وأن يضيف أن حزب الله يجاهر بتحالفاته الممتدة من سورية إلى إيران والعراق وفلسطين وصولاً لروسيا، ونحن لا نخفي أن تحالفاتنا تمتد من السعودية إلى تركيا وفرنسا وصولاً لأميركا، ولذلك فإن بمستطاع حزب الله أن يكون جسر لبنان إلى نصف العالم والمنطقة الذي ينتصر، وأن نكون نحن جسر لبنان إلى النصف الآخر الذي لم يهزم، فيستفيد لبنان بدلاً من أن يدفع الثمن، وربما نكون كلبنانيين جسر التواصل الذي يحتاجه هذان النصفان من المنطقة والعالم، فنكبر ويكبر لبنان بنا.

– لم يرد الحريري أن يكون وارثاً لأبيه، بل أن يكون نداً لخالد الضاهر وتلك مشكلته هو، فأضاع فرصة على لبنان واللبنانيين لرؤية رجل دولة في لحظة تاريخية مؤاتية، أما أن يقول الحريري إن كلامه كان من خارج المحاور وقد صال وجال في المنطقة بعيون سعودية، فشتم إيران وسورية وثورة الشعب في كل من البحرين واليمن، فالأمر متروك لمن يريد أن يصدق، وأن يصف الذين يستشهدون من اللبنانيين في مواجهة الإرهاب و»إسرائيل»، بعصابات تعمل لحساب إيران، فعن أي حرص على النسيج الوطني يتحدث، من دون أن يسأل نفسه عن وقع كلامه على مواطنين لبنانيين لا يملكون جنسية أخرى، ولا يملكون يختاً ولا قصراً، لا في لبنان ولا في الرياض ولا في باريس، وقد فقدوا أغلى أولادهم في ساحات يعتبرونها ساحات شرف وكرامة، وسمعوه يصفهم بالمنتمين لعصابات تعمل لغير المصلحة اللبنانية؟ أهكذا يصان النسيج الوطني اللبناني؟

– إذا كان من نصح الحريري بالتصعيد سعودياً فقد أراد تلقي الشكوى على رعونته، ليقول إن التفاوض يجري معنا وليس معه، وإذا كان أميركياً فقد قرر إحراق ورقة الحريري ربما لأن التسويات تحتاج نموذجاً آخر لرئاسة الحكومة، أملاً بمقايضته في مفاوضات رئاسة الجمهورية، أو تمهيداً لجعل ثمن عودته لرئاسة الحكومة مرتفعاً بحجم القبول برئاسة الجمهورية للعماد ميشال عون، وإن كانوا من أسماهم جيفري فيلتمان لوليد جنبلاط بفلاسفة الرابع عشر من آذار فقد كان على الحريري أن يستمع للنصيحة التي قدمها فيلتمان لجنبلاط بعدم الاستماع إليهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى