المقاومة لا تمارس عادة الغيلة

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

ليس لأحدنا إلا أن يقف بإجلال أمام تضحيات المقاومين في ذكرى قادتهم العظام الشيخ راغب والسيد عباس والحاج عماد. هؤلاء الذين لم ينفصلوا يوماً عن أرضهم وقضيتهم ووطنهم بل كانوا بكل وجودهم يقاومون حتى النصر أو الشهادة. لم يتلهوا بالصغائر، ولم ينزلقوا إلى ترّهات السياسة ومتوسليها، هجروا الملذات الدنيوية وتوجهوا نحو المطلق واليقين والطهارة والممارسة الإيمانية والوطنية الصادقة. لذلك نجحوا حيث فشل الآخرون، نجحوا في تحرير الأرض والإنسان، واستعادة الحق والكرامة لكل اللبنانيين على اختلاف مشاربهم ولو جحد بعضهم بذلك.

لقد رأينا كيف قدّم هؤلاء المقاومون دماءهم وأرواحهم في سبيل هذا الوطن؟ كيف مضوا وحدهم بين الفواجع والمآسي والظروف القاهرة ليصنعوا الأمل والمستقبل؟ كيف أمسكوا بزمام الإيمان متوكلين على الله وحده في تحقيق الأهداف. وكان العرب المتعبون والمنهزمون يرون أنّ أحداً لا يمكنه كسر إرادة الاحتلال ولا قهر الجيش الذي لا يقهر! وكان قسم من اللبنانيين قد أقدموا على توقيع اتفاقية 17 من آذار مستندين إلى أنّ لبنان ضعيف، وأنّ كياناً هشاً وجيشاً محدود العدد والعتاد ليس بمستطاعه أن يردع عدواً وعدواناً فالأولى الانحناء والانبطاح على طريقة الأعراب الجبناء! لكن ثلة من المقاومين البواسل والعلماء الأفذاذ رفضوا هذا المنطق بل حتى التحول إلى مقاومة مدنية لضرورات المرحلة! وإنما أصروا على المقاومة العسكرية الذي عبّر عنه باختصار الشهيد الشيخ راغب حرب عندما قال: «الموقف سلاح والمصافحة اعتراف».

ولكن يخرج علينا بعض الإعلام المغرض ليتهم المقاومين بعد مسار طويل من التضحيات والمكابدات الشاقة، بل ويشكك بانتمائهم الوطني وإحداث الفتنة بين اللبنانيين.

ولو يعرف هذا الإعلام الذي ينقل تلك الأصوات والمواقف التي تصدر عن أشخاص من أشباه الرجال أنّ المقاومة قامت بكل هذه الإنجازات في سبيل وحدة الشعب اللبناني وأمنه واستقراره ، وأنّ هدفها الأول كان وما زال حماية السيادة اللبنانية والأرض اللبنانية والكيان اللبناني من شر الصهاينة والتكفيريين، الذين لم يوفروا حجراً ولا بشراً بل عاثوا في الأرض فساداً وكانوا أشبه بالسحب السوداء التي تمطر كراهيةً وكذباً وحقداً وافتراءً، ولم تكن ثمة قوة غير المقاومة تستطيع أن تُخرج اللبنانيين من الحلكة الخانقة التي اكتنفتهم وغطت عليهم هناءهم وعيشهم الكريم.

أيها السادة: أنتم من تتحدثون عن المقاومة بسوء. لولا المقاومة لما كان هناك وطن تنامون فيه، ولما كان هناك منبر تصعدون عليه لتتكلموا بهذه الجرأة.

المقاومة بكل تواضع هي من حمتكم وجعلتكم أعزة بين أهلكم، هي التي جعلتكم نواباً ووزراء ورؤساء ومسؤولين في السلطة. بينما عملتم أنتم لسنوات طويلة إما تخذّلون الشباب اللبناني كي لا يُدافع عن أرضه، وإما تحرّضون على المقاومة لإثارة الفتن، وإما تمارسون هوايتكم المفضلة بالتنظير وأنتم جالسون في بيوتكم. لم تقدموا مالاً ولا دماً ولا موقفاً. وأخذتم السلطة واستوليتم على الأموال والمرافق العامة ولم تشبعوا، وها أنتم مصرّون على ممارسة هوايتكم المفضلة، بإثارة النعرات الطائفية واتهام المقاومين بأنهم اغتالوا فلاناً وفلاناً. المقاومة التي تقدم أغلى وأنقى وأطهر شبابها في سبيل الوطن لا تمارس عادة الغيلة.

المقاومة تنضح بالشرف والإيمان والمناقبية وتزن كل أعمالها بمرضاة الله. فليكف هؤلاء التعساء عن العادات الصبيانية الصغيرة وليعودوا إلى العقل زينة الرجال الرجال!.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى