ردّ مصر على ذبح المصريين في ليبيا
حميدي العبدالله
شنّ الطيران المصري غارات جوية استهدفت مواقع لتنظيم «داعش» في أنحاء متفرّقة من ليبيا. ووجهت الغارات بردود فعل مختلفة، البعض رحّب بهذه الهجمات بوصفها رداً طبيعياً على جريمة وحشية مثل الجريمة التي ارتكبها «داعش» بحق 21 شاباً مصرياً. ولكن الجماعات الأخرى التي تشكل بيئة حاضنة للجماعات الإرهابية، وتدافع عن هذه الجماعات وتبرّر أفعالها نشرت صوراً لما أسمته جثث أطفال سقطوا جراء الغارات التي نفذتها الطائرات المصرية على مدينة درنة الليبية المعقل الرئيسي لتنظيم «داعش»، كما فعلت قناة «رصد» التابعة لـ«الإخوان المسلمين» في مصر.
لكن يظلّ السؤال هل الغارات تشكل ردّاً فعالاً ينهي وجود هذا التنظيم الإرهابي؟ بكلّ تأكيد الجواب بالنفي في ضوء تجارب سابقة لدول عديدة اكتفت بمحاربة هذا التنظيم الإرهابي وتنظيمات «القاعدة» الأخرى، عبر الغارات الجوية.
وإذا كانت الغارات الجوية لا تشكل ردّاً فعّالاً، فهل قيام الجيش المصري بعملية برية يشكل حلاً وقضاءً على هذه المجموعات الإرهابية؟
واضح أنّ هذا الخيار لا تفضّله مصر لأسباب عديدة، بل إنّ هناك من يراه فخاً لاستنزافها، والأرجح أنّ مثل هذا الخيار لن يبصر النور. هناك من يدعو إلى بديل عن القيام بعملية عسكرية برية بتقديم دعم منسق مصري – تونسي جزائري، وربما سوداني للقوات والجماعات الليبية المناهضة لـ«داعش»، لكن مثل هذا الدعم موجود قبل جريمة «داعش» ضدّ الرعايا المصريين، وثمة دعم غربي يفوق دعم هذه الدول جرى تقديمه إلى حفتر والقوى المساندة له، ولكن كلّ ذلك لم يحل دون توسّع «داعش» وتنظيمات «القاعدة» الأخرى في فرض سيطرتها في أنحاء جديدة من ليبيا، كان آخرها بعض الحقول النفطية ومدينة سرت.
الردّ الفعّال على «داعش» وتنظيمات «القاعدة» الأخرى، سواء في ليبيا أو العراق أو سورية أو أيّ بلد آخر تتواجد على أرضه هذه التنظيمات هو اتخاذ موقف دولي حاسم منها، وردع أيّ دولة تقدّم لهذه التنظيمات الدعم والغطاء تحت أي مبرّرٍ كان، فمن المعروف أنّ دولاً مثل قطر وتركيا وحتى السعودية لا تزال تبرّر الكثير من نشاط هذه التنظيمات الإرهابية وتقدّم لها الدعم، فبذريعة مواجهة تقدّم الحوثيين تقدّم السعودية الدعم لتنظيم «القاعدة» في اليمن وتبرّر الأعمال التي يقوم بها، وفي ذريعة مواجهة التهميش في العراق والتصدّي للهيمنة الإيرانية تقدّم تركيا وقطر والسعودية الدعم لـ«داعش» والقوى الحاضنة لها، وينطبق الأمر ذاته بقوة على مواقف هذه الدول من التنظيمات الإرهابية في سورية. وتجاهر قطر بدعمها للتحالف الذي يسيطر على أجزاء واسعة من ليبيا، ويجمع «الإخوان المسلمين» وتنظيم «القاعدة»، وهذا الدعم الذي تقدّمه هذه الدول تحت هذه الذرائع للتنظيمات الإرهابية سرعان ما يصل إلى الفروع الأخرى في شتى أنحاء العالم، مما يمكن هذه الفروع من القيام بأعمالها الإجرامية، وميوعة الموقف الدولي من هذه التنظيمات الإرهابية ومن بعض الدول الراعية والداعمة لها، هو الذي يساعد هذه التنظيمات على النمو وامتلاك قدرات إضافية، وتنفيذ المزيد من الهجمات الإجرامية الإرهابية في مناطق جديدة، سواء في ليبيا أو السعودية، أو في بعض الدول الأوروبية.