السيد ومعادلاته الجديدة: علينا التصرف كالدول الكبرى في مرحلة رسم الخرائط
ناصر قنديل
– بذات الدرجة كان السيد حسن نصرالله حريصاً على الحوار اللبناني الداخلي بتواضع فريق لبناني صغير، ومتمسكاً بمقاربة محورها أنّ حزب الله صار قوة إقليمية كبرى بمصاف الدول الكبرى، ولن يتراجع إلى الزواريب اللبنانية الصغيرة، ولن يستعيده التصعيد الكلامي إلى بيت بات يضيق على حجمه، وما يجب أن يعني الفرقاء اللبنانيين هو أنّ مكانته الجديدة بين القوى الكبرى هي قيمة مضافة للبنان، طالما أنه لا يصرف فائض قوته لتحسين موازين فئوية أو طائفية، بل يوظف عائدات دوره لحماية لبنان، من الخطرين «الإسرائيلي» والإرهابي.
– بذات الدرجة كان رفض السيد الدخول في مساجلات مع الرئيس سعد الحريري، مكتفياً بالتأكيد على أهمية مواصلة الحوار ومشيداً بجدّيته، وكان إصراره على تفنيد ما ورد على لسان الحريري لدحض ما تضمّنه من تناقضات، بدءاً من اتهام حزب الله بلعبة المحاور بينما المتحدث غاطس في المحورية حتى نخاعه الشوكي، مروراً بالاعتراض على قول حزب الله بأنه قاتل في سورية استباقياً لحماية لبنان والخطر على بعد أمتار، مقابل تبرير دعوة الآخرين للقتال استباقاً والخطر بعيد عنهم مئات الكيلومترات كحال إيطاليا والسعودية، وآلاف الكيلومترات كحال أميركا، وصولاً إلى انتقاد موقف حزب الله من ثورة البحرين، بداعي عدم التدخل في شؤون البلاد العربية، وهو يدعو إلى النضال السلمي ونبذ العنف واعتماد الحوار، بينما تيار المستقبل متورّط في الأزمة السورية ويمعن في التدخل تحت شعار التسليح والتمويل والدعوة إلى إسقاط النظام، وانتهاء بدعوة الحريري إلى التنسيق مع البعيد البعيد تحت شعار حماية لبنان من خطر الإرهاب، والعناد في رفض التنسيق مع الأقرب من حبل الوريد الذي تمثله سورية والذي يشكل التنسيق معه الحاجة الماسة لخلاص لبنان من خطر الإرهاب.
– بذات الدرجة كان السيد مستعداً لقبول الاختلاف، ومواصلة الحوار من موقع المختلف، وكان داعياً إلى تضييق الخلاف لصناعة التفاهمات على قاعدة فهم المنطقة ومخاطر الأوهام بالنأي عنها، فلمن يقول لنا انسحبوا من سورية لن نقطع معه الحوار، ونرتضي الحدّ الأدنى للاتفاق الممكن، وبذات الوقت نقول لهم تعالوا معنا إلى سورية والعراق، لأنّ المنطقة في مرحلة رسم خرائطها، ولا مكان لحسم أمر وأمن ومصير بلد بمفرده، ومن يقرّر الغياب عن المشاركة في رسم الخرائط الكبرى سيرسم له الآخرون خريطة بلده ويقرّرون له مستقبله، فإنْ كان هذا هو خياركم، فنحن حسمنا خيارنا بألا ندع أحداً يقرّر مصير بلدنا بالنيابة عنا.
– للمرة الأولى الخطاب اللبناني المتحفظ يواجه استحقاقات الخيارات الصعبة، وقد ضبط حزب الله إيقاع مقاومته على حسابات لبنانية ضيّقة لثلاثة عقود، لكن اللحظة لا تسمح بالانكفاء إلى ما وراء الحدود، لأنّ التشابك والترابط بين دول المنطقة صار مصيرياً، والسيد يكاشف اللبنانيين، أنّ ما كان ممكناً بالأمس لم يعد ممكناً اليوم، فليس بمستطاعكم مطالبتنا باللغة القديمة التي لم تعد تصلح لهذه الأيام، وقوتنا تفي بمتطلبات اللغة الجديدة فما بال البعض يحزن بدلاً من أن يفرح.
– الأهمّ في كلام السيد أبعد من دعوته إلى تحالف إقليمي شامل لمواجهة خطر الإرهاب، وأبعد من كشفه كون هذا الإرهاب منتجاً مخابراتياً، يعمل لحساب «إسرائيل»، وأبعد من إعلانه للمرة الأولى عن قتال الحزب في العراق، وأبعد من دعوته السعودية لفهم معنى العناد في سورية واليمن، والمخاطرة بتجذّر «داعش» فيهما، لأنّ هدف «داعش» الحقيقي هو مكة والمدينة، الأهمّ هو أنّ السيد يقدم تجربة الحزب نواة لجيش عربي شعبي لإنهاء الإرهاب، لأنّ الثقة مفقودة بجدية الخارج الدولي، والتفاؤل معدوم باستجابة الكثير من الحكومات، جبهة شعبية عربية لمقاومة «إسرائيل» والإرهاب، تشكل المقاومة نواة جيشها… تبدو دعوة إلى فتح باب التطوّع للشباب والتجمّعات والأحزاب العربية للانخراط في هذه الحرب مع حفظ حقوق التنوع الفكري والسياسي، وهي نقطة التحوّل الحاسمة الثانية لحزب الله كقيادة للمرحلة العربية الجديدة التي تولد من رحم فشل الربيع العربي لإعلان ربيع جديد، بعد إعلان التمسك بالدور الإقليمي علناً كشرط لحماية الدور المحلي وعبره حماية لبنان.