هل جاء زمن تدمير ما تبقى من اليمن؟
د. وفيق ابراهيم
تشبه تفاعلات السياسات الدولية المتعلقة بالأحداث اليمنية الأخيرة، ما حدث في المراحل الأولى للأزمة السورية، فقد نظّم الغرب والخليج وتركيا آنذاك حملة مثلثة استهدفت شيطنة النظام السوري إعلامياً ومقاطعته من قبل الاتحاد الأوروبي والخليج وأميركا وجامعة الدول العربية سابقاً، ودعم كلّ أنواع المرتزقة والإرهابيين الذاهبين إلى سورية بالسلاح والمال والتدريب واللوجستيات الحدودية من تركيا.
هذا ما يحدث اليوم على جبهة اليمن. هذا البلد الذي تعيث فيه السياسة السعودية تخريباً وتدميراً وتبعية منذ سبعينات القرن الفائت تتحكم بمناطقه وقبائله ومذاهبه، فتشتري الموالاة وتبيع المعارضة وتعمل على إثارة الفرقة داخل القبيلة نفسها وبين المذاهب والجهات والأحزاب.
ففرع القاعدة اليمني تابع لمخابراتها، كذلك الأحزاب السلفية الأخرى، كانت تغطي الرئيس السابق علي عبدالله صالح لكنها باعته عند أول أزمة، فردّ لها الصاع بالتحالف مع الحوثيين. والموالون لها في جنوب البلاد ينتمون إلى السلفية التكفيرية الحجرية والإخوان المسلمين، فيما تتبنى جماعة علي سالم البيض في الحراك الجنوبي مسلكاً ديمقراطياً، إنما على قاعدة الاستقلال الكامل لليمن الجنوبي عن الشمالي.
إنّ تكرار السيناريو السوري واضح: هناك هجوم إعلامي من الغرب والخليج وتركيا على «الحوثيين» لأنهم تمكنوا في «تفاعل داخلي صرف» من وقف تدمير اليمن من قبل نظامه السياسي الذي رهن البلاد لمصلحة السياسات السعودية والأميركية والتركية.
الحوثيون هم يمنيون من الزيديين الذين يحكمون اليمن الشمالي منذ ألف عام ونيّف، أي قبل تأسيس كامل دول مجلس التعاون الخليجي بأكثر من 900 عام على الأقل وقبل اكتشاف الولايات المتحدة بـ800 عام. ولمزيد من التوغل في العلم، فإنّ الزيديين هم حكام اليمن قبل إبرام معاهدة وستغاليا 1648 ومؤتمر فيينا 1815 ومعاهدة يالطا 1945 بعدة قرون على الأقل.
والمضحك أنّ من يستمع إلى محطات التلفزة الغربية والخليجية، يظنّ أنّ الحوثيين غزاة من شعوب ما وراء البحر استقلوا قواربهم وهاجموا اليمن.
هذا على الجانب الإعلامي، أما على المستوى التسليحي، فلا تنفكّ المعلومات تتوارد عن تدفق سلاح وتمويل سعودي وتركي إلى قبائل اليمن وإرهابه وعلى رأسها «القاعدة» و»داعش»، ويسلم هذا الدعم حدود جنوبي اليمن مع السعودية على مرأى من الأقمار الاصطناعية الأميركية والروسية والأوروبية، وتحت نظر إيران التي ترصد ما يجري بصمت حتى الآن ومن طريق البحر عند حدود عمان.
ولأنّ السيناريو اليمني مشابه للسوري، فقد سحب الخليج وأميركا ومعظم دول أوروبا سفراءهم من صنعاء، مصرّين على انسحاب الحوثيين وإعادة السلطة إلى النظام السابق. لذا نرى أنّ هناك تهيئة سعودية لحرب أهلية في اليمن لها ثلاثة أبعاد: جهوية بين شمال وجنوب، سياسية بين النفوذين الإيراني والسعودي، ومذهبية بين الزيديين والتكفيريين، باعتبار أنّ الشافعي مذهب سني لكنه لا يختلف عن الزيدية في شيء.
ويستكمل آل سعود ملامح هذا السياق التفجيري بضغط على الأميركيين ليمارسوا كلّ أنواع الضغوط لطرد الحوثيين، والأميركيون لديهم أسبابهم الخاصة لإبعاد الحوثيين عن مراكز القرار. فإذا كان آل سعود يخشون من الحوثيين على أوضاعهم الداخلية في المملكة، ويعتبرونهم جزءاً من النفوذ الإيراني الذي يعترض سبيلهم، فإنّ واشنطن ترى اليمن في «باب المندب» ومن يسيطر عليه، وتقلق من مدّ النفوذ الإيراني إليه، لأنه بوابة قناة السويس وبالتالي مضيق جبل طارق.
وصل خبث آل سعود إلى حدود استنفار مصر في وجه الحوثيين إلى حدّ أنّ المشير السيسي هدّد بالحرب في حالة إقفال باب المندب هناك. إذاً هناك تحشيد داخلي وخارجي يشبه ما كان عليه تجاه سورية في 2013 و2014 ولا يزال حتى الآن، تهديدات دولية وإقليمية شحن وتسليح ومذهبيات وإعلام فتنوي. كلّ هذا للتحضير لحروب أهلية لن تنتهي… وإذا كانت سورية صمدت في وجه التآمر، فإنّ اليمن لن يكون أقلّ شأناً إنما على حساب أهله وسلامة كيانه السياسي المهدّد فعلياً بالعطب والانقسام إلى دويلات، كما تريد مملكة آل سعود.
فمن يصدق أنّ واشنطن والاتحاد الأوروبي يضعان «القاعدة» و»داعش» و»النصرة» على اللوائح الإرهابية السوداء ويتعاونان مع القاعدة في اليمن لمجرد ضرب الحوثيين و»النصرة» و»داعش»، وعشرات الشلل المشابهة لاستهداف نظام الرئيس السوري بشار الأسد؟
هذه هي الديمقراطية الغربية، المستندة إلى مسلكين: داخلي ديمقراطي وخارجي استعماري وعنصري.
وبالاستنتاج فإنّ اليمن مهدّد بالتدمير الاجتماعي والسياسي والوطني، من قبل نفس التحالف الذي يواصل الهجوم على سوريا الأسد. فهل يتحضر حلف المقاومة للدفاع عن اليمن؟ يكفي القول إنّ اليمن أكثر كثافة في السكان من دول الخليج مجتمعة.
ويعتقد خبراء في الشؤون الدولية، أنّ الخليج بكامله مقبلٌ على تطورات دراماتيكية تستهدف كياناته السياسية حسب الخطة الأميركية… بقي أن يستوعب أهل الخليج ما يجري وأن يقفوا مع اليمن في وجه الأمبراطورية الأميركية ومشاريعها.