مواجهة جديدة في الجرود تنتظر ذوبان الثلوج وبيان رقم 2 ينتظر انتهاء العمليات جنوب سورية
محمد حمية
أطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى الشهداء القادة السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب وعماد مغنية، وكعادته وضع السيد النقاط على الحروف في كثير من ملفات المنطقة، محدداً مواقف الحزب وبوصلة المواجهة في المستقبل، لكن اللافت في هذا الخطاب هو توجيه الكلام إلى كل اللبنانيين وليس فقط إلى شريحة محددة وإلى كل شعوب المنطقة أيضاً، وحمل رسائل تحذيرية إلى دول الخليج.
بعد أن تطرق إلى الوضع الداخلي بوقت قصير توسّع في ملف الإرهاب الذي يهدد المنطقة بكامها، شارحاً أبعاد هذا الخطر والسياسات الغربية والخليجية الخاطئة تجاهه والتي سترتدّ سلباً عليها.
لا شك في أن السيد نصرالله لم يتحدث عن الإرهاب في حدوده الضيقة، بل دعا إلى تعاون دول المنطقة كلها لمواجهة هذا الخطر، ورسم حدوداً جديدة لدور الحزب في مواجهة الإرهاب وذلك بردّه على من يطالب حزب الله بالانسحاب من سورية بالدعوة إلى «الذهاب سوية إلى سورية والعراق وإلى أي مكان نواجه فيه هذا التهديد الذي يهدد أمتنا».
فهل أسقط السيد نصرالله قواعد الاشتباك مع الإرهاب وفتح ميادين الحرب معه بعد أن أسقطها وفتحها مع «إسرائيل» في خطابه السابق؟ وماذا يعني ذلك؟
وهل مشاركة مقاتلي حزب الله إلى جانب الجيش السوري في العملية العسكرية في جنوب سورية هو البيان رقم 2 بعد أن كانت عملية مزارع شبعا البيان رقم1؟
المواجهة المزدوجة
منسّق شبكة أمان للبحوث والدراسات أنيس النقاش يجيب على هذه الأسئلة في حديث إلى «البناء» معتبراً أن خطاب السيد نصرالله يتسم بالشمولية، أي أنه لم يعد ممكناً تقسيم الساحات التي يوجد فيها الإرهاب بقوة، إن كان في سورية أو العراق أو مصر أو ليبيا، وأصبح من الواضح وجود سيناريو مؤامرة كبيرة تستخدم هذا النمط من التكفير والتطرف الإسلامي لأغراضٍ سياسية كبيرة، وبالتالي مواجهته تتطلب تشابك أيادي الجميع.
وكشف النقاش أن هذا المنطق شكّل قناعة لدى حزب الله منذ فترة طويلة، ولكن الأحداث اليوم أثبتت صحة نظريته وتحليلاته وبات بإمكان السيد نصرالله أن يتحدث بقوة ويدعو الجميع إلى الذهاب إلى سورية وليس التآمر عليها، وأن خطر الإرهاب لا يمكن أن يتوقف عند حدود معينة خصوصاً أن أبعاده سياسية تهدف إلى تدمير مقدرات الأمة وتفتيت نسيجها الاجتماعي وهذا ما يشكل الخطر الأكبر.
السيد نصرالله شبّه في خطابه المشروع التكفيري بالمشروع الصهيوني ما يفرض على الحزب مواجهة مزدوجة، وهنا أشار النقاش إلى أن مواجهة هذين المشروعين هي على قدم وساق، وحزب الله يعتبرهما في الدرجة نفسها من مهمات المقاومة وكل من يريد وحدة النسيج الاجتماعي لدول المنطقة وتقاربها وتعاونها على عكس ما يريده التكفيريون و«إسرائيل».
بيان رقم2
وتوقع النقاش عند انتهاء العمليات العسكرية التي تخوضها المقاومة والجيش السوري معاً في الجنوب، أن تصدر المقاومة البيان رقم 2 وتشرح أبعاده وما حققه، ما يشكل استكمالاً لإرادة المقاومة أولاً بأن ترد على عدوان القنيطرة وثانياً باستكمال ما كان الأخوة الشهداء يقومون به في القنيطرة وهو بناء جبهة مقاومة في الجولان السوري.
أما الكاتب والمحلل السياسي الدكتور وسيم بزي فاعتبر في حديث لـ«البناء» أن خطاب السيد نصرالله كان معنياً بشكلٍ أساسي ومباشر بتظهير الدور الاستراتيجي الحاسم التي تؤديه المقاومة، ليس فقط بالتصدي للإرهاب على مستوى لبنان وسورية والعراق بل في أي ساحة يمكن أن تقتضي هذا الظهور المقاوم والحاسم، كما يظهر الدور الاستراتيجي للمقاومة في إعادة رسم معادلات الجغرافيا السياسية لمنطقة المشرق التي تتعرض لعملية إعادة خلط وعجن كما قال السيد.
وبين الكاتب والمحلل السياسي غالب قنديل أن الجوهري في خطاب السيد هو تأكيد طبيعة المعركة التي تخوضها شعوب المنطقة في مواجهة الإرهاب التكفيري والعدوانية الصهيونية في آونة واحدة، وهو تحدث عن معركة تقرر مصائر العالم وليس فقط مصير دول المنطقة وشعوبها، موضحاً أن هذا الكلام صادر عن قائد المقاومة الموجودة في الميادين كافة دفاعاً عن هوية الشرق واستقلاله وشعوبه، ومن موقعه القومي والوطني والإسلامي والانساني، فالحرب مع الإرهاب التكفيري وبربريته الفالتة لم تعد هماً لهذه الدولة أو تلك في المنطقة بل أصبحت هماً كونياً.
التجاهل المتعمّد والمعركة المنتظرة
على رغم هجوم الحريري على حزب الله والمقاومة واستفزاز جمهورها إلا أن السيد نصرالله لم يخاطب الحريري ولا عائلته ولا جمهوره بالمستوى نفسه، بل خاطبهم بلغة المواساة والعزاء والتحية، مؤكداً: «استمرار الحوار مع تيار المستقبل والتعاون لوضع استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب والتنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري لمواجهته».
فلماذا تجنّب السيد نصرالله الرد المباشر على مواقف الحريري؟ وهل ضرورة وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب تشكل نقطة التقاء مشتركة بين المستقبل وحزب الله؟ وهل يسبق وضع هذه الاستراتيجية ذوبان الثلوج في جرود عرسال تليه مواجهات جديدة على مساحة جبهات المنطقة الحدودية؟
النقاش رأى أن الخطر جاثم وهو على حدود لبنان والمجموعات الإرهابية هاجمت لبنان وجيشه وبتقديرات السيد نصرالله والمعلومات المتوافرة أن ما يعيق حركة الإرهابيين واندلاع المواجهة العسكرية هو الأحوال الجوية والثلوج التي لا تسمح بحركة عسكرية كبيرة، لكن عندما تذوب الثلوج سيكون الأمر مختلفاً وهذا يحمل تهديداً ضمنياً بأن هناك معركة تنتظرنا للقضاء على هؤلاء الإرهابيين، وإذا أراد البعض أن يتحضّر لها فليأتِ ويحاور ويتفاهم، ولتنسّق الحكومتان والجيشان في سورية ولبنان كما قال السيد، لكي نقاتلهم بيد واحدة متحدين عوضاً من أن نبقى في دائرة سياسة النأي بالنفس التي لا تغني ولا تسمن من جوع، مشدداً على أن ما قاله السيد في هذا السياق هو تحضير لرأي عام وقوى وموقف سياسي وتحضير لجبهة عسكرية من الواضح أنه سيكون لها دور أساسي في حسم معركة الأيام المقبلة.
ووضع قنديل تجنّب السيد نصرالله الرد على كلام الحريري في إطار الابتعاد من الغوص في الخلافات والتفاصيل التي لها صلة بالواقع اللبناني، ولاحظ أن حديثه في البعد اللبناني كان دعوة إلى التحسّب للمعركة ضد الإرهاب التكفيري بعد ذوبان الثلوج، لأن الجماعات الإرهابية ستشنّ هجوماً واسعاً في مطلع الربيع المقبل، ولهذا دعا السيد الحكومة إلى التنسيق مع الحكومة السورية والجيش اللبناني للتنسيق مع الجيش العربي السوري وكل اللبنانيين للتحضير للمرحلة الجديدة، متعالياً عن كل المواقف التي صدرت البعيدة من المعركة الكبرى، بل هناك همّ يتعلق بمصير المنطقة ومصائر الدول والشعوب والجيوش ومستقبل العالم، كما أن السيد أكد أن المقاومة موجودة في هذه الجبهات وتلك الساحات المشتركة لردع «إسرائيل» أيضاً، وهي الساحات نفسها التي نخوض فيها حربنا للتخلص من الإرهاب التكفيري دفاعاً عن شعوبنا.
كذلك فسّر بزي تجاهل السيد نصرالله لكلام الحريري بأنه متعمّد، معتبراً أن وزن الكلام الذي قاله السيد تجاوز بمفاعيله كثيراً تفاصيل خطاب الحريري، لكن في الوقت نفسه هذا لا ينفي أن الطرفين موجودان على طاولة حوار واحدة وإمكان التلاقي على المشتركات قائم، شرط أن يقرن فريق 14 آذار منطقه المواجه للإرهاب بالفعل، وهذا يتطلب مجموعة عناصر أهمها تأمين الغطاء الوطني للجيش اللبناني لكي ينخرط أكثر في المعركة والتسليم بضرورة التنسيق مع الدولة والجيش في سورية والإقرار بالدور الحاسم التي تؤديه المقاومة تكاملاً مع الجيش، والأهم هو تأمين مظلّة سياسية لكل هذه العناصر قبل استحقاق ذوبان الثلج الذي سيفرض على لبنان معركة حاسمة مع هذا الإرهاب وليس الاستمرار بسياسة «الميوعة» التي تسمح لهذا الإرهاب بأن ينفذ إلى نقاط ضعفنا بين الفينة والأخرى.
ورسائل تحذير إلى دول الخليج
لم يعد خافياً الدور الذي يؤديه بعض دول الخليج في دعم وانتشار الإرهاب الذي يشكل خطراً عليها أيضاً، ما استدعى السيد أن يوجه رسائل تحذير لها من هذا الخطر المحدق بها، لعلها تستفيق قبل فوات الأوان، مذكراً إياها بأن مكة والمدينة في السعودية هما هدفان لـ «داعش»، فعن أي خطر تحدث السيد؟
اعتبر النقاش أن دول الخليج هي التي أخرجت هذا المارد الإرهابي من قمقمه وسلحته ومولته والآن شعرت بوجود خطر يتجاوز الحدود وعليها أن تستفيق وتعترف أن كل ما يوجهه الأميركي هو لمصلحتها ومصلحة أمتها وخصوصاً أنها لم تحقق أهدافها كما كانت تتمنى، ويقول لها السيد إذا أردتم أن تفكروا بطريقة صحيحة عليكم أن تضعوا أيديكم بيد القوى الحية في المنطقة للقضاء على هذا الخطر الإرهابي الذي يهدد الجميع وإذا لم تستفيقوا ستدفعون الثمن بالتأكيد.
واعتبر بزي أن المسألة تجاوزت بالأهمية سقوط قواعد الاشتباك مع الإرهاب، ودق ناقوس الخطر لكل المعنيين في الداخل والخارج خصوصاً في الخليج العربي بأن سياسة النعامة ودفن الرؤوس في الرمال والدعم الالتفافي لهذا الإرهاب قد انتهت مفاعيلها، وأنكم أمام استحقاق أن هذا الإرهاب آت للنيل من عروشكم وأن ما يقوم به اليمن والعراق في التصدي للإرهاب هو عملياً الذي يحمي دول الخليج، وأيضاً كان السيد حازماً في تأكيد أنها حينما تصرعلى دعم الإرهاب في سورية هي كمن ينطح رأسه في جبل وهذا يعني أن ثقة المقاومة الكبيرة بحضورها وقوتها في سورية وأهمية المعركة التي تخوضها.