بروح رياضية

حسن الخنسا

الفساد… كلمة كان لها وقع سيّء على آذان اللبنانيين. ثم صارت مادةً للمضغ يومياً، ومع كل مشهد، سواء كان سياسياً أو أمنياً أو فنياً أو حتى رياضياً.

ملّ الجميع هنا من الحديث عن الرشى والوساطات والمحسوبيات. صارت تلك مفاهيم بعيدة عن الاهتمام أو حتى من وضعها تحت الضوء. هي شبح يمشون إلى جانبه يعانقونه عند النوم ويرافقونه كل صباح، ويدخل معهم مكاتب عملهم ويكون قربهم حتى في سيارة «التاكسي»، ويظل رفيق دربهم حتى نهاية المشوار.

في كل دول العالم، لمخالفات المشاهير وقع آخر، «فضائحيّ» إن صحّ التعبير. فتخلف أي مواطن أرجنتيني عن دفع الضرائب لا يشبه أبداً تخلّف ميسي. ودفع الرشى من قبل مدير أيّ مكتب أو شركة، لا تقابله «جرصة» النوادي الإسبانية التي حُقّق معها بدفع رشى بالأمس القريب. وتراكم الغرامات على البلجيكيين لا يناظره تغريم لاعبي منتخبهم. تتوالى ردود الفعل المستنكرة والمنددة بدءاً من الجماهير وصولاً إلى الاتحادات ومروراً باللاعبين أحياناً. إلّا في لبنان، فبكل وضوح و«شفافية»، الكلّ يتخلّف عن الدفع، الكل معنيّ بالسرقة، الكلّ معنيّ بالرشى، وهل هناك «أهبل» اليوم «لا يدفعها ليمشّي أموره»؟

في لبنان ملاعب تُصرف لها موازنات ضخمة كل سنة بحجّة تأهيلها، بينما تقفل هذه الملاعب في وجه مبارايات الدوري والكأس المحليين. في لبنان لاعبون باعوا منتخب بلادهم في التصفيات العالمية ولم يحاكَموا سوى بالإيقاف الرياضي، علماً أن أيّ لاعب في العالم لو اتُّهم بمثل هذه الفضيحة، لحوكم بالسجن ودفع الغرامات والإيقاف الأبدي عن اللعب. في لبنان رؤساء أندية يستفيدون من المال السياسي هنا وهناك، ليتم دفع أموال طائلة تحت غطاء هذا السياسي المستفيد.

في لبنان مدرّب المنتخب الوطني الحالي الإيطالي جوزيبي جيانيني متهم بقضايا فساد وتزوير، بحيث أحاله المدعي العام في مدينة نابولي الإيطالية القاضي دي روجيرو على المحاكمة بتهمة التزوير والتلاعب بنتائج المنافسات الرياضية عندما كان مدرباً لـ«غاليبولي» فريق من الدرجة الثالثة موسم 2008 2009. وبحسب المحققين، فإن جيانيني، بمشاركة صديقيه سالفاتوري ريغي والمدير الرياضي لفريق «غاليبولي» لويجي دميتري، سعى إلى التأهل مع «غاليبولي» إلى الدرجة الثانية عبر دفع مبلغ خمسين ألف يورو لعددٍ من لاعبي فريق «ريال مارتشانيزي»، بينهم مايكل مورلو وماسيمو روسو. إذ كان لا بدّ من فوز «غاليبولي» بنتيجة 3 ـ 2 في المباراة الختامية من الدوري، فقد ضمنت هذه النتيجة لفريق جيانيني التأهل إلى الدرجة الثانية. وبعد انتشار هذه الفضيحة، لم يحرك الاتحاد اللبناني ساكناً في وجه جيانيني، ربما لأن اللبنانيين قد اعتادوا على الفساد وأصبح ذلك أمر طبيعي بالنسبة إليهم بالمقارنة مع الفساد السياسي.

وصدقت المقولة: «السياسة ما دخلت شيئاً إلا وأفسدته»، فمن منّا لا يذكر مشكلة كرة السلة اللبنانية السنة الماضية، وإيقاف لبنان دولياً بسبب الفساد السياسي الذي دخل اللعبة وهشّمها وتلاعب بأنديتها. على رغم أن كرة السلة هي اللعبة التي برع فيها اللبنانيون ودخلوا فيها التاريخ من أوسع أبوابه. إلّا أن السياسة أبت إلّا أن تمرّ عليها لتفسد على اللبنانيين نعمة رياضية كهذه.

أما في عالم الرياضة الغربية، فيدفع الدرّاج الأميركي السابق لانس آرمسترونغ مبلغ 10 ملايين دولار بسبب كذبة، بحيث أن لجنة تحكيمية أعلنت أن آرمسترونغ والشركة المسؤولة عن إدارة فريقه السابق ملزمان بدفع المبلغ لشركة دعاية رياضية بسبب كذبه المستمر في مسألة تعاطيه منشطات تحسين الأداء.

وفي إيطاليا أيضاً، تقوم وكالة الإيرادات الإيطالية بمصادرة أربع حافلات تابعة لنادي «بارما» لكرة القدم بعدما فشل مالكو النادي الجدد في تسديد مستحقات ضريبية قبل موعد التسديد النهائي، فيما يسرح المتهربون والمرتشون في المجالات كافة ويمرحون هنا في وطني.

أخيراً، إذا أردنا لوطننا الرقي في المجالات كافة ومنها الرياضية، التي لا تقل أهمية عن غيرها، يجب علينا النأي بالسياسة بعيداً عنها، ومكافحة جميع أوجه الفساد مهما علا شأن المفسدين. لكي نبني وطناً جميلاً وخيّراً، علينا أن نجعل من الفساد عدواً لنا، تماماً كما «إسرائيل»، لأن الفساد يدمر المجتمعات ويؤدّي بها إلى الخراب والتهلكة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى