مكتبة «البناء»
يعرض كتاب الدكتور اسكندر لوقا الجديد «قناديل أدباء من عصر التنوير» لشخصيات أدبية وفكرية كان لها قصب السبق في بناء نهضة عربية منذ أواخر القرن العشرين قامت على رفض التدخل الخارجي وإعلاء شأن المواطن العربي بغض النظر عن عرقه أو دينه.
في تقديمه للكتاب، كتب الدكتور نبيل طعمة، مدير «دار الشرق للطباعة والنشر»، إن الدكتور لوقا استحضر عمالقة لتجديد حضورهم فأضاءهم مثل قناديل، مشعلاً الذكريات إذ آثرهم على وجوده التاريخي ليدل على القيم والأخلاق والانتماء إلى الوطن عبر انتقاء كيفية الربط التاريخي بين الماضي والحاضر.
يرى لوقا في كتابه أن جيل الشباب في سورية، في هذا الوقت تحديداً، يستحق كامل العناية لرأب ما تصدع في كيانه وعقله ونفسه، قبل أن يجرف تيار اليأس الأمل بتجاوز تداعيات المحنة، إذ تلاحقه أصداؤها على مدار الساعة، لافتاً إلى أن سورية اليوم مثل سورية الأمس هي الصمود وهزم الأعداء، مثلما كان مصير من سبقهم منذ أيام هولاكو أو جنكيز خان أو تيمورلنك أو سلاطين بني عثمان.
متوقفاً عند إنتاج بعض أدباء عصر التنوير في سورية وبلدان عربية أخرى، يحرص لوقا على تجاوز التعريف بانتمائهم إلى بلدانهم وصفاتهم وألقابهم ومعتقداتهم التي عرفوا بها، فالهدف هو التأكيد على هوياتهم الوطنية والقومية قبل أي شيء آخر، كي يشجع أبناء سورية وآخرين على إعادة قراءة تراث هؤلاء المتنورين من أدباء الأمة.
ولأن سورية كانت رائدة التيار القومي العربي فإنّها احتضنت بحسب لوقا طلائع المتنورين منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين من أبنائها وأبناء الأمة في بلاد الشام الذين أضاؤوا دروب السائرين عليها، وكانوا من أعلام الفكر التنويري، وحملوا قناديلهم لتبث أضواءها في ساحات العالم العربي.
يشير لوقا إلى أن من المفكرين والمتنورين الذين تحدوا مختلف المحن ومثلوا الروح القومية، الأخطل الصغير، بشارة الخوري 1885 ـ 1968 فخلد ذاكرة العروبة ومثل أمته بشرف وإباء، مستشهداً بقصيدته «سائل العلياء» ويقول فيها:
سائل العلياء عنا والزمانا
هل خفرنا ذمة مذ عرفانا
المروءات التي عشنا بها
لم تزل تجري سعيرا في دمانا
شرف باهت فلسطين به
وبناء للمعالي لا يدانى.
يعود لوقا إلى ما قاله أمير البيان شكيب أرسلان 1869 ـ 1946 محذراً من أطماع الاستعمار: «أرى خطر الاستعمار القادم حتى قبل انعقاد المؤتمر العربي في باريس عام 1913 لما لفرنسا من مطامع في سورية». ويستعيد قصيدة إيليا أبو ماضي التي تدل على حب الوطن وعشقه ومدى استعداده لفدائه بالروح، فثمة بعاطفة قومية تدل على رغبته بوحدة الوطن ووحدة الألم والوقوف في وجه من يريد النيل منه وجاء فيها:
قالت أينسى النازحون ربوعها
ما هاج حزن القلب غير سؤالها
الأرض سورية أحب ربوعها
عندي ولبنان أعز جبالها
يذكر الدكتور لوقا العديد من المفكرين والشعراء الوطنيين مثل فوزي المعلوف والشاعر القروي وآخرين من مصر وسورية وسائر أنحاء العالم العربي ليزرع جذوة الكرامة في نفوس من حاول الضلال إبعادهم عن طريق الوطن.
صدر الكتاب لدى «دار الشرق للطباعة والنشر» في 121 صفحة قطعاً وسطاً.
المخرج الرائد كمال سليم سيرة وأعمالاً بقلم وليد سيف
صدر ضمن سلسلة مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي كتاب «كمال سليم… بين أصالة الواقعية وزيف المظاهر» للمؤلف والناقد وليد سيف، عن حياة وأعمال أحد المخرجين المصريين الرواد في تاريخ صناعة السينما المصرية.
الكتاب في أحد عشر فصلاً، عناوينها على النحو الآتي: سيرة حياة، مسيرة فنية، قبل «العزيمة»، سر «العزيمة»، واقعية المظاهر، كمال سليم والرواية العالمية، من المسرح إلى السينما، سيناريوات لآخرين، شذرات كمال سليم، وواقعية كمال سليم، ليس ختاماً. إلى فيلموغرافيا للأفلام التي أخرجها كمال سليم أو شارك في كتابتها، وبينها «العزيمة» 1939 و»أحلام الشباب» 1942 ، و»البؤساء» 1943 ، و»قصة غرام» 1945 .
لرغم القيمة الكبيرة للسينمائي الراحل كمال سليم، الذي ولد عام 1913 وتوفي عام 1945، إلا إنه لم يسبق أن صدر أي كتاب مُستقل عنه يتناول بالبحث والتحليل سيرة سليم ومسيرته وإبداعه، وتصدى الكاتب والناقد وليد سيف لهذه المهمة التي كان «تلافيها أمراً واجباً» على حد قوله في مقدمة الكتاب، رغم علمه أن المهمة ليست سهلة، نظراً إلى بعد المسافة الزمنية وندرة المعلومات الدقيقة والموثقة المتوافرة عن المخرج الراحل، فضلاً عن صعوبة الحصول على الأفلام التي صُنعت في مرحلة البدايات الباكرة للسينما المصرية.
لا يهتم الفصل الأول كثيراً برصد أدق تفاصيل السيرة الذاتية لكمال سليم، خاصة في مراحل طفولته وصباه وشبابه، فمن المعروف أن سليم يعتبر من المخرجين العصاميين ولم يكمل تعليمه التقليدي، وتلك مسألة لم تكن غريبة أو نادرة بالنسبة إلى أكثر من أبناء جيله. لكنه كان حريصاً على توسيع مجال ثقافته، بل سعى إلى الحصول على منحة دراسية في الخارج، وسافر فعلاً إلى فرنسا لتحقيق هدفه بدارسة السينما، لكن الظروف حالت دونه والبقاء والاستمرار هناك، فعاد وازداد إصراره على تعلم هذا الفن وممارسته.
الفصل الثاني حول المسيرة الفنية، مقتفياً خطى المخرج الفنية ووالجاً كواليس إبداعه الفني وأسراره المهنية وما تعرض له من مشاكل تعكس الحياة الفنية في مصر خلال مرحلة شهدت تنافساً وصراعاً بين المصريين والأجانب.
أما الفصل الثالث عن قبل «العزيمة»، فيضعنا فيه المؤلف في السياق التاريخي الذي سبق فيلم «العزيمة» ورافقه، وهوأحد أشهر أفلام السينما المصرية.
ويدخل الفصل الرابع سر «العزيمة»، وكواليس الفيلم سارداً المعلومات المثيرة المتعلقة بالأبطال وأجورهم والعلاقات في ما بينهم، واصفاً الفيلم بأنه تجاري!
بعد القراءة التفصيلية لفيلم «العزيمة» نتحول في الفصل الخامس الواقعية والمظاهر ، إلى فيلم آخر من أفلام كمال سليم هو «المظاهر» 1945 ، ويفرد المؤلف فصلاً كاملاً لهذا الفيلم الذي أنجز متأخراً في مسيرة المخرج، كاشفاً الكثير من الجوانب التي رصدها في واقعية كمال سليم وكيف يكاد يستكمل من خلاله الكثير مما بدأه في فيلم «العزيمة»، وإلى أي مدى يحتوي فيلم «المظاهر» على العديد من المواقف والأفكار التي باتت من فرط تكرارها واستنساخها بمثابة «كليشيه» في السينما المصرية.
يعتبر المخرج كمال سليم من روّاد السينما المصرية والعربية الذين أدركوا أهمية الالتفات إلى روائع الروايات والمسرحيات العالمية، ويعيد الفصلان السادس والسابع «كمال سليم والرواية العالمية» و»من المسرح إلى السينما» قراءة الأعمال المنسية أو التي لم يتوقف الكثيرون أمامها، مثل فيلم «البؤساء» المأخوذ عن رواية الأديب الفرنسي فيكتور هيغو، وفيلم «شهداء الغرام» عن مسرحية شكسبير «روميو وجولييت».
الفصل الثامن يتناول ما كتبه المخرج من سيناريوات لمخرجين آخرين، وبينها لفيلم «الدكتور» و»محطة الأنس» و»ليلى بنت الفقراء» ويحلل المؤلف في هذا الفصل القدرات الإبداعية لكمال سليم ككاتب سيناريو بارع، ويتوقف عند المثالب التي شابت بعض أعماله، مثل التحولات المفاجئة لبعض الشخوص أو الانقلابات الدرامية المباغتة بلا مبرّرات كافية. وتلك الهنّات هي محور الفصل التاسع.
الفصل العاشر حول «واقعية كمال سليم» فيعيد التأكيد على أن كمال سليم لا يزال رغم مرور تلك السنين كلها، رائد الواقعية في السينما المصرية، ودوره كبير في إرساء مفهوم الواقعية في الفيلم المصري وما برح ملموساً.
أما الفصل الحادي عشر فيحاول وليد سيف أن يجيب فيه عن بعض الأسئلة المحيرة المتعلقة بكمال سليم الذي لم يدرس السينما قط ولا أكمل تعليمه، ومع ذلك أخرج أول أفلامه في سن الرابعة والعشرين، وسر هذا التمرد، والجرأة في الطرح، ورقي المستوى الفني والفكري الرائد، لدرجة جعلت الناقد والمُنظر الفرنسي المشهور جورج سادول يضع فيلمه «العزيمة» بين أهم 100 فيلم سينمائي عالمي، ويقارن أفلامه بمثيلتها في السينما الفرنسية والأوروبية.
«أحترق وسط الثلج» نصوصاً أدبية لبسام جميدة
يطل علينا الصحافي بسام جميدة في مجموعة أدبية تحت عنوان «أحترق وسط الثلج» معتمداً شكل الشعر الحديث وهارباً من محكمة الشعر بصك براءة يرد في مقدمة الكتاب يقول فيه: «ربما ليس لكتاباتي لون من ألوان الضالعين بالبحور. كلماتي التي بين أيديكم باقات من أيامي ملونة ببعض ألوان الحياة». ورغم أن المجموعة لا تخلو من بعض اللمع الأدبية، إنما تطغى عليها في الغالب لغة مباشرة لا تحتمل التأويل أو المجاز وهي أقرب إلى السرد الصحافي الذي تكحل بالأدب، فكان لا هذا ولا ذاك. يقول تحت عنوان «غربة وحنين»:
«لا ولن نرفع الرايات مستسلمين
ومهما فاض الشوق من الأحداق
لن يكون فضيحة للرجل الرزين
فالوجد من شيم الرجال
وبالمحبة نحيا مطمئنين»
ثمة فرق بين ما هو أدبي وغير أدبي، بصرف النظر عن التسميات والنوع والوزن والقافية التي يسعى الكاتب أحياناً إلى اقتناصها فتبدو ضعيفة وهزيلة. يقول تحت عنوان «فراتي الهوى»:
«سأعود من حيث ذهبت وفيا
عند الحميدية أتذكر طفولتي
وفي هرابش عشت شبابيا
ولي في القصور أناسا أحبهم
وفي العمال أصدقاء
عشت معهم سوية
كل الدروب في مدينتي
ولن أنساها ما دمت حيّا»
اللغة الأدبية تتعدى اللغة وتغوص في أعماق العبارة وتحلق في فضاءاتها، وليس الوزن أو القافية أم النحو ما يصنع شعراً، بل وعاء للقصيدة ولباسها، ويمكن أن تبدل القصيدة لباسها فتخرج في شكل تفعيلة أو تتحرر من سلطة الوزن والقافية، لكنها تحلق دوماً في مدارات المعنى وتدعو إلى القلق وتحضّ الخيال وتثير الدهشة. يقول في نص «ذكريات»:
«أتذكرين
يوم كنا صغارا
نذهب وحدنا
يوم كنا نحلم
أحلام العاشقين
أتذكرين
عندما كبرت
وأصبحت مني تهربين»
يعتمد الكاتب اللغة المباشرة بوحاً، منتقداً المجتمع وما فيه من تناقضات وخروج على القيم من غدر وخيانة يقول في «أين الوفاء»:
«مر بكائي على بشر
خلتهم بشرا
لبسوا نفس الثياب
حين احتجتهم صاروا ملحا وذاب
لم يلحقوا حتى الدواب»
رواية «بورسلان» لأيمن عبوشي
صدرت لدى «دار الجندي للنشر والتوزيع» في القدس، رواية «بورسلان» لمؤلفها أيمن عبوشي، وتأخذ الرواية خطين سرديّين متعاكسين لشخصية شريرة، أحدهما يروي بصورة طردية النهاية الهرمية لرجل هش وفارغ انحاز إلى أسهل الحلول وأكثرها وصولية لبناء حياة مهنية ناجحة، فيما يشي الخط الثاني بقدرة الشر أو قوة الشخصية ذاتها على التكاثر في بيئة خصبة لم يفصح الكاتب عن كنهها ولم تبتعد كثيراً في طقوسها عن مجريات الحوادث التي تشهدها المنطقة في ما أطلق عليه سابقاً «الربيع العربي»، ضمن الشخصية شبه الوحيدة في النص التي ارتأى عبوشي أن تتنازع حصصها من عالم الألغاز والغموض والخيال وتؤول في نهاية المطاف إلى زوايا منسية، وإن اتخذت هالاتها صبغة النضال والثورة.
ترتكز «بورسلان» سرداً على شخصية أساسية مجهولة الإسم تفرعت وتطورت واتخذت أنماطاً مختلفة وفق الفصول التي مرت بها الرواية، في دوامة من المصادفات التي تحدّد مساراتها وتفرض عليها مزيجاً من الحظ واللعنة.
تأخذ رواية بورسلان قارئها إلى الحدود القصوى للهواجس والقلق والمؤامرات وتسبر أغوار بطلها الذي تتلاطمه مشاعر الغبطة قليلاً والحقد والكراهية غير المبرّرين في كثير من المشاهد لنوازع الوصول إلى الجاه والسلطة والتهافت عليها، وإن استلزم ذلك «التآمر على الذات» كوسيلة للبقاء في صدارة المتصارعين على النفوذ. صورة دفعت كاتبها إلى أن يضع ـ للمرة الأولى ـ البطل في حتمية مواجهة مصيرية مع نفسه، ولا يدري من سيكسب المعركة، فيما تأخذه غرائزه إلى الهلاك.
الجدير ذكره أن «بورسلان» هي الإصدار الرابع للروائي أيمن عبوشي من قرية كفر قدوم فلديه رواية «إعدام ظل» ورواية «الغارقون في العطر»، صدرتا لدى «دار فضاءات للنشر والتوزيع»، عمّان ، بالإضافة إلى مجموعته القصصية الأولى «العلبة» دار الرحاب للنشر والتوزيع، بيروت .
ربيع مفتاح يقرأ في «زمن السرد العربي»
المنهج النقدي الذي يتبنّاه الناقد ربيع مفتاح في قراءاته للأعمال الإبداعية السردية في كتابه «زمن السرد العربي… قرءات في القصة والرواية» الصادر حديثاً لدى الهيئة العامة لقصور الثقافة، جعله سبيلاً للتعرف إلى إبداعات الآخرين من كتاب القصة والرواية، مطلقاً عليه «المنهج التكاملي» ومعرّفاً إيّاه بأنه «المنهج الذي يستفيد من مجموعة من المناهج في اتساق ومن دون تعارض ويعتمد على مجموعة من التقاطعات بينها وبين النص ويتوقف ذلك على وعي الناقد وحساسيته وثقافته».
يمكن تقسيم المناهج النقدية بالنسبة إلى النص على النحو الآتي: مناهج نقدية قبل النص أي تعمل عملها قبل إبداع النص مثل المنهج الاجتماعي والمنهج النفسي والمنهج التاريخي والتي ظهرت في النصف الأول من القرن العشرين، ومناهج مرتبطة بالنص فحسب مثل البنيوية والتفكيكية والبنيوية التوليدية، وقد ظهرت هذه المناهج في النصف الثاني من القرن العشرين، ومناهج ما بعد النص مثل منهج جماليات التلقي الذي ظهر في نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحالي.
ننتقل من ثم من سلطة الكاتب إلى سلطة النص فسلطة القارئ، وللوصول إلى مفهوم التكامل أو المنهج التكاملي نبدأ من البيئة التي ولد وعاش فيها الكاتب، وقد تتعدد البيئات في حياته، وبعد ذلك تأتي مرحلة الكاتب مبدع النص، ثم تأتي مرحلة النص. أما المرحلة الأخيرة فهي القارئ ثم فاعلية هذه القراءة في البيئة مرة أخرى.
على ضوء هذا المنهج يحلّل المؤلف عددا من الأعمال القصصية والروائية، ففي القصة لدينا مجموعات «العزف على أوتار بشرية» لمحمد نجيب عبدالله و»العودة» لعبدالله مهدي و»عطر الليل الباقي» لليلي محمد صالح و»والماء يجري في النهر» لعبدالمنعم شلبي وغيرها، وفي الرواية «ذئاب ونسور» لمحمد الشريف و»يوم من الأيام» لأمل صديق عفيفي وعدد من الأعمال الروائية للروائي الراحل خيري عبدالجواد و»قبلة الحياة» لفؤاد قنديل و»هل أتاك حديثي» لزينب حنفي و»فرس النبي» لنبيل عبدالحميد و»ابحثوا لنا عن إمام آخر» لأحمد ماضي و»الطريق إلى هناك» لفتحي عبدالغني…
خلال قراءاته يستخدم الناقد عدداً من المصطلحات النقدية مثل: الحبل السري، التقاطع، التبني، التكامل، الفاعلية، المفعولية… ويعرف هذه المصطلحات في مقدمته قائلاً: «الحبل السري موجود بين البيئة والكاتب وبين الكاتب والنص بكل معانيه البيولوجية والمجازية، فلا يمكن الفصل بين البيئة والكاتب. ولكن ليس من قبيل الربط التام بينهما وإنما قد يوجد حدث محوري يربط بين الكاتب وبيئته. وعلى المستوى الفكري النقدي نفس يستمر هذا الحبل السري بين الكاتب والنص، ثم تصبح مقولة موت المؤلف بمعنى الفصل التام بين المبدع وإبداعه غير صالحة للتطبيق هنا. هذه العلاقات المشار إليها تحدث من خلال مجموعة التقاطعات بين البيئة والكاتب وبين الكاتب والنص.
يضيف المؤلف موضحاً: «هذه التقاطعات المحورية يأخذها الناقد في حساباته لأجل تكاملية الرؤية المعرفية والجمالية، وحين نصل إلى القارئ والنص فإن القراءة الواعية تتطلب حالة من التبني لدى القارئ، فهو يتبنى النص حتى يصل إلى تكامل الرؤية حيث هو المؤهل بالتفسير والتأويل وقراءة ما بين السطور. فإذا كان التقاطع مرادفاً للحبل السري فإن التكامل مرادف للتبني, كما أن البيئة بكل عناصرها المعنوية والمادية تقوم بدور فاعل في الكاتب وبالكيفية نفسها يقوم الكاتب بدور الفاعل في النص، وأيضا الدور الفاعل نفسه يقوم به القارئ ومن ثم ـ في المرحلة الأولى ـ يصبح النص مفعولا بين فاعلين هما الكاتب والقارئ، لكن بعد مجموعة من القراءات للنص يتحول إلى فاعل في القارئ والكاتب والبيئة، وبمعنى آخر فإن الأطراف تتحول من المفعولية إلى الفاعلية ومن الفاعلية إلى المفعولية. هي محاولة مني للوصول إلى تكاملية الرؤية بشقيها الجمالي والمعرفي لقراءة السرد».