مرفأ بيروت والوضعية القانونية…
سليم جريصاتي
«في 18/6/1887 صدر فرمان عثماني منح بموجبه امتياز إنشاء مرفأ إلى شركة عثمانية تحت اسم «شركة مرفأ وأرصفة وحواصل بيروت»، وفي 15/8/1887 خصّصت إدارة الجمارك هذه الشركة بجميع الحقوق الحصرية المتعلقة بتخزين البضائع ونقلها عبرها، أي أنها أعطتها امتيازاً في هذا الشأن. جرى افتتاح رسمي للمرفأ، بعد الانتهاء من الأشغال البحرية، في نهاية العام 1894، حيث امتدت أحواضه آنذاك من رأس الشامية حتى رأس المدور. وفي 20/5/1925 اكتسبت «شركة مرفأ وأرصفة وحواصل بيروت» الجنسية الفرنسية.
– في 13/4/1960، عقد اتفاق بين الدولة اللبنانية و«شركة مرفأ وأرصفة وحواصل بيروت»، تصدق بقانون صادر في 31/5/1960، حيث اعتبر المشرع أنّ «لنصوص الاتفاق قوة القانون بالنسبة إلى الجميع. ونصّ هذا الاتفاق على تحويل الأراضي الداخلة في ملك الشركة الخاصة والمسجلة في منطقة المرفأ العقارية، إلى أملاك عامة مرفئية تخصّ الدولة، وذلك لقاء أراض في بيروت وفي ضواحيها تقدمها لها الدولة بدلاً منها وتكون مساوية لها في القيمة. إضافة إلى ذلك، نصّت المادة 2 من الاتفاق على أنّ الأراضي غير الممسوحة والمكتسبة من البحر إثر أشغال الردم التي قامت بها الشركة، والمعتبرة جزءاً من ملكها الخاص، تدخل أيضاً في ملك الدولة العام المرفئي، والدولة تدفع عنها فقط بدل أكلاف الأشغال فيها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأبنية والمستودعات المنشأة في المنطقة الحرة التي شيدتها الشركة في العقارات أعلاه والتي تنتقل ملكيتها من الشركة إلى الدولة.
أما الملك العام فهو يشمل، وفقاً للمادة الأولى من القرار رقم 144/س الصادر في 10/6/1925 الأملاك العمومية ، جميع الأملاك «المعدّة بسبب طبيعتها لاستعمال مصلحة عمومية»، ومنها على ما ورد في المادة 2 من القرار المذكور، المرافىء، وهي من الأملاك العمومية الوطنية وفقاً لتخصيصها للمنفعة الوطنية، عملاً بالمادة 4 من القرار ذاته. إنّ هذه الأملاك لا تباع ولا تكتسب ملكيتها بمرور الزمن.
– تنصّ المادة 7 من الاتفاق أعلاه على أنّ الدولة تستردّ امتياز 15/8/1887 وتكلف الشركة الفرنسية المذكورة، التي تقبل التكليف، إدارة المرفأ، بعد استحصالها على الجنسية اللبنانية وانتقال مركزها الرئيسي إلى بيروت في مهلة سنة تلي التصديق.
– تنصّ المادة 10 من الاتفاق المذكور على أن تقوم «شركة مرفأ وأرصفة وحواصل بيروت»، بإدارة أرصفة واحواض ومختلف منشآت مرفأ بيروت وأراضي الملك العام المرفئي وأبنيته، وذلك لحساب الدولة اللبنانية وابتداء من 1/1/1961، حيث تتخذ عندئذ اسم «شركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت». تضيف هذه المادة أنّ الشركة تستمر في استثمار المستودعات الجمركية والمخازن العمومية والمنطقة الحرة لحسابها حتى تاريخ 31/12/1990، ما يعني أنّ مدة الامتياز الممنوح للشركة اللبنانية المذكورة تكون قد انتهت في 31/12/1990، ما حمل الحكومة اللبنانية على أن تعهد إلى لجنة موقتة إدارة مرفأ بيروت، عرفت باسم «اللجنة الموقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت. من المفيد الإشارة إلى أنّ هذه المادة تنصّ أيضاً على أنه في حال قرّرت الدولة إنشاء حوض ثالث أي أنها هي التي تقرّر ، فإنها تستشير الشركة بصدّد التوسيع والتجهيز، وهذا ما حصل بالفعل إذ بادرت الشركة المذكورة إلى توسيع المرفأ بإنشاء هذا الحوض والرصيف 14 وزيادة طول مكسر الموج.
– إنّ مرفأ بيروت هو المرفأ الوحيد المصنف من الدرجة الأولى في الفئة الأولى، لجهة منشآته والأعمال التجارية فيه، عملاً بـ»نظام المرافىء والموانىء اللبنانية المصدق بالقرار الصادر عن وزير الأشغال العامة والنقل في حينه نجيب علم الدين تحت الرقم 31/1 تاريخ 26/1/1966» وتعديلاته. حدّد النظام المذكور حدود نطاق مرفأ بيروت والمنطقة اللاحقة به، ونصّت المادة 6 منه على أنّ هذه الحدود تعدل، بعد إنجاز أشغال توسيع مرفأ بيروت وإنشاء الحوض الثالث منه، بقرار من وزير الأشغال العامة والنقل ووفقاً لمقتضيات المصلحة العامة.
– في 21/4/1970 صدر المرسوم رقم 14316 بتصديق ملحق لاتفاق 13/4/1960، تمّ تعديله بالمرسوم رقم 2711 تاريخ 25/1/1972، حيث تمّ تعديل نطاق مرفأ بيروت بعد توسيعه واعتبار «جميع الأراضي الداخلة في هذا النطاق أملاكاً عمومية للدولة». تمّ تنظيم هذا الملحق وتوقيعه من وزير الموارد المائية والكهربائية في حينه أنور الخطيب ورئيس مجلس إدارة شركة مرفأ بيروت ومديرها العام هنري فرعون.
– في 4/3/1988 صدر قرار عن المدير العام للاستثمار موريس الغزال تحت رقم 11/2 بتصديق النظام المالي لـ»شركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت»، وذلك بناء على المادة 16 من الاتفاق المعقود بين الدولة و«شركة مرفأ وأرصفة وحواصل بيروت» تاريخ 13/4/1960 المصدق بقانون 31/5/1960، حيث تمّ تحديد كيفية إعداد الموازنة والاستحصال على موافقة المديرية العامة للاستثمار ومضمون الموازنة وتنفيذها.
من المفيد الإشارة إلى أنّ المادة 52 من هذا النظام المالي تنصّ صراحة على أنّ نفقات اللوازم والأشغال والخدمات إنما تعقد بالمناقصة العمومية، غير أنه يمكن في بعض الحالات عقد الصفقات بطريقة المناقصة المحصورة أو باستدراج العروض أو التراضي. إنّ الاتفاق بالتراضي الذي هو الاستثناء عن قاعدة المناقصة العمومية محدّد الحالات في المادة 82 من النظام المالي التي تنصّ على أنه يمكن عقد مثل هذا الاتفاق بالمباشر بعد موافقة المدير العام للاستثمار، ومهما كانت قيمة الصفقة، إذا كانت تتعلق بأشغال يجب أن يعهد بها إلى الملتزم الأساسي كي لا يتأخر تنفيذها أو لا تسير سيراً حسناً إذا جيء بملتزم جديد أثناء تنفيذ الصفقة، وأنّ ذلك يجوز إذا كانت هذه الأشغال من لواحق التلزيم الأول وتشكل جزءاً متمِّماً له، أو أشغال أجريت من أجلها مناقصتان متتاليتان أو استدراج عروض على مرتين متتاليتين أو مناقصة تلاها استدراج عروض، من دون أن تسفر هذه العمليات عن نتيجة إيجابية، أو أشغال يعهد بها بموافقة المديرية العامة للاستثمار إلى حكومات أجنبية أو مؤسسات تراقبها هذه الحكومات، وهذه الحالات غير متوافرة، كما سواها من التي تمّ لحظها في المادة المذكورة، في أشغال ردم الحوض الرابع.
– إنّ حسابات الشركة كافة، وفقا للنظام المالي المذكور، تخضع جميعها لرقابة المديرية العامة للاستثمار.
استنساب وتحكم بحقوق الخزينة
– في 31/12/1990 صدر قرار عن مجلس الوزراء تحت رقم 1 قضى بتشكيل لجنة من وزير الموارد المائية والكهربائية ووزير الدولة لشؤون النقل البري والبحري والجوي لاستلام مرفأ بيروت وإدارته واستثماره موقتاً، وقد قرّر الوزيران المذكوران، بقرار صادر عنهما تحت رقم 15/م تاريخ 15/3/1991، تحديد التعريفات كافة في مرفأ بيروت والإعفاءات، وقد أرفق هذا القرار بجدول وملحق مفصلين، وتعدل بموجب قرارات لاحقة من الوزيرين تحمل الأرقام 19 إلى 22 ضمناً.
– إنّ القرار رقم 22 أعلاه الصادر عن الوزيرين المذكورين بتاريخ 3/1/1992، والمبني على قرار مجلس الوزراء رقم 1/1990 أعلاه وعلى المادة 18 من النظام المالي لإدارة واستثمار مرفأ بيروت، نصّ على أن «تقتطع نسبة مئوية قدرها خمسة وعشرون في المئة من واردات إدارة واستثمار مرفأ بيروت تخصّص لتمويل أشغال تطويره وتوسيعه»، ما يترك الاستنساب لإدارة المرفأ بالتحكم بحقوق الخزينة اللبنانية.
– من الأدلة على الاستنساب والتحكم أعلاه، مبادرة وزارة المالية مراراً إلى مطالبة اللجنة الموقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت بتحويل ما يعود إلى حساب الخزينة اللبنانية من نتائج الاستثمار، وهي أموال عمومية تعود إلى الدولة المالكة مرفأ بيروت. مثاله، كتاب المطالبة الصادر عن وزير المالية محمد الصفدي تحت رقم 68/ص1 تاريخ 8/1/2014، حيث يتبين أنّ اللجنة لم تودع الوزارة أي حسابات مالية وتقرير خاص بالوضع المالي لمرفأ بيروت عن السنوات 2011 و 2012 و 2013، كما لم تودع الخزينة اللبنانية كامل حصّة الدولة من فائض الاستثمار عن السنوات تلك، وأنّ الأموال المحولة منها إلى الخزينة عن 2011 اقتصرت على 48 مليار ليرة لبنانية، و30 مليار ليرة لبنانية عن 2013، في حين انتفى أي تحويل للخزينة عن 2012.
– شكل قرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 17/3/1993 لجنة موقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت، ثم قرر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في بعبدا بتاريخ 22/4/1997 تشكيل لجنة موقتة جديدة لإدارة مرفأ بيروت واستثماره «ريثما توضع النصوص اللازمة لهذه الغاية»، وأولاها أن تقوم، بإشراف وزير النقل، بمتابعة إدارة واستثمار مرفأ بيروت «وفقاً لأصول الاستثمار والأنظمة التي كانت تتبعها وتطبقها «شركة مرفأ وأرصفة وحواصل بيروت» في إدارتها واستثمارها المرفأ، وممارسة ذات الصلاحيات التي كان يتمتع بها مجلس إدارة الشركة المنتهية مدتها». أشار القرار صراحة إلى أنّ الحساب الخاص المفتوح لدى مصرف لبنان إنما يحول من اللجنة الموقتة السابقة إلى اللجنة الموقتة الجديدة ويتم تحريكه بقرار موقع من رئيس اللجنة – المدير العام للمرفأ أو من يفوضه بذلك ومحتسب المرفأ لاحقاً، على أن ينتهي مفعول هذا القرار فور المباشرة بتطبيق أحكام القوانين والأنظمة التي ستقرّر لإدارة واستثمار مرفأ بيروت، وعلى أن تلغى جميع قرارات مجلس الوزراء السابقة المتعلقة بإدارة واستثمار مرفأ بيروت. في 2001، عين مجلس الوزراء لجنة موقتة جديدة، ما يعني أنّ المرفأ لم يرقَ بعد إلى المؤسسة العامة بالمفهوم القانوني، في حين أنّ حساباته لا تخضع لرقابة ديوان المحاسبة ولا تتولى وزارة المالية أي دور في شأنه إلا تسلم حصّتها من دخل المرفأ 25 .
– إنّ المرسوم رقم 9040 تاريخ 29/8/1996، المتخذ في مجلس الوزراء، قد حدّد نطاق مرفأ بيروت الموسع حتى نهر بيروت، واعتبر الأشغال العائدة إلى مشروع توسيعه وإعادة تأهيله، والذي يتضمن إنشاء الحوضين الرابع والخامس ومحطة المستوعبات، من المنافع العامة. إنّ بناءات هذا المرسوم تعطف على قراري مجلس الوزراء رقم 1/1990 و1/1993 أعلاه.
إنّ مبدأ موازاة الصيغ يقضي بأن يصار إلى استصدار مرسوم عن مجلس الوزراء لردم الحوض الرابع، لا سيما أنّ أشغال إنشاء هذا الحوض قد اعتبرت من المنافع العامة في المرسوم رقم 9040/1996 أعلاه.
خلاصات
أولاً: إنّ مرفأ بيروت ملك عام وطني، أي أنه جار على ملكية الدولة اللبنانية ومخصّص للمنفعة الوطنية.
ثانياً: إنّ «شركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت» قد انتهت مدتها، ونزع منها أصلاً كلّ امتياز.
ثالثاً: إنّ اللجنة الموقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت لا تدخل في أي إطار مؤسساتي قانوني وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية، وهي متفلتة من أي رقابة لوزارة المالية أو ديوان المحاسبة.
رابعاً: إنّ الضرائب والرسوم التي تحدثها أو تعدلها أو تجبيها هذه اللجنة غير مفروضة بموجب قانون، عملاً بالمادتين 81 و82 من الدستور.
خامساً: إنّ هذه اللجنة تعقد تعهدات يترتب عنها إنفاق لمال الخزينة خارج أي إجازة تشريعية، ما يخالف المادة 88 من الدستور.
سادساً: إنّ هذه اللجنة تمارس امتيازاً لمصلحة ذات منفعة عامة خارج أي إجازة تشريعية وإلى زمن غير محدّد، ما يخالف المادة 89 من الدستور.
سابعاً: إنّ هذه اللجنة تتحكم استنسابياً بموارد الخزينة العامة وحقوقها.
ثامناً: إنّ ردم الحوض الرابع في مرفأ بيروت يستلزم استصدار مرسوم عن مجلس الوزراء.
تاسعاً: إنّ القوانين والأنظمة الواجب إقرارها لإدارة مرفأ بيروت واستثماره طال انتظارها، والإشارة إلى ضرورة استصدارها ترد في قرارات مجلس الوزراء التي تعين رئيس اللجنة الموقتة وأعضاءها، حيث نقرأ فيها أنّ اللجنة موقتة «ريثما توضع النصوص اللازمة لهذه الغاية» أو أنّ قرار التعيين سوف ينتهي مفعوله «فور المباشرة بتطبيق أحكام القوانين والأنظمة التي ستقرّر لإدارة مرفأ بيروت واستثماره».
ألم يحن، مع كلّ هذا، وقت شرعنة إدارة هذا الملك العام الوطني واستثماره بالنظر إلى أهميته القصوى على جميع المستويات، سيادياً واقتصادياً وتجارياً ومالياً وسياحياً واجتماعياً وأمنياً؟ إنّ الخطوة الإدارية الأولى تبدأ برفع الملف بأكمله إلى مجلس الوزراء لوقف أي أشغال ردم في الحوض الرابع وتصحيح الوضع القانوني لمرفأ بيروت بوضع مشاريع قوانين وأنظمة تضع حدّاً نهائياً لهذه الحالة الهجينة التي اسمها «اللجنة الموقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت»، على ما سبق وصفه».
وزير سابق
عضو «تكتل التغيير والاصلاح»