فلسطين التي أعرفها!
نصار إبراهيم
مع فلسطين وفي فلسطين لا تلتبس اللغة، لأنها لا تفقد روحها ولا أصولها وجذورها… ففلسطين هي الثابت والمحور الذي يدور حوله كلّ شيء… هي النواة وحولها الأفلاك…
فلسطين التي أعرفها… كانت وستبقى الراية التي يأتيها أحرار العالم من كلّ الأبعاد… هي جرح العصر النازف… هي الاختبار والمعيار الذي يتهم ويبرّئ… من يقترب منها يقترب من الضوء… ومن يبتعد عنها تبتلعه الظلمة…
فلسطين التي أعرفها… هي قلب العرب… فالعرب بلا فلسطين لن يكونوا عرباً… وفلسطين بلا عروبتها لن تكون فلسطين…
فلسطين التي أعرفها… تتجاوز أي تنظيم أو قائد أو زعيم أو طائفة أو عشيرة… هي همزة الوصل وجسر الصعود نحو السماء… ليس بينها وبين الله فاصل أو برزخ…
فلسطين التي أعرفها… لا الخرائط تحدّها… ولا الاتفاقيات البائسة تغيّر قلبها ووجهها ومساحاتها… هي البحر… والجبال… والسهول… هي الصحراء… والأغوار… هي أقرب نقطة إلى نواة الكرة الأرضية… وفي ذات اللحظة أعلاها…
فلسطين التي أعرفها… هي الحدّ الفاصل بين الهزل والجدّ… هي رفوف الشهداء وأرتال الأسرى والجرحى… هي ذاكرة المجازر… هي البسمة والدمعة… هي الأغنية والموال وأنشودة الحرية والحياة…
فلسطين التي أعرفها هي منديل أمي البهي يحلق في أعالي السماء كحمامة بيضاء… هي ثوبها المطرّز بتعاويذ كنعان وعناة…
فلسطين التي أعرفها لا يمكن اختزالها… فهي نهر من التضحيات والأمنيات والأغنيات…
فلسطين التي أعرفها أكبر من اليمين واليسار وما بينهما… هي غزة والضفة والجليل… هي فضاء ومجال وشحنة هائلة… هي بحر عكا وعناد اللدّ وحكاية يافا وحيفا مع البحر الأزلي…
فلسطين التي أعرفها هي فيض المطر في المواسم التي كانت والتي ستكون…
فلسطين التي أعرفها هي التي اكتشفت الآلهة… فهي ممتدة، شاسعة وبهية… وبين يديها كتب الآلهة أسفار التكوين الإنساني… هي الفصول جميعها… هي رحيل الطيور فجراً وإيابها عند الغروب… هي السنونو يحلق في الكون مبشراً بقدوم الربيع…
على دروبها كانت صرخة الطفولة ومناغاة الأم… ومن زيتونها أضأنا المساجد والكنائس… وليالي أفراحنا…
فلسطين التي أعرفها… نوار لوز ورمان ومشمش… هي العشق الذي لا يخذل…
فلسطين التي أعرفها… لا تستكين ولا تركع أو تنحني… هي صبية كنعانية سامقة الطول… حنطية الوجه رائعة العينين… هي بادئة الشعراء والكتاب والمبدعين… هي الخافية التي لا تخفي ذاتها… حاضرة دائماً وحاسمة…
فلسطين التي أعرفها… وجهها دائماً نحوي… لا تغادر ولا تدير ظهرها… تمسك بيدي لتنهضني… وتمسح دمعتي… ثم ترسل روحها شرارة فتشعل البروق في أعماقي…
تلك هي فلسطين التي أعرفها… فلا تخطئوا بصبرها… فهي هادئة وجميلة… لكنها عنيدة وساحقة في غضبها… تحمل في أعماقها كل أحلام الشهداء… ولهذا فهي لا تسامح من يعبث بقلبها…
كم هي قاسية فلسطين التي أعرفها… تلد أبناءها وتدفع بهم نحو لجة الموت… فلا حياة بلا كرامة وحرية… هكذا تعلم فلسطين أبناءها… فهم معادل لكرامتها… تودعهم مع الصباح …فيصعدون مواكب نحو السماء… ولهذا لا تنسى فلسطين مساء من ودّعتهم مع الفجر صباحاً… ولهذا فهي لا تقبل أنصاف الحلول وأرباعها… أنصاف الخرائط وأرباعها… ذلك لأنّ فلسطين التي أعرفها هي التاريخ وليس نصفه… هي الجغرافية وليس بعضها… هي الشعر والموسيقى… هي البحر والنهر والشمال والجنوب…
تلك هي فلسطين… لمن نسي أو يحاول أن ينسى أو لا يعرف… تلك هي فلسطين لمن يحاول أن يجعل منها كازينو أو صفقة تجارية أو مزرعة للصوص والانتهازيين…
فلسطين التي أعرفها تعرف ما يجري حولها وأمامها… فتنظر بعينيها الواسعتين وتبتسم… تهز رأسها وتبتسم… ذلك لأنهم لا يعرفون أنّ فلسطين لا تساوم على قلبها ومعناها…
ولأنها فلسطين التي أعرفها… فإنني دائماً أبتسم مثلها… لمن يحاول خداعها وخداعنا… ذلك لأننا نعرف – فلسطين وأنا – أنّ الأزمان القادمة لا يمكن إلا أن تكون «فلسطينية الوجه… فلسطينية العينين والاسم… فلسطينية الوشم…» فهي فلسطين:
اْلجَلالُ وَالْجَمالُ وَالسَّناءُ وَالبَهاءُ
وَالحياةُ وَالنّجاة وَالهَناءُ وَالرَّجاءُ
هي فلسطين… موطني…!
عنوان صفحة الكاتب:
https://www.facebook.com/pages/Nassar-Ibrahim/267544203407374