حلب البداية وحلب النهاية
فاديا مطر
لعبت تركيا دوراً رئيسياً في الأحداث التي تعيشها سورية حالياً، وتمثل دورها الأبرز والأكثر عدائية بين الأدوار الإقليمية الأخرى في ما يلي: استغلال قضية اللاجئين لتدويل الأزمة واستهداف سورية وأمنها وسلامتها ووحدتها واستقرارها، وإيواء المسلحين وتنظيمهم وتدريبهم وإرسالهم إلى الأراضي السورية لنشر الفوضى والدعوة إلى إنشاء منطقة عازلة تحت حجة حماية المدنيين وهي حجة لا تستقيم مع حقائق الأشياء، ودخول منظومة الدروع الصاروخية الأميركية الأطلسية التي نشرت على الأراضي التركية حيز العمل، وهي منظومة معروفة الأهداف والغايات، وقد قوبلت بردود فعل منددة ومعارضة من روسيا وإيران.
استضافت تركيا مؤتمر ما يسمى بـ»أصدقاء سورية» في أنقرة، وهي تسعى إلى تحقيق أمرين مهمين:
الأول، اعتراف دولي بما يسمى بـ»المجلس الوطني السوري» المعارض كممثل وحيد للشعب السوري، هذا المجلس ولد في إسطنبول وبرعاية واحتضان تركي.
والثاني، تشكيل تحالف دولي يستهدف سورية خارج مجلس الأمن الدولي بعد أن فشلت الجهود العربية والدولية في إصدار قرار في مجلس الأمن الذي قوبل بالفيتو الروسي ـ الصيني ولمرتين.
والحسابات التركية قد لا تكون دقيقة هنا، فالمعسكر الخليجي التركي الأوروبي الأميركي الساعي إلى إسقاط الدولة السورية يقابله معسكر حلفاء سورية، أي إيران، الصين، وروسيا. وكل طرف له أسبابه ومصالحه واستراتيجيته التي تحشد لها الطاقات والجهود المختلفة.
تركيا في البداية رفعت السقف عالياً تجاه الأزمة السورية ومع مراحل الأزمة أحرقت تركيا جميع مراكبها. وحقيقة فإن تركيا تبدو في أزمة حقيقية، فمن جهة لا مؤشر إلى خيار عسكري بقرار دولي يستهدف سورية كما جرى في ليبيا. ومن جهة ثانية، لا قدرة لتركية على القيام بمثل هذا الخيار وحدها حتى لو كان هناك تمويل خليجي للتكاليف، فمثل هذا الخيار سيكون نهاية للدبلوماسية التركية «الناعمة» والتحول إلى دولة استعمارية لن تقبل بها الشعوب العربية مع تأكيد أن هذا الخيار غير مضمون النتائج، بل قد يكون كارثياً على الداخل التركي نفسه الذي يعيش على وقع الأزمة الكردية.
وفي غياب أي حسم لهذه المسألة، عّبر «الائتلاف المعارض» عن أمله في أن يثمر اجتماع اسطنبول عن تفعيل اتفاق ضمني على أن تسليح المجموعات المسلحة هو أفضل سبيل لإنهاء النظام.
أما «ائتلاف الدوحة» فهو منذ تلقيه الدعوة إلى حوار موسكو عمل على نسفه بشروطه المسبقة، وظن أن امتناعه عن المشاركة سيفُشل المنتدى، علماً أن غياب الائتلاف كان له دور كبير في إنجاح حوار موسكو كما يؤكد كثيرون.
وبعد صدمة نجاح منتدى موسكو، وبدفع من المخابرات القطرية يعمل «الائتلاف» على تنظيم اجتماع للمعارضة هدفه نسف اجتماع «القاهرة» وإبادة ما تحقق في موسكو.
إلى ذلك، يدور الحديث عن دخول تركي علني على خط المعارك بريف حلب الشمالي في محاولة لمنع الجيش العربي السوري من استكمال هجومه، فتحت أنقرة الحدود أمام مئات المسلحين المحملين بالذخيرة اللازمة لفرض واقع عسكري جديد، إضافة إلى غرفة عمليات كبيرة تم تشكيلها لهذا الغرض وتجمع مختلف المجموعات المسلحة وضباطاً أتراكاً وغربيين.
ويحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاستمرار في إثبات وجوده أمام الإدارة الأميركية بما يفعله في حلب، لكن الحقيقة أن الولايات المتحدة الأميركية و»إسرائيل» تحضران بقوتهما الذاتية في حربهما ضد سورية، وهما تستخدمان كل أوراقهما وأداواتهما التي يريدانها، إضافة إلى وجود غرفة عمليات شُكلت في تركيا من أجل تفعيل المعركة ومحاولة تشتيت الانتباه وإرباك الجيش العربي السوري، لكن بكل تأكيد محور المقاومة يتخذ كل الإجراءات اللازمة للاستعداد المعركة الأساسية المقبلة.
ثمة من يرى أن تركيا أضحت ضحية الصورة التي قدمتها لنفسها وتحديداً من «أردوغان» عندما صور بلاده كقوة «إمبراطورية «ضاربة قادرة على التحرك ورسم المصائر قبل أن يكتشف أن للقوة حدوداً وأن الجغرافية السورية هي في قلب الصراعات القديمة الجديدة بين القوى الدولية الكبرى المتنافسة على رسم المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط انطلاقاً من البوابة السورية نفسها، ولعل وصول الموقف التركي إلى هذه الدرجة من التصعيد منذ بداية الأزمة السورية قبل أن يصطدم بالحقائق والمعطيات التي أثبتها الجيش العربي السوري بقدرته وتراجع الأدوار الهادفة إلى ضرب مشروع الدولة الوطنية في سورية، يشير إلى عدم تفهم السياسة التركية لدينامكية القيادة العسكرية والسياسية السورية.