نتنياهو إلى «كابيتول هيل» لإلقاء خطابه العتيد… وأوباما يطلق المفاجأة في أوانها

إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

لا تزال قضية إلقاء رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو خطابه في «كابيتول هيل» في الولايات المتحدة الأميركية، تخضع للمدّ والجزر، وتلقى المزيد من الانتقادات، إن كان من الداخل الأميركي، أو من داخل الكيان الغاصب، والإعلام في هذه المهمّة ـ أي الانتقادات ـ خير وسيلة.

يبدو حتى اليوم، أن نتنياهو ماضٍ في قراره. سيلقي خطابه أمام الكونغرس الأميركي، و«آخر همه» الانتقادات، لا بل أنّه لم يأبه بالإهانات التي وجّهت إليه.

الصحافة العبرية لم تهدأ يوماً من توجيه النقد لنتنياهو، فه هي صحيفة «هاآرتس» العبرية تقول: «نتنياهو يمقت الديمقراطيين الليبراليين، لكن ألا يعرف أن ثلثي يهود أميركا هم ديمقراطيون ليبراليون؟ ألا يعرف أن 90 في المئة من الطلاب الأميركيين في الولايات المتحدة هم ديمقراطيون ليبراليون؟ ألا يعرف نتنياهو أن أميركا القرن الواحد والعشرين هي أميركا متعددة الثقافات ومنفتحة والتي قيمها عكس قيم شلدون أدلسون؟».

وها هي صحيفة «يديعوت أحرونوت» تقول في تقرير آخر: «الاحتمال في أن يطرح نتنياهو هناك بالذات حجة سحرية ما تغير دفعة واحدة مواقف المستمعين هو احتمال طفيف. فالكل يعرف ما هو موقفه في موضوع الاتفاق مع إيران. ومشكوك أن يتوقع أحد ما سماع أيّ جديد…

نتنياهو، بخلاف تصريحاته، يفكر أقل بإيران وأكثر بالسياسة الحزبية ـ «الإسرائيلية» والأميركية. وهو يفكر مثل حاكم جمهوري لدولة في الشرق الاوسط. الرفاق في الحزب مرتاحون من الصفعة لأوباما، أما الثمن فسندفعه نحن».

أما من الداخل الأميركي، فإن الانتقادات أيضاً لا تهدأ، لكن الجديد، قنبلة ربما يلقيها أوباما في وجه نتنياهو، وكأني به يقول له: «لا تتذاكى وتتحاذق، فنحن نملك من الأدلة الاستخبارية ما يكفي لتوريطك».

تقريرنا التالي يتضمّن ترجمة لتقارير عدّة، الأوّل ما كتبه مارك غافني في «Information Clearing House ICH»، والثاني استطلاع للرأي أجرته وكالة «CNN/ORC». فمقالات من صحف عبرية تبيّن مدى الانتقادات التي يتعرّض لها نتنياهو.

هل يفعلها أوباما؟

كتب مارك غافني:

وأخيراً. وبعد سنوات طويلة من النفاق الرسمي، بدا أن الرئيس الأميركي يرمي كرةً قاسية في وجه «إسرائيل». إذ كشفت الحكومة الأميركية عن تقرير سرّيّ يعود إلى عام 1987 يوثق معلومات هامة حول برنامج «إسرائيل» النووي.

لطالما كنتُ من أشدّ منتقدي الرئيس أوباما، لكن لا يسعني سوى إبداء الإعجاب بتوقيت الإفراج عن هذه الوثيقة التي أعتقد أن البيت الأبيض قد خطّط لإطلاق سراحها. ففي الشهر المقبل، سيتحدث رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو أمام الجلسة المشتركة للكونغرس، بناءً على طلب بوينر رئيس مجلس النواب، ومن المقرّر أن يتركز الخطاب على برنامج إيران المزعوم حول الأسلحة النووية. وواقع أن أياً من رئيس مجلس النواب أو الحكومة «الإسرائيلية» لم يتناقشا في مسألة الخطاب مع البيت الأبيض، أصبحت مسألةً مثيرةً للجدل لأسباب وجيهة. فإن عدداً من أعضاء الكونغرس البارزين، ومن بينهم السيناتور ليهي، أعلنوا أنهم سيقاطعون هذه الجلسة المرتقبة ما سيعتبر ـ في نهاية المطاف ـ محاولة مكشوفة للوقوف إلى جانب الرئيس الأميركي.

من أبرز ما يميز رئيس الوزراء «الإسرائيلي» أنه متحدّثٌ لبق، لكنه ـ في المقابل ـ لم يعُد يقف في مكان يستطيع من خلاله وعظ إيران أو غيرها من الدول حول تطوير ترسانتهم النووية. فالتقرير الذي أشرنا اليه أعلاه، والذي نُشر منذ فترة قصيرة، يدين نتنياهو ويظهره على أنه «كاذبٌ كبير».

توافق الوكالات الاستخباراتية الأميركية الـ16، على أنه ما من دليل واضح على محاولات إيران تطوير أسلحة نووية. وبصفتها موقعة على معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، فإن برنامج الطاقة النووي مصانٌ بالكامل من قبل مفتشي الوكالة. وعلى عكس «إسرائيل» التي تعتبر دولةً مارقةً، تطور الأسلحة النووية سراً بينما تشير بأصابع الاتهام ـ علانيةً ـ نحو إيران، وترفض ـ بوقاحة ـ التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية!

يشير التقرير السري عام 1987 إلى أن الولايات المتحدة تعلم جيداً ومنذ بداية الثمانينات، كلّ ما يرتبط بأجندة «إسرائيل» النووية. فبرنامج هذه الأخيرة نسخة مماثلة لذلك المطبّق في الولايات المتحدة.

ونحن نعلم يقيناً أن «إسرائيل» تقوم بتهريب التكنولوجيا النووية من الولايات المتحدة، تستورد السفن الكبيرة المحمّلة بخام اليورانيوم، تخدع المفتشين الأميركيين ـ وعلاوة على ذلك ـ تكذب طوال الوقت في شأن نواياها الحقيقية. كما ثبُت أن «إسرائيل» تقوم بتزويد الوكالة الدولية للطاقة الذريّة بوثائق مزوّرة حول برنامج إيران النووي.

للتوقيت شأنٌ كبير في السياسة. أما الآن، وقد أصبح التقرير علنياً، أصبح أوباما في موقع أقوى كي يمارس الضغط على «إسرائيل» في شأن ضرورة التوقيع على الاتفاقية المذكورة، وإجبارها على فتح أبواب منشآتها النووية أمام وكالة التفتيش الدولية أو مواجهة احتمال خسارة المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأميركية. لكن لماذا؟ لأن القانون الأميركي تعديل سيمنغتون حول قانون المساعدات الخارجية 1961 يمنع الولايات المتحدة من تقديم المساعدات التي تشارك في تطوير سرّي للأسلحة النووية. اختارت الولايات المتحدة إهمال القانون لسنوات طويلة. لكن ومع إصرار نتنياهو على إثارة هذه المشكلة بين أوباما وإيران في الكونغرس، قرّر الرئيس خلع قفازات المراوغة. فإذا تمكّن أوباما من القيام بذلك، وآمل أن يفعل، فستكون الخطوة الأذكى خلال فترة رئاسته السياسية. ويستحق الرئيس ـ على هذا ـ كلّ الدعم الذي يُفترض بنا ـ نحن الشعب ـ أن نقدّمه له.

لم يكن توقيت نشر التقرير من قبيل الصدفة، بل أن السبب كان عرضها في صفحات ثلاث في «لندن صنداي تايمز» عام 1986، استناداً إلى أدلّة مقدّمة من قبل أحد «الإسرائيليين» المبلّغين عن المخالفات والذي يُدعى موردخاي فعنونو. فقد عرضت «تايمز» وثائق مذهلة من صور وتفاصيل التقطت داخل مصنع سرّيّ لمعالجة فصل البلوتونيوم والذي يقع في صحراء النجف على عمق ثمانين قدماً تحت الأرض. ولسنوات طوال، ادّعت «إسرائيل» أن مفاعل ديمونا النووي هو مصنع سلميّ لتوليد الكهرباء. غير أن فعنونو أكد أن كل هذا محض كذب وتضليل.

ولشجاعته، عانى فعنونو مصيراً أشدّ هولاً من الموت. فقد اختُطف من قبل العملاء «الإسرائيليين»، أعيد إلى «إسرائيل» متهماً ومُداناً بالخيانة العظمى. حُكم عليه بالسجن 18 سنة في سجن «أشكيلون»، قضى 11 سنة منها في حبسٍ انفراديّ، تحمّل خلاله الكثير من الإساءة والعنف من قبل سجّانيه. وعلى رغم إطلاق سراحه عام 2004، غير أنه أُبقِي تحت الإقامة الجبرية في «إسرائيل» حتى لحظات كتابة هذه السطور إنه مثالٌ مروّعٌ على الخطر المزدوج.

وأودّ أن أوجّه شكري الخاص لموردخاي الذي عبّر على مدى سنوات عن شجاعة نادرة بدأنا نقطف ثمارها في الوقت الحالي. ما من شكّ في أن رجلاً شجاعاً واحداً بإمكانه تغيير العالم من حوله. فعلها فعنونو. ستبقى ذكراه قائمة في عقولنا ونفوسنا لجرأته وقوته في سبيل إحقاق الحق، بينما سنظلّ نذكر نتنياهو على أنه ذلك السياسي المُرائي، سيئ السمعة الذي دمّر مصداقية «إسرائيل».

غالبية الأميركيين يعارضون دعوة نتنياهو

يعتقد غالبية الأميركيين أن قادة الحزب الجمهوري قد أخطأوا في دعوة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو للتحدث أمام الكونغرس من دون استشارة البيت الأبيض أو موافقته، وذلك بحسب استطلاع جديد أجرته وكالة «CNN/ORC».

نُشر هذا الاستطلاع الوطني الثلاثاء الماضي، وأظهر أن 63 في المئة من الأميركيين يرون أن قرار قيادة الكونغرس تمديد الدعوة لنتنياهو من دون الرجوع إلى الرئيس باراك أوباما، كانت خطوة سيئة للغاية، بينما يعتبر 33 في المئة منهم فقط أن هذا القرار كان صائباً. وفيما يستمرّ تأجّج الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» في الشرق الأوسط، فإن هذا الاستطلاع وجد أنه على الولايات المتحدة أن تبقي نفسها محيّدة عن أتون هذا الصراع.

المتحدّث باسم البيت الأبيض جون بوينر، يرى أن دعوة نتنياهو قد تحوّلت إلى حدثٍ دوليّ وزادت من تفاعل العلاقات الموتورة بين القادة في «إسرائيل» وأوباما، الذي ما انفكّ يحضّ الكونغرس للامتناع عن فرض مزيد من العقوبات خوفاً من تعريض المحادثات النووية للخطر.

صرّح نتنياهو أنه لن يلتقي أوباما خلال زيارته المقبلة إلى الولايات المتحدة، والتي يصادف تقاربها زمنياً مع الانتخابات المقبلة في «إسرائيل». وقد أعلن عددٌ متزايد من الديمقراطيين في مجلسي الشيوخ والنواب على مدى الأسبوعين الماضيين أنهم لن يحضروا هذه الجلسة المشتركة، ما دفع البعض إلى التساؤل عمّا إذا كان رئيس الوزراء سيلغي خطابه أم لا.

وعلى رغم أنّ خطاب نتنياهو أصبح مسألة حزبية في الكابيتول هيل، إذ إنّ الجمهوريين ينقسمون أيضاً وأيضاً حول ما إذا اتخذت القيادة قراراً سديداً في دعوة نتنياهو من دون استشارة البيت الأبيض، مع غالبية 52 في المئة تعارض هذه الخطوة، وموافقة 14 في المئة فقط من الديمقراطيين، في حين يدعم هذه الخطوة أكثر من ثلث المستقلّين.

غير أن الأميركيين بشكل عام يؤمنون بأن على الولايات المتحدة أن تبقى على حياد في ما يختصّ بالصراع الفلسطيني ـ «الإسرائيلي»، إذ إن 66 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع أجابوا بتأييدهم بقاء بلادهم بعيدةً عن الصراعات. وبين أولئك الذين لا يحبذون البقاء على الحياد، فإن غالبيتهم ـ أي 29 في المئة ـ تدعم «إسرائيل»، بينما فقط 2 في المئة منهم يدعمون فلسطين. وحتى الجمهوريون، الذين عادةً ما يوفرون ـ كحزب ـ الداعم الأقوى لـ«إسرائيل»، منقسمون حول ما إذا كان على الولايات المتحدة أن تقدّم الدعم لـ«إسرائيل» في هذا الصراع، فـ49 في المئة منهم يوافقون على الدعم المباشر، بينما يعارضه 47 في المئة منهم. كما يشير هذا الاستطلاع إلى وجود فجوة كبيرة في السن، قد تؤثر في المدى البعيد على حيادية الصراع. فبينما يعتقد 56 في المئة ممن تجاوزوا سنّ الخمسين أنه على الولايات المتحدة عدم التدخل في الصراع الفلسطيني ـ «الإسرائيلي»، نرى أن هذه النسبة ترتفع إلى 75 في المئة لمن تقلّ أعمارهم عن ذلك.

أُجري هذا الاستطلاع على 1027 بالغاً أميركياً في الفترة الممتدّة بين 12 15 شباط الحالي، وبلغ هامش الخطأ في هذا الاستطلاع 3 في المئة.

الجالية اليهودية في أميركا

كتب ابراهام بن تسفي في «إسرائيل اليوم»:

إن الاقوال اللاذعة لأشخاص بارزين ليسوا قليلين في الجالية اليهودية الأميركية وممثلين في الكونغرس، التي خرجت ضد خطاب رئيس الحكومة المخطط له في تلة الكابتول، أثارت من سباتها الصمت المدوي والمخجل لهذه الجالية إزاء كارثة يهود أوروبا. صحيح أن الحديث يتم في ظروف مختلفة وأوقات مختلفة، لكن يجب عدم تجاهل الخط الوهمي الذي يربط بين ـ ولو بصورة جزئية ـ السلوك السلبي والخانع للمؤسسة اليهودية وزعمائها في تلك الايام الظلامية وبين الايجابية المقاتلة تجاه حكومة «إسرائيل»، الذي مصدره في جزئه الاكبر من رجال الاعمال في هذه الجالية.

على رغم حقيقة أن الجالية اليهودية في الولايات المتحدة مرت بطريق طويلة ومؤثرة، وفي مسار اندماج اجتماعي وسياسي منذ فترة الكارثة، ومنذ الايام التي ألقت فيها لجنة الكونغرس للتحقيق في الاعمال المعادية لأميركا برئاسة السيناتور جوزف مكارثي الفزع إذ إن جزءاً كبيراً من أهداف اللجنة وضحاياها كانوا يهوداً ، لم تختف نهائياً المخاوف المكبوتة في شأن مكانها ومكانتها في الواقع الأميركي. هذا في الوقت الذي في ظله ما زال الخوف من أن يفسر دعم «إسرائيل» الكاسح ـ في الاساس عندما تكون مواقف الادارة تجاه قيادتها صدامية بشكل خاص ـ كتعبير عن الولاء المزدوج، وهكذا يتم التشكيك في موقفها ومكانتها داخل النسيج الاجتماعي والثقافي.

مثال واضح على هذا، أنه حتى في زمن التعاون الاستراتيجي المتعاظم، ما زالت ندوب عميقة موجودة في وعيها مثل ذكريات الخمسينات، «قضية بولارد» التي انفجرت في تشرين الثاني 1985، وعلى رغم أن اعتقال بولارد وإدانته لم يؤدّيا إلى خطوات عقابية من جانب الرئيس ريغان إزاء حكومة بيريز، فقد كان لهذه المسألة تأثير كبير على يهود الولايات المتحدة ليس فقط على البيروقراطية الأميركية التي أظهرت كراهية متواصلة إزاء إسرائيل ، الازمة فتحت من جديد أسئلة قاسية تتعلق بتحديد هوية وعلاقة الجالية اليهودية. كذلك فإن مسألة بولارد أثبتت لممثلين كثيرين في الجالية أن دعم «إسرائيل» من شأنه ـ في حالات متطرّفة ـ أن يضر بالمصالح الامنية الأميركية.

النتيجة المباشرة لهذه الازمة في الوعي كانت تحفظاً أكثر من جانب هذه القيادة، التي خلال النصف الثاني من العقد الماضي امتنعت بصورة عامة عن المبادرة للقيام بعمليات دعم وتأييد لـ«إسرائيل». مرت ثلاثة عقود تقريباً منذ انفجرت قضية بولارد، ويبدو أن الزمن توقف عن السير تماماً عندما يجري الحديث عن هذه القضية، وفي الحقيقة، وعلى رغم أن الجالية اليهودية مع الكونغرس كانت أكثر من مرة تشكل المحور المركزي لدعم «إسرائيل» وتأييدها وأكثر من مرة من خلال الاستعداد لانتقاد مواقف الادارة ولتجنيد الدعم ضد خطواتها ، فإنه عندما نتحدث عن موقف حاسم من جانب رأس الهرم، فإننا نشهد مرة تلو الاخرى ارتداع معظم الاشخاص والمنظمات اليهودية عن مواجهة مباشرة مع البيت الابيض.

بالعكس، في هذه الحالات تكررت ظاهرة وقوف اشخاص مركزيين في الجالية اليهودية على رأس داعمي الرئيس في الساحة الأميركية الداخلية. هكذا حدث في ذروة «الضمانات للبناء» في بداية 1992، وهذا ما يحدث في هذه الايام، الايام التي يجري فيها النقاش حول موضوع خطاب رئيس الحكومة أمام الكونغرس.

من الممكن أن نعدّد نجاحات وتحفظات في شأن الطريقة المثالية لوضع موضوع الاتفاق القادم مع إيران في صلب الخطاب الجماهيري والسياسي في الولايات المتحدة، والتحذير من مخاطره واحتمالاته. من جهة هناك فرق بين الخلاف المشروع وبين صيحات الانقسام التي تصدر من أوساط مختلفة في الجالية اليهودية. بالتحديد على خلفية القوة البارزة في الخطاب الأميركي الحالي، فإنّ هذه الصيحات تثير الشك في أن الحديث يدور عن دورة ثانية من مشكلة الهوية القديمة، التي لم ينجحوا في التغلب عليها على رغم أن عدداً منهم حققوا الحلم الأميركي. يمكن فقط الأمل بأنه كلما اقترب موعد الخطاب سيقل الضجيج الذي يحيط به، وهكذا سيشق من جديد طريق للنقاش الموضوعي والصريح مع هذه الجالية.

ضرر أكثر من ربح

كتب آفيعاد كلاينبرغ في «يديعوت أحرونوت»:

«في الوقت الذي هناك من يعنى بالبروتوكول أو السياسة الحزبية، يتبلور اتفاق سيء مع إيران»، أعلن نتنياهو. والعلاج لهذا الاتفاق السيئ، كما يتبين، هو خطاب يلقيه رئيس الوزراء في واشنطن العاصمة. والمعادلة التي يقترحها نتنياهو هي التالية:

صحيح أنّ هذا الخطاب يثير اعتراضاً شديداً في الولايات المتحدة.

صحيح أنه يثير حفيظة الادارة وسيؤدّي إلى توتر كبير بين «إسرائيل» وبين الرئيس.

صحيح أنّ ثمّة احتمال كبيراً في أن تعاقب الادارة نتنياهو أي دولة إسرائيل لأن الخطاب يعتبر تحطيماً لقواعد اللعب المتبعة بين الدولتين رئيس دولة لا يقوم بزيارة رسمية عندما يوضح له رئيس الدولة التي يزورها بأنه ليس معنياً بزيارته .

صحيح أيضاً أن للناظر الساذج الحيادي تبدو هذه كمحاولة ساخرة لنيل الاضواء من أجل تحقيق مصالح الضيف في حملة الانتخابات.

ولكن كل هذا يشحب أمام الانجاز الجوهري… منع الاتفاق السيئ مع ايران.

إذا أخذنا بمعادلة نتنياهو، فإن للكلمات التي سيقولها رئيس الوزراء أمام القاعة شبه الفارغة ستكون قوة سحرية، تبرّر ظاهراً كل ثمن. ليس واضحاً كيف سيحصل هذا بالضبط. موقف نتنياهو معروف، بعد كل شيء. واحد لن يفاجأ مما سيقوله في واشنطن. فهو ليس شخصاً عديم الوصول إلى وسائل الاعلام. ليس لديه أي صعوبة في أن يسمع موقفه في مقابلة صحافية، في خطاب في الكونغرس، في مؤتمر صحافي، في مقال ينشره في صحيفة «إسرائيلية» أو أميركية. لا صعوبة لدى نتنياهو في أن ينقل موقفه في سلسلة من المحادثات مع رجال الادارة، السيناتورات، أعضاء الكونغرس وعملياً مع كل من يريد.

لا تستهدف الدعوة لإلقاء الخطاب أمام المنتخبين الاميركيين لنقل معلومات لم تكن متوفرة بوسائل أخرى. فهي تشريف. ولا يفترض بها أن تكون وضعية كيدية، بل النقيض التام: بدعوة من هذا القبيل تعبر الولايات المتحدة عن تأييدها للرجل من خلال حدث هو طقسيّ في أساسه. أما الخطابات الملتهبة أمام المنتخبين لا يفترض أن تغير المواقف. فهي تعبّر عن تأييد مسبق للشخص الذي يرغب النواب الأميركيون بمكانته.

والاحتمال في أن يطرح نتنياهو هناك بالذات حجة سحرية ما تغير دفعة واحدة مواقف المستمعين هو احتمال طفيف. فالكل يعرف ما هو موقفه في موضوع الاتفاق مع إيران. ومشكوك أن يتوقع أحد ما سماع أيّ جديد.

الظروف الوحيدة التي سيكون فيها منطق في الوقوف أمام المنتخبين رغم أنف الرئيس، هي لو كان يسود إجماع في مجلس النواب، ويقف النواب كرجل واحد خلف نتنياهو ومواقفه. وحتى عندئذٍ سيكون في الخطوة خطر إذ فيها محاولة لفرض سياسة لا يريدها على الرئيس ومن شأنها أن تجر ردّ فعل مضاداً خطِراً لـ«إسرائيل». فلدى الرئيس الأميركي مجال مناورة واسع في العلاقات الخارجية، ليس منوطاً بإقرار الكونغرس، وثمة ألف وسيلة ووسيلة لمعاقبة من يتدخل بوحشية في اللعبة السياسية الاميركية، ولكن يحتمل أن يكون ربح هذه المخاطرة في رأي نتنياهو أكبر من خسارتها.

ولكن ما أن أوضح الديمقراطيون أنّ الزيارة ليست بناء على رأيهم، ومن اللحظة التي أوضح فيها الكثيرون منهم أنهم سيقاطعون القاعة أثناء خطاب رئيس الوزراء، فقد بات ضرر الزيارة أكبر بلا قياس من ربحها. فبدلاً من خلق إجماع للتأييد، تخلق انشقاقاً للمعسكر. لقد أصبح التأييد لنتنياهو فعلاً استفزازياً أمام الرئيس. وهذه النتيجة هي آخر ما يخدم مصالح دولة «إسرائيل» في صراعها ضد إيران النووية.

غير أن نتنياهو، بخلاف تصريحاته، يفكر أقل بإيران وأكثر بالسياسة الحزبية ـ «الإسرائيلية» والأميركية. وهو يفكر مثل حاكم جمهوري لدولة في الشرق الاوسط. الرفاق في الحزب مرتاحون من الصفعة لأوباما، أما الثمن فسندفعه نحن.

هرتسوغ جاهز!

كتب آري شبيط في «هاآرتس»:

إسرائيل دولة قليلة الحظ. خلال شهر واحد آذار 2015 ستشهد ثلاثة أحداث دراماتيكية، التي تشكل معاً أمراً خطراً. الصفقة المحتملة بين أوباما وإيران، الخطاب المتوقع لنتنياهو في الكونغرس والانتخابات للكنيست، تشكل إمكانية لحدوث عاصفة. في الايام الاربعين المقبلة يمكن لأوباما أن يرتكب خطأ حياته، رئيس حكومة «إسرائيل» سيرتكب بالتأكيد خطأ حياته، ويمكن أن تكون دولة «إسرائيل» محيدة ومُسكتة في الوقت الذي يكون فيه الزعيمان يتسليان بأعمال تُعرض الحياة للخطر. وفي الوقت الذي يواصل فيه مواطنو «إسرائيل» التساؤل من هو الذي يحتاج للعلاج، هل السلطة أو وسائل الاعلام، ستتقدم إلى الأمام في واشنطن عمليتان، إذا تحققت تداعياتهما، فستكون بعيدة المدى.

الرئيس الأميركي أوباما. يثق بنزع السلاح النووي من العالم. لكنه لا يعتقد أنه بالامكان منع، بكل ثمن، مواجهة أخرى بين الولايات المتحدة و«داعش». هذان الاعتقادان يناقضان بعضهما. إذا لم تشعر الدولة العظمى الشيعية بأن الولايات المتحدة مستعدة لمواجهتها ـ سياسياً واقتصادياً ـ فإنها ستصبح نووية. إذا أصبحت إيران نووية فإن الشرق الاوسط سيصبح نووياً، ويكون القرن الواحد والعشرين قرن التهديد النووي. إن رغبة أوباما في مصالحة طهران حتى لو تسبب تدهور أسعار النفط لها بأن تكون هشة بصورة لم يسبق لها مثيل من شأنها أن تدمر رؤياه: منع انتشار السلاح النووي.

ما زال الوقت غير متأخر. ربما حتى الآن أن الخوف الإيراني أو النباهة الأميركية ستمنع كارثة، لكن مع اقتراب نهاية المفاوضات بين الديمقراطية الأميركية وبين البيروقراطية الإيرانية من الواضح أن الرجل الذي يجلس في البيت الابيض مصاب بمرض خطر من المسالمة. فهو لا يرى الخطر، لا يفهم الخطر، ويعمل كل ما في وسعه للدخول إلى المصيدة.

عندما كان لـ«إسرائيل» رؤساء حكومات يتحدثون «الايديش» ولم يروا في يوم ما لعبة «سوبربول»، كانوا يعرفون أمراً واحداً: تأييد «إسرائيل» في الولايات المتحدة يجب أن يكون من قبل الحزبين، لكن الآن حيث يوجد لـ«إسرائيل» رئيس حكومة يبدو أميركياً ويُسمع كأميركي، فإنه يتصرف وكأنه لا يفهم أميركا بتاتاً. نتنياهو يمقت الديمقراطيين الليبراليين، لكن ألا يعرف أن ثلثي يهود أميركا هم ديمقراطيون ليبراليون؟ ألا يعرف أن 90 في المئة من الطلاب الأميركيين في الولايات المتحدة هم ديمقراطيون ليبراليون؟ ألا يعرف نتنياهو أن أميركا القرن الواحد والعشرين هي أميركا متعددة الثقافات ومنفتحة والتي قيمها عكس قيم شلدون أدلسون؟

لماذا الشخص المهذب الجالس في «شارع بلفور» يُصر على تدمير المبدأ المقدس للدعم من قبل الحزبين لـ«إسرائيل»، بكونه يتحدث بطريقة جمهورية ويبث جمهورياً ويضع «إسرائيل» بصورة خطرة على أجندة الحزب الجمهوري؟ خطاب نتنياهو في الكونغرس سيؤدّي إلى ذروة سياسة انعزالية، التي ستفشل الحرب ضد التسلح النووي الإيراني وتعرّض للخطر التحالف الاستراتيجي بعيد المدى مع الولايات المتحدة.

على رغم الحملة الانتخابية، فإنّ «إسرائيل» العقلانية لا تستطيع أن تجلس مكتوفة الأيدي أمام صفقة أوباما السيئة ولا إزاء خطاب نتنياهو المفزع. لـ«إسرائيل» العقلانية ثمة رجل: يتسحاق هرتسوغ. هذه هي اللحظة، هرتسوغ. هذه هي الساعة لتولي القيادة ولإظهار قيادة وإبقاء «بوغي» خلفك.

في المكان الذي لا يوجد فيه رجل، على هرتسوغ أن يكون رجلاً. عليه أن يلقي في القدس الخطاب الصحيح في شأن التهديد الإيراني النووي. عليه أن يدعو أوباما إلى ألا يقوم بخطوة يصعب إصلاحها، عليه أن يهزّ النظام العالمي، عليه أن يتصرّف منذ الآن كقائد قومي ويقود الحرب العالمية ضد الصفقة التي تحمل في ثناياها الخطر لأوباما وخامنئي.

مارك غافني، هو مؤلف كتاب «مُفاعل ديمونا ــ الهيكل الثالث 1989»،

الذي يُعدّ دراسة رائدة حول برنامج «إسرائيل» للأسلحة النووية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى