التشكيليّة ثنا المصري: الأزمات فرصة لاختبار قدرات الفنّان
كتب محمد سمير طحان من دمشق ـ سانا : تحمل لوحة التشكيلية ثنا المصري زخماً كبيراً من المشاعر المتناقضة، مثل النزق والغضب إلى جانب الهدوء والتأمل، فاللوحة لديها تمثل ذاتها ورغباتها وعلاقتها بها تمثل حالة عشق ومصالحة مع الذات لتختصر اللوحة حلمها ومستقبلها على حد تعبيرها.
عن هذه العلاقة مع اللوحة تقول المصري: «إن اللوحة هي الحوار والتواصل المباشر والعميق بين الفنان وكل شيء حوله وداخله وهو يسعى إلى الخلود وتحقيق رسالة يؤمن بها من خلالها. إن رسالة الفن تحمل أبعاداً ومضامين ذات مستويات فكرية ومعرفية وفلسفية وروحية واجتماعية وسياسية، ويتحقق فك رموز هذه الأبعاد من خلال قراءة سيكولوجية لأي عمل فني يمكن عن طريق دراسته معرفة بحث الفنان الفكري والخلود الذي يسعى إليه.
بدأت المصري مشوارها الفني مع الأسلوب الواقعي بمواضيع تنوعت بين الطبيعة والبورتريه والطبيعة الصامتة، وخاصة أثناء دراستها في كلية الفنون الجميلة حيث تأثرت بالمدرسة الواقعية الروسية، تحديداً الفنان الروسي إيليا ريبين، ثم اعتمدت في مشروع تخرجها أسلوب الواقعية التعبيرية.
تعالج المصري من خلال تجربتها التعبيرية المواضيع الإنسانية عبر ثنائية الرجل والمرأة، وتركز على المسائل التي تتعلق بالمرأة العربية من خلال وعي مشاكلها الحياتية. وتوضح أنها تحاول من خلال لوحتها طرح دور المرأة العربية في الزمن المعاصر وإبراز ما تعانيه من صعوبات لتحقيق أهدافها، عبر تكوينات مختلفة واستخدام الكولاج من ورق وقماش وعدة أشياء مهملة، وتوظيفها بلغة الخط واللون اللذين يتشاركان في تجسيد إيقاعات الحركة التعبيرية والموسيقى البصرية مع الألوان الزيتية.
تقول المصري: «تأثرت بالفنان العالمي أوسفالدو الذي جسد بلوحاته الألم والظلم والقهر، من دون أن أقلده، فالموضوع في أعمالي غير مرتبط بالجغرافيا أو إحداثيات المكان فحسب، إنما يمتد إلى الزمان والإدراك الداخلي من الذاكرة ومما يمكن أن يحدث مستقبلاً».
حول دخولها حديثاً أسلوب التجريد، تشير إلى أن هذه التجربة تمّت عبر إحساس بالنضج الفني، فالتلقائية والفطرية تهبان الإحساس بالدهشة، أي الحرية الكاملة، مع ترك مجال للاكتشاف والمصادفة، إذ ترى أن للأخيرة دوراً كبيراً في إنجاز الأثر الفني لناحية الألوان، فهي نتيجة المعرفة والتجريب والحدس، وللألوان دلالاتها وتغيراتها من خلال عالم واسع الخيارات، موضحة أن علاقتها بالألوان تتغير مع الزمن لتتمكن من صوغ لونيّ خاص بها يمنحها بصمتها الفنية.
تؤكد المصري أن غلبة أي لون من الألوان على أعمال الفنان هي بمثابة تعبير عن مسيرته الذاتية وبصمته الخاصة التي تشكلت عبر تجربة طويلة وتضيف: «إن اللون الغالب في لوحاتي على اختلاف مراحلها هو الأزرق. إنه لوني الذي أوظفه تبعاً للحالة النفسية والدرامية في فكرة اللوحة»، لافتة إلى أن ظهور اللون الأخضر في أعمالها الأخيرة هو نتيجة تأثرها بلون أشجار النخيل وقشورها المتساقطة التي أدهشتها وجذبتها بقوة في مصر التي تدرس فيها اليوم دراسة الماجستير.
ترى المصري في الأزمات الكبيرة والحروب فرصة حقيقية لامتحان قدرات الفنان لأن فالإبداع يرتبط بأجواء واسعة من الحرية والأمان والاستقرار تقول: «إن الظروف المادية والموضوعية ذات تأثير كبير في الحركة التشكيلية والثقافية. تسببت الأزمة بتوقف معظم صالات العرض الخاصة في سورية، ما أدى إلى مغادرة بعض الرسامين المخضرمين والمعروفين إلى الخارج».
حول متابعتها الدراسات العليا في مصر توضح: «أعيش في غربة قاسية وقاهرة من جميع النواحي، فالفنان العربي في مصر لا يلقى أي دعم أو مساعدة ويعاني كثيراً ضعف التسويق. إني مستمرة في الدراسة والعمل الفني رغم جميع الظروف الصعبة».
تطمح الفنانة السورية مثل أي فنان مبدع إلى إنجازات كثيرة على مستوى اللوحة وتقول ختاماً: «من أبرز طموحاتي أن بلوغ الرضا عن عملي الفني والوصول بلوحتي إلى أهم المحافل الفنية العالمية ونشر أفكاري وأعمالي في أنحاء العالم والعودة والاستقرار في بلدي سورية».
ثنا المصري من مواليد دمشق عام 1976، خريجة كلية الفنون الجميلة في دمشق، قسم التصوير الزيتي عام 2008، تحمل جائزة الباسل للتفوق والإبداع لعامي 2007 -2008، عضو اتحاد التشكيليين السوريين وخريجة معهد إعداد مدرسين تربية فنية عام 1997 ومركز أدهم اسماعيل للفنون التشكيلية عام 2004، مدرّسة تربية فنية منذ عام 1999 ولها عدة معارض منفردة وجماعية داخل سورية وخارجها.