صراخات في ليل مشرق… بين وصيف وبغا
أحمد عجمي
وطن تمخضت به الأيام والأشهر والسنون ولمّا يولد بعد، رياح السياسة منشورة على صفحاته تقلّبه ذات اليمين وذات الشمال. ويثبت الزمن فراسته في كلّ هجمة عليه ويبديها بحسن نيّة، بلسانه الذي يرتب الكلمات المعسولة، ويمعن في التنسيق لما ترتجيه شراهة نفسه، فيسقط في امتحان الوطنية. وكلّ ما نسعى إليه، منظومة من العلاقات تفوز للوطن بمائدة ثمينة… فإذا بالوطن يحرم من كلّ الصفقات، وتغير عليه كلّ الهجمات، فيقف مرتجفاً ضعيفاً أمام غيلان السياسة، ينتابه ألم سحيق، فتجفّ على شفتيه الكلمات، هناك من لا يريد لجيشه السلاح، حتى يبقى محبط الأركان منهك القوى أمام الأعداء المحيطين به.
لماذا الـ»لا» لتسليح الجيش؟… أإرضاءً لإسرائيل؟!
وأين وعد أميركا بتسليحه؟ أوَلم تعد في بعيد الزمن وقريبه بتسليح جيش لبنان؟ أميركا لا تقبل إلا بمساعدات مشروطة، ويبدو أنّ العدو «الإسرائيلي» لم يوافق بعد على شروطها.
وعند تجوالك لاستنباط ألوان الصورة، ترى بعضهم لا يريد تسليح الجيش من أي مكان، محقّون!! من لا يرى بجواره وعلى صدره وعند أرجله عدواً، وفي كلّ يوم اعتداء! لماذا يتسلّح؟ فلينفق هذه الأموال في مشاريع أخرى كالملاهي وأمور تودي بشبابنا نحو مستنقع الضياع.
والأعظم، ما ينبعث عن أحط الانفعالات، ترى من يرى المقاومة – وجه لبنان المشرق – سبباً لتدمير الوطن، على الرغم مما ترسمه من تضحيات سامية دفاعاً عن الوطنية وعن القومية.
وهناك نواب في البرلمان اللبناني لا ينظرون إلى الشرّ المطلق «إسرائيل» ولا إلى نظيرها أو ربيبها التكفيريين أعداء، فكيف لا يُعتبر المجرم والمتسلط على أبرياء الوطن عدواً؟!
وهناك من يرفض المساعدة الإنسانية، فإذا جاءت يتلقفها عاشقو المال بشغف ويخفونها في بطونهم. وكذلك تجد من يرفض المساعدة الإيرانية المجانية، لماذا؟ وسكّرت الأبواق…!
هكذا حكام لبنان… الذين سعوا بكلّ دوافعهم للوصول إلى كرسي الخدمة، وتطويع كلّ المصالح لمصلحة الوطن الواحد، ويا ليتهم سعوا إلى ما وعدوا به، جاؤوا يتآمرون على الوطن والشعب لتمزيق أوصاله، فها هم أقزام رجال يتلقون الأوامر الأجنبية بحذافيرها من شرق ومن غرب كوصيف وبغا كما قال الشاعر:
خليفة في قفص بين وصيف وبغا
يقول ما قالا له كما يقول الببغاء
لا يحبّون للبنان نسمة منعشة، بل يريدون له الظلام، يريدون تفريقه وتمزيقه إرباً، لا أحد يفكر بمصلحة الوطن العزيز، كلّ فريق ما عدا بعض الاستثناءات، يسبح في بحر النهب والكذب، حتى جعلوا لبنان عدوّهم الوحيد يسعون إلى تدميره، ويريدون الانقضاض عليه ريثما تتحيّن لهم الفرص. وحتى أنّ رئاسة الحكومة تفتقر إلى معالم الوطنية الحقيقية عند المسؤولين عنها.
ونودُّ عوْداً لفت النظر إلى أنّ أحزاباً وتيارات في البلد الديمقراطي، جاءت لتكون صلة الوصل بين الشعب والحكومة، تحقيقاً لمصلحة الشعب، ورفع مطالبه إليها، فإذا بها صلة الوصل بين ذاتها وبين الخارج ضدّ لبنان، والشعب دائماً هو المرمى يتلقى الضربات الموجعة، ويبقى جرح الوطن نازفاً، وصراخات الحرمان تتعالى بين بسمة هذا وضحكة ذاك وتصفيق أولئك، ويضيع الحق، بين وصيف وبغا إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها.
تمنياتنا على السياسيين أن يتزيّنوا بلباس الوطنية الحقيقي، ويدافعوا عن لبنان، هذا الوطن الحبيب الغالي جلُّ التضحيات، وليس المتاجرة به إرضاءً للأبواب العالية التي تُسقط للمتسلطين الأوامر. ولولا بعض الاستثناءات لكنّا نقول رحم الله لبنان، لقد قام حكّامه بدفنه وهم يرقصون طرباً حفاظاً على مصداقية تصرفاتهم.
هل هناك أجمل من عيشة هنيئة بين كلّ أبناء لبنان؟ من يقف في وجهنا إذا أردنا ذلك؟ لا أحد يستطيع الوقوف أمام شعب متعطش للحرية والتحرّر من المخالب المعادية! هي أرضنا، سماؤنا، هواؤنا، رزقنا.
فنقول: واأسفاه لما نراه! ونرجو ما نتمناه ونحلم به.
نائب سابق