المفاوضات النووية: الخط الساخن والجنون «الإسرائيلي»

عامر نعيم الياس

اتهم البيت الأبيض «تل أبيب» بتشويه الموقف الأميركي من التفاوض النووي مع إيران. وقال المتحدث بِاسم البيت الأبيض جوش إيرنست إن بعض ما قاله «الإسرائيليون» لم يكن دقيقاً. وأشار إلى أن الرئاسة الأميركية تعي الحاجة إلى عدم التفاوض علناً مع إيران في شأن اتفاق نوويّ. مضيفاً: «إن الولايات المتحدة لن تتمكن من التفاوض علانية، لا سيما عندما نرى أن هناك محاولة مستمرة لالتقاط معلومات محددة وإخراجها من سياقها لتشويه الموقف التفاوضي للولايات المتحدة، لذلك هناك التزام عند المشاركة في هذا النوع من المفاوضات لضمان نجاحها وحسن النية فيها، وهذا يعني إعطاء المفاوضين هامشاً ومساحة للتفاوض». الانتقاد جاء عشية الإعلان عن استئناف المفاوضات بين الجانبين الأميركي والإيراني في جنيف والذي سيلتحق بها وزيرا خارجية البلدين محمد جواد ظريف وجون كيري يوم غدٍ الأحد.

الانتقاد العلني الموجّه للسياسة «الإسرائيلية» في الملف النووي الإيراني ليس الأول من نوعه على صعيد تعويم الخلاف بين الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو حول عدد من الملفات وفي مقدّمها الملف النووي الإيراني. لكنه الأول الذي يقارب هذا الملف علانيةً من زاوية عرقلة العملية التفاوضية والتشويش على السياسة الأميركية، فضلاً عن إظهار حجم الافتراق القائم بين البيت الأبيض و«تل أبيب» حول سياسة أوباما في المنطقة بشكل عام. فالملف النووي الإيراني وفي ظلّ إصرار الإدارة الأميركية على التفاوض حوله باعتباره عنواناً لإعادة صوغ شكل إدارة ملفات أخرى عالقة بين واشنطن وطهران، يقلق «إسرائيل» وحلفاءها من دول الخليج على أكثر من مستوى، ليس أقلّه تلزيم إدارة بعض الملفات إلى إيران باعتراف رسمي أميركي يشابه السيناريو الذي ترسمه «إسرائيل» لإيران في حال الاعتراف الأميركي بها دولةً نووية.

وعند هذه النقطة تحديداً يبرز خلاف أميركي ـ إيراني علني حول فصل الملفات الذي تصر عليه الدولة الإيرانية. لكن أفق تطور المسار التفاوضي المستمر منذ سنين يشي بعدة حقائق تقف وراء الجنون «الإسرائيلي» الذي وصل إلى حدّ المساس بجوهر العلاقات السياسية السيادية التي تربط الجانبين، بعدما حوّل نتنياهو الولايات المتحدة إلى جمهورية موز تستطيع فيها مؤسسة الالتفاف على مؤسسة أخرى والتلطي بالخارج لمحاربتها من أجل تحقيق مكاسب سياسية أو إقرار سياسات من نوع ما. وقد يذكّرنا خطاب نتنياهو المزمع في الكونغرس بزيارات السفراء الأميركيين لبعض المرجعيات في دولنا العربية واستثناء أخرى من برنامج الزيارة. تصرفٌ دفع للمرة الأولى الحزب الديمقراطي الأقرب إلى «إسرائيل» من الجمهوري تاريخياً إلى التهديد بمقاطعة خطاب نتنياهو الذي يبدو مصرّاً على الاستمرار في سياسته إدراكاً منه استحالة وقف التطبيع الأميركي الإيراني والذي يتميّز بالتالي:

ـ الدفاع عن المفاوضات السريّة من جانب المتحدّث بِاسم البيت الأبيض والانتقاد العلني لـ«إسرائيل»، وبقدر ما يعكس حجم الخلاف بين الطرفين. إلا أنه يعكس الضرورة الحيوية والرهان السياسي الأميركي على استمرار التفاوض مع طهران حول النووي وغيره من الملفات الساخنة في المنطقة سرّاً، وفصل هذا المسار عن المسار العلني. هنا قد تحضر فرضية وجود خطٍّ ساخنٍ بين طهران وواشنطن بطلب من الأخيرة لتزيد من جرعة الهيستيريا «الإسرائيلية»، وتفصل أي نتيجة أو سيناريو مرسوم لنهاية التفاوض حول النووي عن التنسيق بين واشنطن وطهران.

ـ النقلة النوعية في شكل العملية التفاوضية الرسمية بين طهران والغرب. فالملف انتقل اليوم من التفاوض مع مجموعة الدول الست الكبرى، إلى التفاوض الثنائي بين إيران والولايات المتحدة تحت عنوان الملف النووي. وهو أمر، وإن يكشف حقيقة التوازنات في المنطقة، إلا أنه بالتوازي يشير إلى رغبة الطرفين المتفاوضين في تضييق هوة الخلاف والدخول في تطبيع سياسي ما أمكن.

ـ تحوّل نتنياهو من مشوّش على العملية التفاوضية مع إيران إلى عاملٍ من عوامل استمراراها. بمعنى التقاط أوباما حماقة نتنياهو من أجل الترويج لخياره التفاوضي واستمراره في قلب النخبة الأميركية التي يتجاوز امتعاضها من نتنياهو حدود الحزب الديمقراطي. وهو ما أكدته صحيفة «هاآرتس» العبرية التي قالت: «إن الأزمة التي نشأت بعد قرار نتنياهو إلقاء خطاب في الكونغرس تحرف الأنظار في واشنطن والقدس عن المسعى الرئيس والمهم فعلاً وهو إنجاز اتفاق يمنع إيران من إنتاج سلاح نووي في المستقبل المنظور… من دون أن يدرك، تحوّل نتنياهو إلى السلاح السري للإيرانيين».

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى