جلسة 11 آذار الرئاسية: رسالة فاتيكانية وموفد أميركي… ولقاء لبري والحريري
كتب المحرر السياسي
فيما كان التفاهم الأميركي – التركي على تدريب وتسليح مجموعات من المعارضة السورية، يشكل فضيحة مدوية في كشف مسرحية الحرب على «داعش»، حيث الحضن التركي الدافئ مصدر القوة الوحيد، وحيث العتب الأميركي كان يوحي بخلاف ضمني على ملف «داعش»، فجاء الاتفاق الذي يعرف العسكريون أنه لن يقدّم ولن يؤخر، وهو يقوم على تدريب ألف وخمسمئة عنصر خلال سنة سيجهز منهم ثلاثمئة خلال ستة شهور، لكنه يكشف الحرص الأميركي على دور تركيا في المنطقة، ومن ضمن الدور رعايتها لـ»داعش»، والبوابة السورية هنا هي رسالة لمن يهمّه الأمر بأنّ الدور التركي على رغم التعامل العلني مع «داعش»، بل ربما بسبب هذه الرعاية، لا يزال يحظى بالمباركة والدعم الأميركيين.
سورية قد لا تكون معنية بالرسالة، وهي أصلاً لا تحتاج تأكيداً على الموقف الأميركي، فهي في حال حرب مع الدور الأميركي، الذي لا يزال يجاهر بالعدوانية ضدّ الدولة السورية في كلّ مناسبة، رغم أنها معنية ميدانياً في كيفية ردع هذا التمادي للمخلب التركي، بعدما أجبر على الظهور علناً في معارك ريف حلب الشمالي، ولا يبدو اتفاق التدريب والتسليح، لاسم سوري وهمي إلا للتغطية على هذا الحضور التركي المباشر في الحرب، وهو حضور كانت تسعى سورية إلى جعله مكشوفاً ليتمّ التعامل معه كما جرى مع الحضور «الإسرائيلي» جنوباً، برسائل الردع المناسبة التي تضمن تسهيل الوجبة الثانية من معارك الشمال أسوة بمعارك الجنوب، وبالتالي إسقاط الحزام الأمني التركي والحزام الأمني «الإسرائيلي».
المعني المباشر بالرسالة الأميركية هو مصر التي وصلتها قبلها رسالتان أميركيتان قاسيتان، بالنسبة إلى حليف تتوقع دعمه، فالرسالة الأولى كانت إحباط المساعي المصرية للحصول على دعم مجلس الأمن الدولي لمواجهة «داعش» في ليبيا، تحت عنوان تحالف خاص بالحرب على الإرهاب في ليبيا، فجاء الردّ الأميركي، لم يحن وقت الخيار العسكري بعد هناك، بخلاف الموقف الروسي الذي بادر إلى الدعم وإبداء الاستعداد لتولي مهمة الحصار البحري على السواحل الليبية، وجاءت الرسالة الأميركية القاسية الثانية إلى مصر بتحديد واشنطن لأولويتها في ليبيا بحلّ سياسي يدمج «الإخوان المسلمين» بالحكم، وهم جماعة تركيا التي لأجل إيصالهم إلى الحكم، كان تحريك تركيا لـ»داعش» لتوجيه الرسائل الدموية إلى مصر.
ثبت للمتابعين، أنّ بعضاً من الرسالة التركية إلى مصر كان يحظى بالرضا الأميركي، لجلب مصر إلى بيت طاعة التحالف الذي تقوده واشنطن وتحدّد أولوياته، ورفضت مصر الانضواء فيه لإصرارها على تصنيف «الإخوان المسلمين»، الذين تقودهم تركيا، على رأس قوائم الإرهاب، واضحة الرسالة إلى مصر لتطويعها، ومنعها من ممارسة سياسة فيها قدر من الاستقلالية، بل إفهامها أنّ مكانة تركيا لا تزال متقدمة على حلفاء واشنطن من العرب.
مصر في قلب التحدّي، ومجلس التعاون الخليجي يتخلى عنها في اللحظة الحرجة، عندما أرادت عزل قطر التي تطاولت بدعم أميركي على مصر وحرمتها من تقديم طلبها باسم المجموعة العربية في الأمم المتحدة.
بالتوازي مع التعالي والجبروت الأميركي تجاه الحليف المصري، نعومة وسلاسة مع قادة شرق أوكرانيا وثوار اليمن، فالنصائح هنا وهناك هي بتسهيل الحلول، وعدم التوقف أمام التفاصيل، لأنّ واشنطن لا تستطيع تقديم دعم يغيّر موازين القوى.
في اليمن وأوكرانيا طريق الحلول مفتوح، وهناك ترسم الخرائط الجديدة، بالصمود والثبات والعزيمة والقرار المستقلّ، وبالتداعي مع الأخبار الطيبة، لبنان تفتح شهيته على الإسراع، وهو يتبلغ بلسان البطريرك بشارة الراعي رسالة فاتيكانية للإسراع وجعل موعد جلسة الحادي عشر من آذار موعداً نهائياً لانتخاب الرئيس العتيد، ومثلها يستقبل موفداً أميركياً مطلع الشهر المقبل لتحريك الحوارات والمشاورات، بينما في الداخل نشاط على كلّ جبهات الحوار، الذي توّج ليلاً بلقاء جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالرئيس سعد الحريري.لم تنسحب برودة الطقس على الحراك السياسي الجاري على صعيد الاستحقاق الرئاسي الذي شهد أمس دفعاً جديداً لإنجازه على رغم عدم بروز معطيات ملموسة على هذا الصعيد.
ومساء، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري، في عين التينة، الرئيس سعد الحريري بحضور وزير المالية علي حسن خليل ومدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري، وجرى عرض للأوضاع من مختلف جوانبها.
دعم فاتيكاني مطلق
من جهة أخرى، أكدت مصادر بكركي لـ»البناء» أن البطريرك الماروني بشارة الراعي عاد من روما محملاً بدعم فاتيكاني مطلق لكي يصار إلى انتخاب رئيس للجمهورية أبعده في الجلسة التي حددها رئيس المجلس النيابي نبيه بري في 11 من الشهر المقبل». وأشارت المصادر إلى أن «الأمور لم تعد تحتمل أكثر من ذلك، والحكومة على رغم ما يحكى باتت على شفير الانفجار الحتمي، ومن الضروري استباق الفراغ بانتخاب الرئيس».
وتحدثت المصادر عن شبه اتفاق حاصل وغير معلن بين الأطراف الإقليمية المعنية بالملف اللبناني على ضرورة ملء المركز الشاغر في رئاسة الجمهورية، نظراً الى أبعاده الاستراتيجية على صعيد الوجود المسيحي المشرقي والانتظام العام في مؤسسات الدولة، لأنّ تلك الدول كما حرصت على الاستقرار والأمن تحرص على إعادة دور العمل المؤسساتي انطلاقاً من انتخاب رئيس للجمهورية مروراً بتأليف حكومة جديدة».
وكان مجلس المطارنة الموارنة الذي اجمع برئاسة الراعي، اعتبر أن انتخاب رئيس الجمهورية «بات أكثر من ضرورة بسبب ما آلت إليه أحوال الوطن والحكم، ولدخول لبنان مرحلة جديدة على صعيد الأزمة الحكومية، هي أشبه بحال الآبار المشققة التي لا ينفع معها أي علاج. وما البحث عن مخارج، بعيداً من انتخاب رئيس، سوى أخذ البلاد إلى مستقبل مجهول على صعيد النظام السياسي، وإلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، فضلاً عن تهديدات الأوضاع الأمنية».
وأوفد البطريرك بشارة الراعي أمس الى بيت الوسط مطران بيروت للموارنة بولس مطر للقاء الحريري.
وبرز أمس اصطفاف جديد على هذا الصعيد يقوده الرئيس ميشال سليمان
سليمان بالتحالف مع رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل ويضمّ نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الوطني سمير مقبل، والوزراء: بطرس حرب، ميشال فرعون، سجعان قزي، أليس شبطيني، عبد المطلب حناوي والوزير السابق خليل الهراوي، الذين اجتمعوا في منزل سليمان وأصدروا بياناً بغياب الجميّل لكن بعد التشاور معه، أكدوا فيه وحدة موقفهم «لناحية عدم الوقوع في فخ التطبيع مع الفراغ والدفع في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية كأولوية مطلقة، لكونه الناظم الأساسي للعمل الدستوري». وأكد المجتمعون «أهمية التواصل مع رئيس الحكومة تمام سلام الذي أبدى في كلّ المحطات، حرصاً دائماً بالقول والممارسة، على ضرورة الإسراع في انتخاب الرئيس».
وكان الرئيس الحريري قارب بدوره الموضوع الرئاسي خلال استقباله مجلس نقابة الصحافة برئاسة النقيب عوني الكعكي الذي نقل عن الأول تأكيده أولوية انتخاب رئيس للجمهورية، معتبراً «أنّ الحوار وحده هو الذي يوصل إلى الحلول المطلوبة». وقال: «علينا أن نقصّر مرحلة الانتظار قدر المستطاع، ونأمل من خلال علاقاتنا مع العماد ميشال عون وحلفائنا، ومن خلال الحوار الذي نجريه مع حزب الله وحركة أمل في عين التينة، فتح باب لانتخاب رئيس».
وأكد الحريري أنّ مجرّد حصول اللقاء مع عون «أمر إيجابي».
وتطرّق إلى موضوع مكافحة الإرهاب، قائلاً: «الإرهاب يكافحه الجيش والقوى الأمنية، لكنّ ذلك لا يكتمل إلا بوجود رئيس جديد للجمهورية. فوجود الرئيس ضروري وأساسي لأنه يستطيع أن يتحدث مع الجميع من دون استثناء، ومن المعيب ألا يتم انتخاب رئيس».
ماذا لو تأخر انتخاب الرئيس؟
وعلى هذا الخط، رأت مصادر مطلعة أكدت لـ»البناء»، «أن الكلام عن أن انتخاب الرئيس هو مدخل للبحث في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب هو مضيعة للوقت». وإذ أشارت إلى «أن حزب الله يشجع على أهمية انجاز الاستحقاق الرئاسي»، سألت «ماذا لو تأخر انتخاب الرئيس»؟ «هل تتوقف المواجهة مع الارهابيين»؟ ولفتت الى «أن الارهاب يطاول الجميع من دون استثناء، ويهدد الصيغة اللبنانية والقوى السياسية والجيش».
واعتبرت المصادر «أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب بدأت عملياً، فالجيش والمقاومة يقومان بمحاربة الإرهاب، والقوى السياسية من فريقي 8 و14 آذار تدعم الجيش في مهمته». ورأت: «أن هذه الاستراتيجية تنتظر فقط ترجمتها ببنود مكتوبة».
وإذ أشارت إلى «أن تيار المستقبل يعتبر أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب تتطلب انسحاب حزب الله من سورية، وحزب الله يؤكد أن مشاركته في سورية هي لحماية لبنان من الإرهابيين»، أكدت المصادر «أن فتح باب الحوار الذي تحدث عنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يهدف إلى البحث في هذا الأمر».
وفي إطار الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل، أكدت مصادر مطلعة لـ»البناء»، «أن التيار يريد البحث في الانتخابات الرئاسية إلى جانب البنود الأخرى المتعلقة بمكافحة الإرهاب والوضع الأمني، وهذا ما أكده الرئيس الحريري في خطابه، في حين أن حزب الله لن يتراجع عما قاله لجهة ترشيحه الجنرال عون للرئاسة». ولفتت المصادر إلى «أن حزب الله أبلغ إلى تيار المستقبل أن البحث في الملف الرئاسي يجب أن يكون مع عون، مع حرص الحزب على إنجاز الاستحقاق الرئاسي اليوم قبل الغد»، وأنه لم يلعب يوماً دور المعطل لهذا الاستحقاق».
وفي السياق، أكدت المصادر «أن التوافق المسيحي – المسيحي على رئيس للجمهورية يبقى الأساس، فالتفاهم يجب ان يبدأ مسيحياً وينتهي وطنياً».
وثيقة الرابية ـ معراب
وعلى هذا الخط، زار أمين سر تكل التغيير والإصلاح النائب ابراهيم كنعان معراب موفداً من عون، حيث التقى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في حضور النائب ستريدا جعجع ورئيس جهاز الإعلام والتواصل ملحم رياشي، واستمر اللقاء لساعتين جرى خلالهما بحث ما تم التوصّل إليه الحوار حتى اليوم، وتطرّق المجتمعون في شكلٍ خاص الى مضمون الوثيقة المشتركة التي تتضمّن 27 بنداً تمّ الاتفاق على أغلبها، ويتمّ إعدادها للصدور، إضافة الى العمل على تذليل العقبات كافّة من أمام التفاهم بين الفريقين».
من ناحية أخرى علمت «البناء»، «أن موفداً أميركياً سيصل إلى لبنان مطلع الشهر المقبل، وستتركز محادثات الموفد الاميركي مع القيادات السياسية والعسكرية على الدعم الدولي للبنان في مكافحة الارهاب، وضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية».
الاعدام لمرتكبي جريمة عين علق
قضائياً، أسدل المجلس العدلي برئاسة القاضي انطوني عيسى الخوري بالإنابة الستار على قضية تفجير حافلة عين علق في 3/2/2007 وأدّت الى مقتل ثلاثة اشخاص وجرح 23 آخرين، بإصدار أحكام على مرتبكيها، فأنزل عقوبة الاعدام بكلّ من شاكر يوسف حسن العبسي ومبارك غازي النعسان ومصطفى ابراهيم سيو الذي كان قد طلب اعلان براءته، وعقوبة الاشغال الشاقة الموقتة لمدة عشرين سنة بالمتهم ياسر محمد الشقيري ولمدة إحدى عشرة سنة بالمتهم كمال فريد نعسان. كما أنزل المجلس عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات بالظنينة عريفة غطاس فارس ولمدة سنة واحدة بالمتهم حسين داوود الزيات.
من جهة أخرى، أنزل المجلس العدلي عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بالمتهم فادي عادل خالد الذي انتسب الى تنظيم «فتح الاسلام» وتولى وظائف قيادية فيه، وأقدم على المشاركة في اقتناء وحيازة مواد متفجرة بقصد تفجيرها في المعارك ضد الجيش اللبناني وترأس إحدى مجموعات التنظيم وأقدم على الاشتراك في القتال ضد الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي عبر اعمال عسكرية ارهابية.
لافروف لليازجي: لا شرق بلا مسيحيين
على صعيد آخر، التقى بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا يازجي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي أكد «أن الشرق الأوسط لا يمكن أن يكون من دون مسيحيين وهم ليسوا غرباء ولا ضيوفاً عليه». ولفت يازجي بدوره الى «أهمية الدور الروسي في الدفع نحو الحوار والحل السياسي السلمي في ما يتعلق بالأزمة السورية وغيرها من الأزمات في كل المنطقة، وفي سبيل الإطلاق الفوري لمطراني حلب يوحنا ابراهيم وبولس يازجي».