في أن نكون أولي بأس وقوة
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
هل نحن أمام تصعيد جديد في المنطقة ككلّ؟ هل نحن أمام تطورات كبيرة في مصر والسعودية كما نشرت ذلك بعض الصحف الأميركية؟ هل نحن أمام وتيرة تفجيرات سريعة تبدأ من ليبيا إلى اليمن مروراً بسورية التي جنّ جنون الأتراك عندما رأوا ريف حلب يتهاوى أمام ضربات الجيش السوري فسارعوا مع حلفائهم الأميركيين الى توقيع اتفاق لتدريب آلاف الإرهابيين التكفيريين. لا شك في أنّ الحلف الأميركي – التركي – الخليجي يتراجع في اليمن التي سيطر الحوثيون على مفاصل الدولة فيه ومعظم النقاط الاستراتيجية. إلى سورية حيث تقدم الجيش السوري في ريف القنيطرة ودرعا حارماً العدو «الإسرائيلي» من إنشاء حزام «لحدي» آخر. إلى العراق الذي بدأت قوات الحشد الشعبي توغلّها السريع في المناطق التي كانت خاضعة لـ«داعش». كل ذلك سيرفع من عقيرة الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها للضغط على محور المقاومة بتخلية سبيل الدواعش وجعلهم مبسوطي اليد أكثر لارتكاب المزيد من الجرائم الوحشية. في الحقيقة، هذا الإرهاب التكفيري الذي يطوق العالم العربي وبلدنا أيضاً يدفع إلى التساؤل عن المصير القاتم الذي أصاب مجتمعاتنا، في عصر يشهد أيضاً تحولات جذرية تقلب المفاهيم السائدة رأساً على عقب، ابتداءً من مفهوم السيادة، إلى الدولة القومية، إلى الجهاد وغير ذلك. وها نحن نرى كيف يسير المجتمع اللبناني على وجه الخصوص في الاتجاهات المعاكسة من دون أن يستوعب حقيقةً ما يجري وما يدور حوله من أحداث جسام. لقد تم رفع شعار «النأي بالنفس» وكأننا نعيش في كوكب آخر. تتشوه البيئة وتسيل الدماء كالأنهر ونخبة من السياسيين لاهون في قضايا عقيمة، ومناقشات سقيمة تدور حول القشور وكأننا نعيش على هامش الأحداث.
لو كانت النخب الحاكمة تدرك خطورة ما يجري لكان المفروض فيهم أن يكونوا أول المرابطين على التخوم بين لبنان وسورية، يدافعون عن حريم بلدهم من تمدد نار الإرهاب وسموم التكفير. لو كانوا حريصين لما سمحوا لظواهر شاذة، في صيدا وطرابلس والبقاع تستغل حماسة الشباب الدينية وتثير غرائزهم، أن تتطور لتُحدث كل هذه الفوضى والاضطراب وتخرّب العلاقات الاجتماعية.
نعم على الدولة أن تحزم أمرها مع بداية الربيع. فنحن أمام استحقاق وطني كبير كما قال سماحة السيد حسن نصر الله لاجتثاث الإرهاب. فعندما يذوب الثلج على الدولة بأجهزتها الأمنية كافة التحرك لضرب التكفيريين في جرود عرسال والقلمون. ومسؤولية القوى السياسية دعم المؤسسة العسكرية لا أن تقف على الحياد أو تمارس عادة التشكيك والتوهين لأنّ أحداً لن يستقر له بال ولا موطن إذا نجح التكفيريون ببسط نفوذهم. لم يعد التساهل مع هؤلاء مقبولاًَ، ولا دفن الرؤوس في الرمال مفيداً، ولا الانحاء أمام العاصفة حلاً. على اللبنانيين أن يواجهوا باقتدار ومسؤولية أو أنّ عليهم أنْ يقبلوا أذلاء أن تتحول بلادهم إلى ساحة للدواعش.
إنّه لا أمل بالشفاء من هذا الوباء التكفيري إن لم نكن في موقع المبادرة والحضور. مصيرنا مرتبط بمصير المنطقة ككل، وإن لم نكن حاضرين في المنطقة لن نكون على أرض اسمها لبنان. هذا ليس قراراً بالهجوم والارتباط بمحاور بل إن مقتضى الحكمة إذا ما أردنا أن نحمي بلدنا هو أن نكون أولي بأس وقوة.
فلننظر إلى ما يحصل في سورية. تركيا والاردن والعدو «الإسرائيلي» تدخلوا في شكل مباشر ويدعمون جماعات بكل الوسائل العسكرية والمالية والاعلامية. وفي ليبيا دول غربية وعربية ومنها مصر مؤخراً باتت في قلب الأحداث هناك.
نحن أمام موجات جديدة من العنف الإرهابي الذي تدعمه أميركا و«إسرائيل»، والتقارير التي تُنشر تؤكد أن الإدراة الأميركية تسعى الى تعميم الفوضى في العالم العربي لسنين طويلة، فهل نقف مكتوفي الأيدي أم نتحرك لنصنع مصيرنا بأيدينا. فالمعادلة التي أسس لها سماحة السيد هي التي تحمي لبنان. ولا يتمسكنّ أحد بشعارات قديمة. المنطقة كلها تتغير والحدود لم يعد لها اعتبار سياسي وسيادي أمام زحف الخرائط الجديدة، فلنحجز لنا مقعداً مع الكبار وإلا على لبنان السلام!