أيها السياسيون: أعلنت كفري
وليد زيتوني
تبلّغوا وبلّغوا من يلزم بأنيّ كافر.
واعلموا، أيها العاملون في السياسة، محلياً وإقليمياً ودولياً، إذا كان الكفر جريمة فأنا مجرم بامتياز، وأنتم كلكم مجرمون وكفَرة. منكم من كفر وأجهر، ومنكم من كفر واستتر، ومنكم من آمن بالكفر سبيلاً.
أيها السياسيون،
تعلّمنا وتعلّمتم، أنّ السياسة فن الوصول إلى الممكن. فامتهنتم الوصول من دون النظر إلى الوسيلة، أخلاقية كانت أو غير شريفة، مستقيمة كانت أو ملتوية، جميلة أو قبيحة. وأنّ الممكن ليس مستحيلاً ولو كان على حساب عرق الآخرين، ودم الآخرين، وحياة الآخرين، وكرامة الآخرين، وحقوق الآخرين. فهل لي أن أعرف، كيف يكون الحق حقاً في معترك الحياة، إذا أصبح واقعاً بجهودكم وأعمالكم في دائرة المستحيل، وخارج الممكن؟
أيها السياسيون،
الكفر ليس شكاً، بل يقين مدموغ بالأحداث والوقائع، وبأنكم سقطتم من عالم الإنسانية، ومن عالم القيم والأخلاق الفردية والجماعية. وأنكم نبذتم المبادئ والمثل العليا واندرجتم جثثاً أشلاء في مقابر التاريخ. فلا حق عندكم إلا حقوقكم الفردية، ولا خير عندكم إلا ما تمتعتم به، ولا جمال عندكم إلا ما تراه أنفسكم الممهورة بالعهر والدناءة.
أيها السياسيون،
كيف لا أكون كافراً؟ والعدل في بلادنا يكيل الحنطة والحطب بمكيال واحد، يرى العدو والصديق بمنظار واحد. عدل يفرّق بين القويّ والضعيف، بين الغنيّ والفقير. عدل يحاسب المقتول وينوّه بالقاتل، يحاكم المسروق ويبرّئ السارق؟
أيها السياسيون،
كيف لا أكون كافراً؟ والبلد صار موشوماً بالاسم الواحد. اسم طغى على اسم البلد نفسه. فالجامعة سُمّيت باسمه، والمطار سُمّي باسمه، والملعب الرياضي والشارع والحديقة العامة والمشفى والمراكز الثقافية والجوامع كلها سُمّيت باسمه وربما غداً نجد كاتدرائيات وكنائس وحوز ومجالس تسمّى على اسمه. باسمه ولأجله تحرّك «العدل العالمي» مُرسياً مؤسسة ستبقى قائمة ما دام في جيب المواطن سنتاً واحداً.
أيها السياسيون،
كيف لا أكون كافراً؟ وأنتم الثلاثة في المئة تنعمون بخيرات البلد وتتقاسمون ثرواته والبقية الباقية تبحث عن رغيف الخبز وعن ليتر من المازوت، عن خيمة ممزقة وشمعة. تنعمون بالطائرات الخاصة واليخوت الفخمة، والبقية تفتش عن ثمن تذاكر الهجرة. تنزلون في الفنادق المميّزة والسيارات الفارهة والبقية تبحث عن آثار سكة قطار أصبح من الذكريات.
أيها السياسيون،
كيف لا أكون كافراً؟ وبعضكم تعاون مع العدو الصهيوني بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. يتعاون مع العدو الأميركي الراعي الرسمي لدولة العدو، والناهب الحقيقي لخيراتنا وثرواتنا وكرامتنا وعزتنا وسيادتنا وحريتنا واستقلالنا. ويتعاون مع «داعش» و»النصرة» و»القاعدة» وكلّ التسميات التي أوجدها هذا الأميركي مع السعودية قبلة الوهابيين ومركع الساعين إلى البترودولار. والبعض الآخر على رؤوسهم الطير.
أيها السياسيون،
كيف لا أكون كافراً؟ أزلامكم، أتباعكم، رجالكم، طوائفكم، مذاهبكم، مللكم، نحلكم، ينقادون على قرع الأجراس وصيحات «يا غيرة الدين» من دون سؤال إلى أين، ومن أين، وكيف؟ من دون السؤال عن مصير الوطن، ومصلحة الوطن، وحتى شكل الوطن!
أيها السياسيون،
انا كافر بكلّ المقاييس، ومجرم بكلّ الدرجات.
كفري ليس ككفركم، وإجرامي ليس كإجرامكم.
ولائي ليس كولائكم، وانتمائي ليس كانتمائكم.
انا لست منكم، وأنتم لستم مني.
أنا الشعب، لا تتكلموا باسم الشعب.
عميد ركن متقاعد