الشباب السوري قرّر أن يعيش سنوات الحرب غير… عيشها غير

رانيا مشوِّح

كعادتهم… لا يقبل السوريون الهزيمة ولا الاستكانة لأيّة ظروف فرضت عليهم، مهما بلغت قسوتها، فسورية غنية بمواردها البشرية أيضاً والشعب المعروف عالمياً بالشعب الفتيّ، هبّ شبابه للوقوف صفاً واحداً في وجه رياح الصعوبات لينالوا منها لا العكس، وقرّر أن يستغل الظروف الراهنة لكن بطريقته الإيجابية المملوءة بالحب والعطاء والحياة. وقرر أن يعيش الشعب السوري سنوات الأزمة بطريقة مختلفة فكانت حملة «عيشها غير»، وكان لـ«البناء» لقاء مع إدارة الحملة لإلقاء الضوء على فكرة الحملة و لتوضيح أهدافها.

يشير القيمون على الحملة، إلى أنّ الفكرة انطلقت أساساً من مبادرات قام بها مواطنون سوريون عاديون، كلّ حسب قدرته وفي محيطه. لكنّ ما ميّزهم هو أنهم قرّروا أن يبادروا ويقوموا بشيء مختلف ليحسنوا ظروف حياتهم، ويطوّروا أدوات عيشهم، رغم الصعاب. فلم تؤثر فيهم تداعيات سنوات الأزمة ولم يجلسوا نادبين فقط، بل أعادوا ترتيب أولوياتهم، وصنعوا شيئاً من اللاشيء.

الحالة الأبرز التي لفتت نظرنا قرأناها في خبر نشر في وسائل الإعلام السورية عن زوجة شهيد ضاقت بها سبل العيش بعد أن فقدت معيل العائلة، على يد المجموعات الإرهابية، فقامت باستدانة ثمن آلة خياطة وبدأت بالعمل لتتمكّن بعد وقت قصير من توسيع مشروعها وتشغيل مجموعة من نساء الشهداء، بالإضافة إلى حالات أخرى بينها مبادرة صاحب معمل استطاع النهوض من بين حطام معمله ليعيد استغلال ما نجا منه بعد تدمير الإرهاب له، وآخرون أطلقوا مشروعاً صغيراً أو ابتكروا فكرة أو مبادرة في المنطقة التي هُجّروا إليها ولم ينتظروا المساعدات.

هؤلاء هم الذين أطلقوا الحملة، وكلّ ما فعلناه نحن هو تلقف مبادراتهم والعمل على تعميمها لتصبح أكثر فعالية وشمولية على مستوى الوطن، وأكثر قدرة على التغيير. فأي تغيير يجب أن يبدأ بخطوة أولى نحو الأمام في شكل مختلف وأسلوب غير اعتيادي، لا يرضخ لمعوقات الواقع.

يتوزع المشاركون في الحملة على عدد من القطاعات العامة والخاصة، وصولاً إلى مؤسسات وورش ومحلات لأفراد وأصحاب مهن وغير ذلك، ويشارك القطاع العام من خلال عدد من الوزارات والمؤسسات التابعة له، بينها وزارات: التجارة الداخلية، النقل، الإعلام، التعليم العالي، التربية، السياحة، الموارد المائية. كما أعلنت مؤسسات مختلفة من حيث الحجم والاختصاص في القطاع الخاص عن انضمامها إلى الحملة، وتوزعت على تصنيفات متعدّدة بينها مؤسسات إعلامية، مطاعم، محلات ألبسة، مستشفيات، ومحلات تكنولوجيا ومفروشات، مؤسسات تجارية وتعليمية، فنادق، مكاتب استشارات قانونية، ومكتبات.

وقد تمّ تصنيف كلّ تلك القطاعات والمؤسسات المشاركة، وفقاً لتوزعها الجغرافي واختصاصاتها، مع تفاصيل التواصل معها والاستفادة من عروضها على موقع الحملة الإلكتروني:

www.livesyria2015.com

الأهداف

يمكن تلخيص أهداف الحملة في شكل مباشر وشفاف، بشقين: شقّ اقتصادي معيشي يشمل شرائح المجتمع السوري ككل، ويهدف إلى ضخّ حالة من الحراك الاقتصادي الإيجابي في البلد، بتوفير عروض ومبادرات يمكن لها أن تحقق الفائدة للجميع، وآخر سلوكي يتعلّق بكلّ فرد فينا نأمل من خلاله بتعميم سلوكيات موجودة على أرض الواقع، تؤمن بالتغيير وعدم الاستسلام للظروف والتحديات، وتغيير أنماط سلوكية أخرى توحي بالسلبية.

أما فيما يتعلق بتحقيق أهداف الحملة، فهذا الأمر لا يمكن تقييمه الآن، وخصوصاً أنّها لا تزال في شهرها الثاني، وعروضها والمبادرات التي تقدّمها مصمّمة أساساً على مقاس عام كامل، مع الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الظروف والعقبات التي رافقت انطلاقتها وأثرت على زخمها في بعض المراحل، وخاصة قرارات الحكومة برفع أسعار عدد من المواد في توقيت فاجأ الجميع، ما دفع البعض إلى التشكيك بجدوى ما قدمته الحملة في جزء من عروضها، وخصوصاً تلك المتعلقة بالقطاع العام، مع الإشارة إلى أنّ تلك العروض أخذت وقتاً وجهداً كبيرين من فريق الحملة في محاولة منه لتحصيل الأفضل والأنسب، حيث لاقت التعاون والتشجيع من البعض، في حين لم تتعاون جهات أخرى بل حاولت أن تعرقل مسار الحملة وتضع العصي في العجلات، وهو ما أثر سلباً على عملها في بعض المراحل، وخصوصاً أنّ الترويج لأي فكرة أو مبادرة من دون ظهور إعلامي عملية صعبة، الأمر الذي تسبب أحياناً بعدم فهم جزء من الناس لمبادىء الحملة وأهدافها أو تفسيرها في شكل خاطىء في أحيان أخرى.

أما بالنسبة إلى كيفية المشاركة في الحملة، فهي مفتوحة أمام الجميع من مؤسسات عامة أو خاصة، شركات، منظمات، أفراد، أصحاب مهن وغيرهم، كما هو واضح من النماذج التي أعلنت انضمامها إلى الحملة منذ انطلاقتها وحتى اليوم. ويمكن لأي جهة أو شخص مراسلتها على بريد الموقع الإلكتروني الخاص بالحملة، أو بريد الصفحة الرسمية لـ «عيشها غير» على فيسبوك، مع إرفاق الاسم والعنوان ورقم الهاتف والعرض المقدَّم.

إنّ المبدأ العام للحملة هو أنها لا تريد تبرعات أو مساعدات مالية من أي جهة أو مؤسسة أو شخص، وعليه لم تحدّد أي شروط مسبقة للانضمام بمعايير معينة تتوافق مع مبدئها العام وبأن تكون العروض شاملة لعام 2015 ككلّ، وتركت الباب مفتوحاً أمام كلّ الراغبين لاختيار العروض التي يرونها مناسبة، كلّ حسب قدرته ووفقاً لإمكانياته و تصوّره. ويؤكد القيمون على الحملة أنّ عامل الزمن في مبادرتهم سيراكم العروض ويوسع الفائدة، يوماً بعد يوم، وهذه الفائدة المطلوبة اليوم ستكون مطلوبة في المستقبل أيضاً.

سورية لا و لن تموت، كلمة قالها السوريون وتوافقوا عليها بكلّ أطيافهم بالدم والروح والشرف والهوية، فمن هذه الأرض انطلقت الحياة وستبقى هي من يوزع الحياة على العالم بأسره. فكلّ شعوب الأرض تعيش في أوطان، إلا السوريون فوطنهم يعيش فيهم. لهذا فهو يستحق أن «نعيشها غير».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى