نقولا حلاّق ومادلين عكّاوي رفيقا عمر ونضال قوميّ فذّ

لبيب ناصيف

توفّت في بوسطن، بعد صراع طويل مع الداء، الرفيقة مادلين عكاوي، التي كان لها حضورها الحزبي النضالي الى جانب زوجها الرفيق الراحل نقولا حلاق.

هذه النبذة عن الرفيق نقولا كنتُ أعددتها منذ فترة لأعممها بعد حين، إلاّ أن وصول نبأ رحيل الرفيقة مادلين جعلني اعجّل في نشرها، مع بعض التعديلات والإضافات.

كانا توأم صداقة ونضال. فما كنت تسأل عن الأول إلا تجده مع الثاني. كلاهما من سورية الجنوبية. منها نزحا، ومعاً وجدا في الحزب قضية تساوي وجودهما. انتميا. ناضلا. توليا مسؤوليات. قاتلا في حوادث العام 1958. شاركا في الثورة الانقلابية. حكم عليهما بالسجن. خرجا بعد أربع سنين، واستمرا في النضال. الأول هو الرفيق نقولا حلاق الذي غادر الى الإمارات العربية فبوسطن متولياً المسؤوليات الحزبية في كل منهما.

والثاني هو الرفيق الياس الشيتي الذي استشهد في جسر الباشا في الأعوام الأولى من الحرب المجنونة. ونتناول سيرته لاحقاً في عداد شهداء الحزب بين عامي 1975 – 1990 .

عرفتُ الرفيق نقولا منذ عام 1959 أصفى الرفقاء وأنقاهم. مناضلاً حقيقياً وقومياً حقيقياً. كما عرفتُ عقيلته الرفيقة مادلين عكاوي وشقيقها الرفيق وليد 1 ، وشقيقته الفاضلة ميليا عقيلة الوطني المشعّ أخلاقاً أنيس عوض، وعرفت أولادهما: السيدة ماري أسعد نصر، المواطنين طوني، والمرحوم جورج، والرفيقين الياس وعصام.

كذلك عرفت شقيقته الفاضلة نيللي، والدة الرفيقين سهيل وسمير حبايب، وسامية عقيلة الأمين ميشال الخوري.

الى العائلة كلّها شدّتني أواصر من المحبة والمودة والثقة والارتياح. وكان طبيعياً ان يكون الرفيق نقولا أحد المجلّين في هذا «التجمع العائلي» ذا حضور ومتمتعاً بمحبتهم وثقتهم وتقديرهم لنضاله الحزبي الذي لم يتوقف.

من الصعب إحصاء المسؤوليات والمهمّات الحزبية الكثيرة التي تولاها أو قام بها الرفيق نقولا، بدءاً من عكا وصولاً الى الحدث المجاورة لبيروت، أو تغطيه كامل سيرته الشخصية، ومسيرته الحزبية النضالية، إذ كان مجلّياً في جميع المسؤوليات التي تولاها وسائر الأمكنة التي تواجد فيها. عُرف عنه صدقه، صراحته، استقامته، إيمانه الفذ بالحزب، وتفانيه.

نسعى في النبذات التي نعممها إلى الإضاءة، بما توافر لنا من معلومات، على الرفقاء والرفيقات الذين كان لهم حضورهم، على أمل أن يكتب غيرنا أيضاً فيضيف ما يُغني هذه النبذات.

– ولد الرفيق نقولا يعقوب حلاق في 23/11/1920 في مدينة عكا سورية الجنوبية ، لكنه عاش طفولته في منطقة طبريا وفيها. حدثاً عمل في المحكمة، ثم في السكة الحديد عندما انتقل الى حيفا، ومنها الى عكا حيث تولى إدارة تعاونية الجيش البريطاني في منطقة الجليل، مستمراً في عمله، حتى اضطر الى مغادرة فلسطين.

والدته: نديمة بردويل.

اقترن بالرفيقة مادلين شمس عكاوي، من مدينة حيفا، بتاريخ 26/07/1946.

عام 1948 التحق بصفوف الحرس الوطني في معركة الدفاع عن فلسطين، وكان فاعلاً في تنظيم بعض الشبان وتسليحهم بما تيسّر لأجل حراسة بعض المنشآت الحيوية، خاصة المائية منها، تحسباً من إقدام العصابات اليهودية على تسميمها.

يروي صهره السيد انيس عوض: « إن الرفيق نقولا كان ممثلاً بارعاً 2 ، بل من أبرع الممثلين في عكا». أدّى مسرحيات للأديب القومي الاجتماعي سعيد تقي الدين، وغيرها من مسرحيات على خشبة مسرح النادي الأرثوذكسي منها للمواطن الصديق أنيس عوض. منذ نشأته كان يتمتع بنفسية ثورية. آزر ثورة عمر المختار في ليبيا. وحرب الحبشة ضد الاستعمار الإيطالي، وعندما بلغ سن المراهقة انضم الى التظاهرات المندلعة ضد الوجود البريطاني في فلسطين.

لدى سقوط عكا، وكان رزق بأبنه البكر، يعقوب، أرسل عائلته الى منطقة جزين في لبنان، مستمراً مع الحرس الوطني في واجب التصدي للعصابات اليهودية رغم أن الإمكانات كانت ضئيلة، أسلحة وغذاء وأدوية.

بسبب تفشي مرض التيفوئيد إثر قيام العصابات بتلويث مياه عكا، وغيرها، التحق بعائلته في جزين، وسرعان ما انتقل الى الحدث التي فيها تعرّف الى القوميين الاجتماعيين، وكانت لهم اليد الطولى في استقبال النازحين من الجنوب السوري ورعايتهم، وبخاصّة الرفقاء داود برباري، عادل الشويري، رجا نصرالله، إميل وبترو الحاج، صموئيل برباري وآخرين.

من الحدث غادر الى حمص، موظفاً في شركة نفط العراق .

عام 1949 وقد هزّه استشهاد سعاده، انتمى الى الحزب في منفذية حمص على يد الأمين الياس جرجي قنيزح، وبحضور الرفيقين مصطفى سليمان 3 وسري الحلبي، ولاحقاً تولى فيها مسؤولية ناظر إذاعة، وفي حمص أيضاً تولّت الرفيقة مادلين مسؤولية مديرة مديرية السيدات.

إثر اغتيال العقيد عدنان المالكي، انتقل سيراً على الأقدام الى الحدود اللبنانية وكان في استقباله الرفيق مشهور دندش ورفقاء آخرون. تروي الرفيقة مادلين في رسالة لها بتاريخ 25/10/2000:

«في اليوم التالي من وصول الرفيق نقولا الى لبنان، توجهت الى الأمن العام في حمص لأحصل على تصريح للسفر مع أولادي. دخلت الى مكتب مدير الأمن العام الرفيق محمد شمنق 4 . أخذ اوراقي فوراً أغلق باب المكتب علي وذهب لينهي المعاملة. وإذ عاد وسلمني الأوراق، طلب إليّ أن اتوجه فوراً الى الكاراج، فاستقلُ سيارة تاكسي وأذهب فوراً الى بيروت. قال لي ألا ألتفت الى الوراء «فسأمشي وراءك كي أؤمن لكِ اجتياز الحدود».

استقر الرفيق نقولا وعائلته في بلدة الحدث – بيروت، متولياً مسؤولية مدير مديريتها.

مطلع الخمسينات عين منفذاً عاماً لمنفذية الساحل الجنوبي.

بعد حلّ المنفذية وإلحاقها بمنفذية الغرب، تولى مسؤولية ناظر الإذاعة فيها، فمنفذاً عاماً 5 .

شارك في الثورة الانقلابية وصدر عليه الحكم لمدة اربع سنين.

بعد خروجه من السجن، اضطر إلى البقاء في لبنان بسبب حجب جواز السفر عنه، حتى عام 1968 فغادر الى أبو ظبي، مديراً في شركة ألبير أبيلا، ومتولياً مسؤولية مدير مديرية الحزب لمدة سبع سنوات، ثم استقال من شركة أبيلا لينشئ معمل أجبان وألبان في الشارقة.

عام 1980 غادر الى الولايات المتحدة بطلب من الحزب، فتابع نشاطه الحزبي متولياً مسؤولية ناموس منفذية الشرق الأميركي، الى جانب المنفذ العام الرفيق صفا رفقه.

منحه الحزب وسام الواجب بتاريخ 16 كانون اول 1989.

لمحة من نضال عنيد

تروي الرفيقة مادلين في رسالتها المشار إليها آنفاً، أنها، بعدما توارى الرفيق نقولا في أحد البيوت عقب الثورة الإنقلابية «بقيتُ مع أطفالي الثلاثة يعقوب، جورج وهنيبعل وجدّتهم العجوز، نتعرّض لتصرفات بشعة من عناصر من الجيش التي كانت لا تتوقف عن الحضور الى منزلنا في أي ساعة من النهار أو الليل، فيفتشون البيت من الداخل الى الخارج، والجنينة وقفص الدجاج، وينبشون الارض. وفي كل مرة كانوا يقودونني الى السجن للاستجواب فأقضي عدّة أيام قبل أن يفرجوا عني لأعود الى أطفالي. عندما علم الرفيق نقولا بما يحصل لنا، رفض أن يبقى متوارياً، فسلّم نفسه.

« لم نعد نراه إلا بعد ان بدأت جلسات المحاكمة بعد أربعة أشهر. كان لا يزال يعرج من شدّة ما تعرّض له من جلد».

تضيف: «طوّق عدد كبير من أفراد الجيش بيتي، ليسوقوني الى سجن بعبدا. لم يأخذوني بسيارة بل سيراً على الأقدام، وعندما وصلنا الى ساحة البلدة، وجدت رفيقاتي 6 ورفقائي ينتظرون، فساقونا سيراً على الأقدام أيضاً من ساحة الحدث الى سجن بعبدا «بهدف إذلالنا». إلا أننا كنا طوال الطريق ننشد ونهتف «لأبناء الحياة «، والناس من حولنا، في ذهول» .

عن زياراتها للرفيق نقولا في السجن تروي أنّها كان عليها كل مرة أن تتوّجه الى وزارة الدفاع للحصول على تصريح للزيارة :»كنت أجرّ أطفالي ورائي».

عندما اتصلت بها منفذية الغرب لتقديم المساعدة المالية لها، اعتذرت قائلة: «هناك عائلات محتاجة أكثر مني». فهي، الى رسم اللوحات الفنية، راحت ترسم لوحات من تراثنا، إضافة الى أشغال يدوية وحرفية أخرى، وكان الرفقاء والأصدقاء يشترون من أعمالها، ويساعدون في بيعها.

حكت لنا إحدى المواطنات، جارتنا حالياً في السكن، وكان منزل عائلتها مجاوراً لمنزل الرفيق نقولا حلاق في الحدث، كم قاست الرفيقة مادلين إلاّ أنها تمكنت بفضل شخصيتها وفولاذية إيمانها بالحزب ان تواجه تلك المرحلة الصعبة جداً. قالت: «رحنا نشتري من لوحاتها وأعمالها الجميلة، ونساهم في بيعها. كان بيتها بيتاً لنا. كنتُ أرافقها الى السجن لزيارة «عمو نقولا « الذي أحببته مذ التقيته، وتسلّمت منه قطعة من الشوكولا. كم كانت شخصيته آسرة. محب، وحديثه ممتع».

أفادنا الرفيق ايلي ستيليو 7 أنه فيما كان يسير الى جانب الرفيق نقولا حلاق في ثكنة هنري شهاب، لدى اعتقالهما إثر الثورة الانقلابية، راح ينشد والقيد الحديدي يشدّ ساعده الى ساعد الرفيق نقولا.

جندي يقترب وينهال عليهما بالسوط. الرفيق نقولا يهز الرفيق ستيليو صارخاً: كفّي… كفّي… والسياط تنهال.

تحت هذا العنوان قالت مجلة «البناء-صباح الخير» في عددها بتاريخ 03/03/1990:

« أقام السوريون القوميون الاجتماعيون في بوسطن مأدبة غداء تكريماً للرفيق نقولا حلاق بمناسبة منحه «وسام الواجب»، نتيجة عمله الحزبي الذي استمر وما زال على مدى أربعين عاماً.

حضر المأدبة في فندق «الهوليداي إن» حوالي مائة شخص في جو قومي اجتماعي هاديء وجميل، وقد افتتح اللقاء الرفيق جهاد برباري بنشيد الحزب الرسمي، ثم قدم الرفيق جورج جريج، الرفيق الدكتور صفا رفقه الذي تناول في كلمته الوضع الحاضر للأمة مركّزاً على جملة من المفاصل الهامة في تاريخها، كما تكلم عن الرفيق المكرّم عارضاً لسيرته الشخصية والحزبية المتميّزة بالنضال المستمر».

اما السيدة فريـال لم تورد المجلة اسمها الكامل فقدمت عرضاً مصوّراً لما حققه الرفيق نقولا حلاق بدءاً من ولادته وطفولته في مدينة عكا فلسطين المحتلة، مروراً بالتحاقه بصفوف الحرس الوطني عام 1948 للدفاع عن فلسطين، وكيف اهتز وجدانه عام 1949 إثر جريمة اغتيال الزعيم حيث انتمى الى الحزب السوري القومي الاجتماعي. وحتى الساعة لا تزال الجذوة النضالية تتقد في عقله ووجدانه.

تقليد مادلين وسام الواجب

كانت الرفيقة مادلين عكاوي حلاق قد منحت وسام الواجب بتاريخ 05/03/1999، بموجب مرسوم رئاسة الحزب رقم 94/67، وأقيم لها حفل تكريم مناسب في بوسطن، تقلّدت فيه الوسام كما يبدو في الصورة اعلاه.

وفاته

وافت المنية الرفيق نقولا حلاق يوم الخميس 17/05/1990 بعد معاناة مع داء السرطان، فأقيم له يوم السبت 19 أيار مأتم مهيب شارك فيه رفقاؤه القوميون الاجتماعيون من مختلف مناطق الشرق الأميركي، الى العدد الوفير من الأصدقاء، وممثلين عن بعض الأندية السورية في الولايات المتحدة.

يقول الرفيق سهام عكر في تقريره الى مجلة «البناء ـ صباح الخير» بتاريخ 23/05/1990:

« الساعة الحادية عشر ظهراً، وقف الرفقاء والرفيقات صفوفاً نظامية على جانبي الطريق وهم يؤدون التحية الحزبية فيما كانت الرفيقة مادلين تتقدم مع أولادها الى أمام النعش. بعدها تقدم الكاهن وأقام مراسم الدفن.

في تلك اللحظة اُخذت التحية مرة ثانية بينما كان رئيس النادي السوري في بوسطن الرفيق جورج جريج يتقدم من النعش ويضع عليه علم النهضة المصنوع من القرنفل الأحمر.

بعد الدفن توجه الجميع الى قاعة كنيسة مار جرجس السورية حيث تكلّم كل من رئيس النادي الرفيق جورج جريج، والرفيق نبيه عوده.

عندما بلغني نبأ رحيل الرفيقة مادلين، التي عرفتها منذ ستينات القرن الماضي وواكبت نضالها وحضورها الحزبيين، وكنت أكنّ لها، كما للرفيق نقولا حلاق الكثير من المودة والارتياح، وجهت الى ابنها الرفيق جورج رسالة التعزية الآتية:

« الحبيب جورج

كنت أتابع وضع الرفيقة الرائعة مادلين كلما التقيت بالرفيق الياس عوض، ومراراً تحدثت عن سيرتها النضالية مع الرفيق سامي سعد عندما كان يزور لبنان صيفاً فألتقيه.

إني أقف الى جانبكم حزناً على رحيلها، وقد عرفتها متألقة في السنوات التي تلت الثورة الانقلابية، وكانت تشدني إليها، والى الرفيق نقولا حلاق، والى شقيقها الرفيق وليد عكاوي الكثير من أواصر المحبة.

آمل أن تنقل الى كل العائلة الحبيبة والى كل رفقائنا الذين عرفوا جيداً الرفيقة مادلين، تعازيّ وحزني،

والبقاء للأمة «

هوامش:

1 – عرفته منذ ستينات القرن الماضي، كان موظفاً مرموقاً في البنك البريطاني، تولى مسؤوليتي ناظر مالية وخازن في منفذية بيروت.

2 – يفيد ابن شقيقته الرفيق الياس عوض أن الرفيق نقولا قام بدور البطولة في فيلم «في بيتنا رجل»، من إخراج وتصوير الرفيق يوسف فهدي دمشق .

3 – منح رتبة الأمانة وتولى مسؤوليات عديدة. برز حزبياً كقائد لفرقة الزوبعة عام 1948. توفى منذ أشهر. للاطلاع على النبذة المعمّمة عنه الدخول الى أرشيف تاريخ الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

4 – من الرفقاء المناضلين، مثل شقيقه الرفيق أحمد وشقيقتيه حرية وسميحة. للاطلاع على المعلومات عنهم الدخول الى أرشيف تاريخ الحزب على الموقع المذكور آنفاً. وبخاصة في النبذة عن الأمير أمين إرسلان.

5 – يوضح رئيس المجلس الأعلى الأمين محمود عبد الخالق وكان مديراً لمديرية مجدلبعنا في حينه، أن الرفيق الياس الشيتي كان يتولى مسؤولية ناموس المنفذية والرفيق فايز ملاعب نظارة التدريب.

6 – لا يسعني إلا أن أستعيد في ذاكرتي نشاط الرفيقة انجول برباري، شقيقة الأب إيليا برباري، وكم كانت الى جانب الرفيقة مادلين في تلك الأيام الصعبة، ومثيلتها في الجبروت..

7 – ناشط في منفذية سدني، تولى فيها مسؤوليات حزبية، خاصة في نظارة التدريب. من منطقة الأشرفية بيروت.

رئيس لجنة تاريخ الحزب

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى