«داعش» الاستخبارية والمسيحيون مجدّداً
روزانا رمّال
تعمل الكيانات المتطرفة والطارئة على منطقة الشرق الأوسط جاهدة لاستغلال ما يجري فيها من إحداث وفوضى تساهم فيها بشكل رئيسي لتبرّر وجودها وتشرعن تمسكها بالأرض التي سيطرت عليها كحق يكرّسها دولة طبيعية من نسيج المنطقة او بدل كيان دخيل يساعدها في هذا مجموعات ارهابية ناشئة او طارئة ايضاً «صمّمت» لتعمل على نفس الهدف كغاية لتبرير الوسيلة والمقصود طبعاً كيان «إسرائيل».
قد لا يكون اكثر نجاحاً لبعض أجهزة الاستخبارات سوى مدخلاً لشرعنة الكيان «الاسرائيلي» القائم على إعلان القدس عاصمة يهودية و»إسرائيل» دولة اليهود في العالم عن طريق حرب دامية تنشأ بين المسلمين بكافة طوائفهم، فالأمر لم يعد يتوقف عند سنة وشيعة، وهذا ليس مهماً بالنسبة إلى الصهيونية العالمية سوى بما فرضته معادلة العدد أو الاكثرية التي كرّست السنة والشيعة الطائفتين الأكثر عدداً من سكان العالم العربي، فالهدف فوضى تؤدّي الى تقسيم وإقامة دول ذو وجه طائفي واحد، وبالتالي بدل ان تصبح «إسرائيل» فريدة من نوعها ككيان عنصري يقوم على اساس دولة يهود، يصبح هناك من يشاركها أيضاً نفس الايديولوجيا فتشعر بالأمان وسط نفوذها المتفوّق عليهم بطبيعة الحال فتتفرد بحكم المنطقة.
لم يعد استهداف المسيحيين في المنطقة صدفة بعد اليوم او ضرورات معارك عسكرية تندلع بين نظام وجماعات إرهابية فتفرز المعارك أسرى من هنا او هناك.
إصرار تنظيم «داعش» على دخول البلدات المسيحية في العراق وسورية وخطف مطارنة او التخطيط عن سابق تصور وتخطيط ودقة لاختطاف مسيحيين كما تقول الحالة مع أقباط مصر المذبوحين في ليبيا وتوالي الأحداث المشابهة المتسارعة التي تستهدفهم تؤكد انّ في الأفق مخططاً قيد التنفيذ نحو المسيحيين في المنطقة، وتؤكد أنهم في خطر حقيقي من دون اللجوء الى شعارات قد تؤذيهم أكثر من الفائدة.
اختطف تنظيم «داعش» حسب وكالة «رويترز» 90 أشورياً في الحسكة بعد الهجوم على بلداتها، وأفيد عن حرق أقدم كنائس سورية، كنيسة تل هرمز التاريخية.
لم يتسنّ للعالم العربي بعد نسيان ما حدث للأقباط المصريين حتى يُعتدى على الأشوريين في وقت قريب، والواضح من خلال هذا أنّ الهدف هو التأكيد لمن ساوره الشك انّ المسيحيين مستهدفون، وانه قرار استخباري اكبر من مجموعة «داعش» والتي إنْ استفادت من هذا فهو في إبقائها حاضرة إعلامياً ومؤثرة غربياً فتستفيد من هذا تكريس لقدراتها وقوتها المبنية على الترهيب، الا ان المشهد أكبر بكثير من «داعش»، فهو ليس سوى أمر عمليات استخباري كبير يعمل لصالح تهجير المسيحيين في الشرق الاوسط لتسهيل مرور مشاريع التقسيم التي تسهل على كلّ من يطالب بدولة مستقلة الحصول عليها.
بالنسبة إلى أجهزة الاستخبارات التي تخدم الصهيونية يعتبر المسيحيون عائقاً كبيراً ودقيقاً أمام سير هذا المشروع الفتنوي الكبير بين أهل المنطقة من سنة وشيعة، لأنّ الصهيونية الدولية تدرك مدى التعاطف الغربي الذي ما يزال يحصده المسيحي في المنطقة، والذي يشكل حرجاً كبيراً بالنسبة إلى الفاتيكان، كونه لن تقف دون معارضة المشروع بطبيعة الحال، ولا يمكن ان يسمح بالعودة إلى أصول الديانة المسيحية بإخلاء المنطقة التي ولد فيها السيد المسيح من المسيحيين.
يعرف المجتمع الدولي جيداً وشعوب المنطقة ما هي السيناريوات التي قد تحلّ بالأشوريين الذين خطفوا في سورية، و لم يعد سراً أنه بات ممكناً التوقع في أيّ لحظة أخبار الذبح والقتل والحرق طالما انّ أحداً لم يتحرك من الدول القادرة على كبح جماح «داعش» الاستخبارية التي تساهم في تضخيم «داعش» إعلامياً اولاً ومن خلال مسرحية الوقوف عاجزين تجاهها ثانياً.
المسيحيون مجدّداً… وحلقة أخرى من تمثيلية «داعش» الاستخبارية العنصرية.
«توب نيوز»