التخويف من العرب عصب الثقافة في «إسرائيل» «اليسار» أكثر عنصرية من «اليمين»
أحمد أشقر
1- لا يختلف اثنان من أي مَشْرَبَيْن مختلفين، على أنّ السياسة هي علم إدارة شؤون الدولة. وأنّ هذا العلم ليس عقلانياً بالكامل، بل تكون العواطف مكوّناً هاماً فيه. مثلاً: حبّ الوطن والأمة والشعب ليسا عقلانيين بالكامل. وكراهية الآخرين من الدول والأمم والشعوب الأخرى، ليست عقلانية، هي الأخرى، بالكامل. وإن تحدثنا عن حبّ وكراهية… فحتماً سنتحدث عن الخوف والمخاوف من الآخرين على الوطن والأمة والشعب، التي تسهم بتشكيل هذا الحبّ وهذه الكراهية. فالخوف ينبع من المخاطر التي يشكلها الآخرون على الذات الفردية والدولة والمجتمع. فالإحساس بالخوف ينبع «من تهديد أو خطر يواجهه الفرد» ص 7 . أي أنّ الخوف يشكل صمغاً يسهم في تشكيل وعي الأفراد والمجتمعات.
2- وللخوف دور هام في الصراعات الدولية والقومية، إذ يطيلها ويجعل من حلّها غاية في الصعوبة. فهو: «أ- يدخل الأفراد في حالة من الجاهزية الدائمة للمخاطر المحتملة، وعندما يداهم الخطر، تكون المفاجأة أقلّ ويمكن الردّ عليه بسرعة أكثر. ب – يركز الانتباه على المخاطر المحتملة. ج – يساعد على الوحدة والتضامن أمام الخطر الخارجي. د – يدفع الأفراد للعمل ضدّ العدو باسم المجتمع وحمايته» ص 35- 36 . أي أنه يشكل جهاز إنذار. وكلما طال أمد الصراعات الدولية والقومية، فإنّ «باستطاعة الخوف أن يشرعن السياسة الحالية. فالإحساس بالتهديد والخطر يسبّب ردّ فعل عنيفاً…، هذا الردّ من شأنه أن يصبح عقلانياً. فالردّ العنيف الذي يميّز صراعاً طويلاً بين الدول، يُشرعن كردّ من أجل الدفاع، وتصعّد من الكراهية والعداء ضدّ الطرف الذي يعتبر مسؤولاً عن التهديد» ص 38 . أيّ أنّ الخوف يجعل من العنف ظاهرة عقلانية ومقبولة ضدّ الآخرين.
3- الخوف لا يعيق فقط حلّ الصراعات الدولية، بل من شأنه يسهم في حلّها أيضًا فـ»عندما يعتقد متخذو القرارات، أن ليس في إمكانهم التعامل مع كارثة محدقة، يقللون من أهميتها، ولا يعتبرونها مخيفة، ولا يحدث تغيّر جذريّ في سياستهم. وعندما يعتقدون أنّ بين أياديهم أدوات للتعامل مع الخطر المحدق، فإنّ مستويات عالية من الخوف تدفع بمتخذي القرارات أن يستوعبوا التهديد بشكل دقيق، ويغيّروا سياستهم وفقاً لذلك» ص 39 . أي أنه يشكلّ محفزاً لحلّ الصراعات الدولية والقومية.
4- أصبح «الخوف من الإبادة جزءاً من الأسطورة واللاوعي الجمعي لليهود. فالذاكرة الجمعية للخوف تُشكّل وجهة النظر الحالية، بواسطتها يتمّ استيعاب وتقدير الأمور ويحكم المجتمع الإسرائيلي على الأحداث من حولها» ص 41 . أي أنّ الخوف أصبح مركباً ماهويًا من الثقافة اليهودية، ليس في فلسطين، بل في العالم كافة.
هذه الأمور مجتمعة يعرفها دهاقنة الكيان بدقة. لذا يعملون دائماً وبصورة مكثفة على تخويف مستعمريه: مرة من الشيوعية، ومرة من م. ت. ف، ومرة من الإسلام السياسي… ومرة من إيران، التي يعتبرها نتنياهو الأخطر على «إسرائيل». والتخويف يدخل في تفاصيل حياتهم اليومية في فلسطين من البائعة البائسة في أيّ مجمع تجاري، التي تُمنع من الجلوس على كرسيّ أثناء عملها، إلى سائق الباص، الذي يُجبر على ساعات سياقة أكثر مما هو مسموح به قانونيًا، مروراً بموظفي المؤسسات المختلفة، الذين يتلقون أجوراً لا تسدّ احتياجاتهم، فهؤلاء يرفضون تقديم الخدمات المفروضة عليهم، لامرأة محجبة أو لرجل يتحدث العبرية بلكنة عربية لأنهم «يخافون منهم»، كما يصرّحون عندما تصلّ الأمور إلى العلانية في وسائل الإعلام، إلى أكبر شخصية بينهم، فالجنائي- الفاشي ليبرمان يخوِّف العالم من إيران بقوله إنّ امتلاك إيران سلاحاً نووياً يهدّد أمن العالم. ليس هذا فقط بل أنّ إحدى الشركات التي تحضّر الطلبة لامتحان «البسيخومتري»، الامتحان الموحد للقبول للجامعات، تورد في إعلانها الأتي: حرب مع إيران، بسيخومتري! فالسياسة والثقافة «الإسرائيلية» مليئة برسائل ورموز الخوف نتيجة للصراع ص 41- 46 . فهذه الرسائل والرموز باتت مُمَأسسة من عمل وإنتاج الدولة، وثقافتها الرسمية.
البحث الذي بين أيدينا يأتي لفحص استخدام الخوف في إطار النقاش السياسي في «إسرائيل» بما يخصّ حلّ الصراع العربي- الصهيوني في السنوات 2003 – 2004، أي بعد انتفاضة الأقصى عام 2000 وتداعياتها على المجتمع والسياسة في الكيان «فقد أشارت استطلاعات الرأي التي جرت في السنوات الأربع الأخيرة من أيلول 2000 إلى أنّ الخوف الفردي والجمعي في المجتمع الإسرائيلي- اليهودي يتفاقم بسرعة» ص 46 . فالباحث يأخذ بردود الفعل الفلسطينية العنيفة، ويغيّب ممارسات الكيان ضدّنا. وكي يعطي شرعية لموضوع بحث الخوف في السياسة «الإسرائيلية» فإنه يعود إلى مقولة خشبية تلازم الخطاب والنفسية اليهودية في فلسطين. فيقول: «قبل قيام الدولة الاحتلال عام 1948، تميّزت حياة اليهود في دول العالم وبأرض إسرائيل فلسطين بخطر لم يتوقف من البيئة الاجتماعية، التي كانت ولفترات قريبة معادية لهم» ص 1 . ولا يذكر إطلاقًا أنّ مشروعهم في فلسطين والوطن العربي، هو مشروع استعمار، وكلّ ما قام به العرب ليس أكثر من ردّ فعل عاجز.
بطبيعة الحال، يستخدم الباحث الخطاب «الإسرائيلي» الرسمي في بحثه. ويبرز ذلك جليًا في اختياره عينات بحثه. وهي ثلاثة برامج سياسية للتعامل مع الصراع ومستجداته 2003 – 2004 : خطة اليمين للحفاظ على المستعمرات في الأراضي المحتلة عام 1967، وخطة المركز الأحادية، وخطة اليسار للحلّ الشامل. ويقوم بحثه على سؤالين مركزيين: وزن رسائل التخويف ومضامينها ص 106 .
يقوم الباحث بتحليل الوثائق التي أصدرتها تلك المجموعات، وكذلك مقابلات معمّقة مع رموزها وتحليلها أيضًا. فبحثه يشتمل على العديد من الجداول والأرقام التي توصّل إليها. لكننا هنا، لن نذكرها بالكامل، بل نجملها:
استنتج الباحث أنّ «اليمين» استخدم التخويف الأمني بمعدل 90 . والتخويف من فقدان أراضٍ ومناطق مختلفة الانسحاب بمعدل 59 . ومن نتائج مفاوضات غير مرغوبة بمعدل 29 . ومن تدهور المستوى المعيشي بمعدل 27 ونفس النسبة بما يخصّ التخويف من تدهور مكانة «إسرائيل» الدولية ص 109 – 114 .
واستنتج أنّ «المركز» قد استخدم التخويف الأمني ومن نتائج مفاوضات غير مرغوب فيها بمعدل 52 . والتخويف من تدهور مكانة «إسرائيل» الدولية بمعدل 36 . ومن فقدان أراضٍ ومناطق مختلفة بمعدل 28 . والتخويف من التدهور المعيشي بمعدل أقلّ من 20 ص 114 – 118 .
أما «اليسار» فقد استخدم التخويف الأمني بمعدل 84 . والديموغرافي بمعدل 70 . ومن زعزعة ديمقراطية وأخلاق «إسرائيل» بمعدل 32 . ومن انخفاض المستوى المعيشي بمعدل 30 . ومن نتائج غير مرغوبة نتيجة لمفاوضات في 27 في وثائقه ص 118 – 123 .
للأسف لا يقوم الباحث بتحليل النتائج التي توصل إليها، بل يبقيها كنتائج – معطيات فقط. فعدم إعطاء فرصة التحليل لمقدّمي رسائل الماجستير، يعتبر سياسة تنتهجها الجامعات والمؤسسات الأكاديمية كافة، في جميع أرجاء العالم. فالهدف عدم تدريب وإعطاء شرعية التفكير النقدي للباحثين الشباب، بل تدريبهم على جمع المعلومات وتصنيفها، والإبقاء على عملية التحليل النقدي في أيدي الأساتذة والمشرفين، الذين يعملون في خدمة المؤسسة الرسمية ويعيدون إنتاجها. أما ما يخصّ الدراسات العربية والإسلامية، فإنّ الجامعات والمعاهد «الإسرائيلية» والأجنبية أيضًا تسمح حتى للبوابين والأذنة بالتحليل والشطط!! وبما أنّ الباحث لا يقوم بهذا، فنحن سنقوم به
يشترك «اليمين» و»اليسار» في عملية التخويف الأمني: 90 و84 على التوالي. فالأمر المثير هو بما يتعلق بـ»اليسار» فإنه يستخدم التخويف الأمني لأنّ كل من قادته هم من أصول عسكرية ضباط جيش سابقين ، وجلّ نشاطهم قبل الدخول إلى مسرح الحياة السياسية كان عسكرياً: امتهان قتل العرب. أما «اليمين» فإنه يدرك أنّ استمرار الاستعمار بحاجة إلى القوة. وإن لم يستخدم «المركز» التخويف الأمني بنفس النسبة ونفس القدر، ليس لأنه لا يخاف على الدولة والناس فيها، بل لأنه كان مشغولاً بالإعداد لعملية الانفصال الأحادي الجانب عن قضاء غزة.
يحتلّ «اليمين» صدارة التخويف من فقدان أراضٍ ومناطق مختلفة، لأنه يعتقد أنّ مشروعه الاستعماري على الأرض لم يكتمل بعد. ففلسطين الانتدابية كلها بالنسبة له «أرض إسرائيل»، وبعض أطرافه تعتبر شرق الأردن جزءاً منها. أما «المركز» فيقلل من هذه الخطورة 28 ، لأنه يعتقد أنّ المفاوضات ستحتم على «إسرائيل» الانسحاب من بعض الأراضي والمناطق. أما «اليسار» ففقدان أراضٍ ليس هاجساً عنده، لأنه يريد الانسحاب من أراض ومناطق وفقاً لشروط واتفاقيات، تحوّلها إلى معازل وغيتوات.
يشترك «اليمين» و»المركز» و»اليسار» في التخويف من نتائج مفاوضات غير مرغوب بها، وتدهور مكانة «إسرائيل» الدولية وانخفاض مستوى المعيشة في حدود معدل الثُلث تقريبا ، لأنّ هذه الأمور لا تخيفهم كثيراً، ولا تقلقهم بما فيه الكفاية. فهي تبقى في أدنى درجات التخويف.
ينفرد «اليسار» عن «اليمين» و»المركز» في التخويف من الخطر الديموغرافي 70 وزعزعة ديمقراطية وأخلاق «إسرائيل» 32 . وذلك لأنه ينتمي في الأساس إلى المجموعات الأوروبية – الأشكنازية الغنية، التي لا تريد «جيران» لها من غير اليهود، والأفضل اليهود الأشكناز على اليهود الشرقيين، الذين هم من أصول عربية، فما بالكم بجيران عرب! أيّ أنّ فكرة إقامة كيان سياسي للعرب في فلسطين، لا ينبع من حقهم التاريخي فيها، بل من منطلقات عنصرية، فهم لا يريدون جيران عرب بالمرّة. وكان أحد كهنة «اليسار»، «عاموس عوز» قد طالب بإعادة عرب بلاد الشام إلى موطنهم الأصلي في شبه جزيرة العرب. وأما تخوّفهم على الديمقراطية والأخلاق، فقط كي يشعروا أنهم جزء من أميركا وأوروبا «الديمقراطيتين والأخلاقيتين»، ليس إلا. وفي هذا المقام يجب أن نذكر أنّ أبو فكرة الخطر الديموغرافي هو «شمعون بيرس» المحسوب على «اليسار». وصاحب فكرة جدار الفصل العنصري هو «حاييم رامون» عندما كان من أبرز «حمائم» حزب العمل. وعلينا أن نذكر أيضًا أن «رامون» عندما كان في مقتبل شبابه تردّد على اجتماعات وندوات «ماتسبين/ الأممية الرابعة»!! وأنّ صاحب فكرة ومشروع «تجليت» الذي يستجلب شباباً يهود من كلّ العالم للتجوّل في فلسطين والاستعمار فيها، هو «يوسي بيلين»، أحد قادة «اليسار» الصهيوني قبل أن ينسحب من السياسة إلى التنسيق الاقتصادي بين الشركات «الإسرائيلية» والشركات الأجنبية والعربية تحديداً، وفق ما أكد في مقابلة إذاعية مع «الشبكة الثانية» قبل منتصف الليل بدقائق يوم الجمعة، 10 تموز 2009!! أي أنّ «اليسار» يحرص على جمع النقائض: نقاوة العرق والديمقراطية والأخلاق.
وبعد هذه هي رسالة البحث وهذه نتائجها. وفي الخاتمة علينا التأكيد أن البحث هو «إسرائيلي» بالكامل. فالباحث يبقي على استخدام «الخوف»، كمصدر فقط، بحيادية تثير الشكّ. ولم يستخدم فعل التخويف أو مشتقاته بتاتًا. بالطبع بإمكان الباحثين والساسة العرب الاستفادة منه إن شاؤوا. والبحث متعوب عليه جداً إضافة إلى لمقابلات التي أجراها مع المعنيين، فإنه يستخدم في حدود الـ 200 مصدراً باللغات العبرية والإنجليزية والألمانية.
بقي أن نذكر أنّ صاحب استراتيجية التخويف في الحياة السياسية والعامة في الكيان هو «بن غوريون» ويرثه حالياً «نتنياهو» الذي يعتمد التخويف استراتيجية في التعامل مع الصراع العربي- الصهيوني والمشاكل والقضايا التي تواجه الكيان. وكان حزب «الليكود» الذي يقوده «نتنياهو» قد استخدم «داعش» في الحملة الانتخابية الحاليّة في سياق دعاية انتخابية ضدّ منافسه «المعسكر الصهيوني» أشار فيها إلى أنّ المعسكر المذكور مثله مثل «داعش» لأنه سيقسّم القدس. كتبت البروفيسورة المختصة في علم النفس الاجتماعي «إيفا إيلوز» في مقال نشرته في صحيفة «هآرتس» بتاريخ 12. 2. 2015 أن «نتنياهو» أكثر من يستخدم التخويف في سياسته، لذا لم ينجح في حلّ أيّ من مشاكل الكيان الداخلية أو الخارجية، بل يُصعّدها إلى درجات عالية غير قابلة للحلّ من قِبله أبدًا.
كلّ هذا، على أمل أن تجد الدراسات «الإسرائيلية» صداها في الجامعات ومراكز الأبحاث العربية.
ashkar33 hotmail.com
استخدام الخوف بالنقاش السياسي في «إسرائيل»
في ما يخصّ حل الصراع «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني:
خطط سياسية 2003- 2004
نِمرود رُوزْلِر
الجامعة العبرية في القدس
رسالة ماجستير غير منشورة، 205 صفحات بالعبرية