حماس: «بندقية للإيجار»
عامر نعيم الياس
في التسعينيات من القرن الماضي نشر الكاتب البريطاني باتريك سيل كتاباً بعنوان «أبو نضال بندقية للإيجار» اختلف حوله المراقبون حينها كما جرت العادة على الدوام، نَشرُ الكتاب جاء في ضوء الصعود المضطرد لحركة حماس في الساحة الفلسطينية، وتحديداً ساحة المقاومة. حيث شكّلت سنوات التسعينات العقد الذهبي للحركة التي غطّت برمزيتها المقاومة على ما دونها من الحركات الوطنية الفلسطينية التي انخرطت في عملية السلام آنذاك.
بعد مرور أكثر من عقدين على نشر الكتاب يبدو أنّ أبا نضال ليس سوى رمزية لتغيير ولاءات البندقية تبعاً للطموح السياسي تارةً، والمالي تارةً أخرى، لكن الثابت أنّ حماس دخلت في هذا النفق بعد الأزمة السورية في عام 2011، ولن تخرج منه سوى حركةً تسووية بلبوس إسلامي لا يتوقف التحوّل في موقفها على الولاء لهذا التيار أو المحور دون سواه، بل الانخراط المباشر في معركة تفتيت المنطقة في مرحلة ما بعد سايكس ـ بيكو في ما يخصّ الشرق.
محمود الزهار القيادي البارز في حركة حماس والمحسوب على جناح الصقور فيها هو من بدأ الحديث عن البندقية والسلاح وأولويات استخدامه، فهو قبل كلّ شيء سلاحٌ للدفاع عن الحركة في وجه أيّ عدو للحركة، وليس عدو لفلسطين، هنا يحلّ الصهيوني واعتداءاته المتكررة على غزة في المرتبة الثانية، وإنْ اتهمنا البعض بالتجني على حماس، فإنّ الزهار في أحسن الأحوال وضع كلّ معادٍ للحركة في مرتبة الكيان الصهيوني وجب الاشتباك المسلّح معه عند الضرورة، هنا يأتي الغمز من قناة التحوّل في مصر ليلقي بظلاله على تصريحات الزهار التي لاقت هي الأخرى دفعاً أكثر حدةً عقب تصريحات القيادي الآخر في الحركة صلاح البردويل الذي شنَّ هجوماً على التدخل المصري في ليبيا من دون أن يسمّي القاهرة بالاسم، هجومٌ يأتي على خلفية البيان شديد اللهجة الذي أصدره مجلس التعاون الخليجي بحق القاهرة واتهاماتها للدوحة، كما يأتي بعد الموقف الأميركي الشاجب للغارات المصرية الجوية على ليبيا عقب مقتل 21 قبطياً مصرياً على أيدي تنظيم «داعش»، فهل انخرطت حماس في أمر العمليات الأميركي ضدّ بذور التحرك المصري السياسي المستقلّ عن المحور الأميركي؟
مما لا شك فيه أنّ جزءاً من الاندفاعة المصرية الاستباقية للقتال على الأرض الليبية يهدف إلى نقل المعركة مع تركيا وقطر إلى الأراضي الليبية، وهو أمرٌ لم تستسغه سعودية سلمان التي ما كان لبيان مجلس التعاون الخليجي أن يصدر لولا وجود ضوءٍ أخضرَ منها، كما أنّ التراجع المصري في مجلس الأمن عن تقديم مشروع قرار خاص بتشكيل تحالف دولي لمحاربة «داعش» وغيرها من التنظيمات المتطرفة في ليبيا، والتحفظ العربي على تشكيل تحالف بديل من دول المنطقة بشأن ليبيا، أمور تدلُّ على حجم الضغط الذي يمارس على الجيش المصري والذي عملت حماس على شيطنته عبر الترويج غير المبرّر لإمكانية حدوث اعتداء مصري على غزة كما حصل في ليبيا مع أنّ المقاربة هذه لا تملك أيّ سندٍ واقعي على الأرض، فالحالتان مختلفتان، والذي يربط مصر بقطاع غزة وحتى حجم وصيرورة الخلافات بين حماس والقيادة المصرية لا ترقى بأيِّ شكلٍ من الأشكال إلى ما جرى في ليبيا لا على مستوى المذبحة الشنيعة التي استهدفت المصريين هناك، ولا على مستوى التهديد المباشر الذي تشكله ليبيا على الأمن القومي المصري، هنا تكفي نظرة إلى الحدود الليبية المصرية ومقارنتها بالحدود بين غزة ومصر لإدراك الفرق بين الحالتين.
الواضح أنّ توقيت هجوم حماس أو المستوى السياسي في حماس على مصر السيسي ليس له تفسير سوى أنه استكمال للحملة التي بدأها التعاون الخليجي وواشنطن على القاهرة، كما أنه اصطفاف مباشر للحركة إلى جانب الخيار القطري التركي وحتى السعودي في معركة منع مصر من استعادة دورها الإقليمي المستقلّ والذي سيكون قبل كل شيء على حساب الرياض والدوحة وأنقرة، بغضّ النظر عن مدى قرب الخيار المصري المستقلّ من محور على حساب محورٍ آخر في المنطقة، هنا يتأكد أنّ المستوى السياسي في حماس، وفي ظلّ صمت المستوى العسكري، ليس في طور إعادة التموضع، وليس في طور الاعتراف بعدم صوابية الخيارات التي اتخذها المكتب السياسي للحركة منذ اندلاع الأزمة السورية، بل إنّ دور الحركة التي تورّطت مباشرة وعملياً في المواجهات العسكرية في سورية، هو دورٌ قابلٌ للتطوير في أية لحظة وحسب الأجندة الأميركية الإقليمية، في ضوء تراجع العامل الوطني والاستعاضة عن العداء لـ»إسرائيل» بمصطلح «توجيه السلاح إلى صدور الأعداء» وفقاً لمحمود الزهار، أعداء من الواضح أنّ في طليعتهم الجيشين السوري والمصري.
كاتب ومترجم سوري