حرب الغاز بين أوروبا وروسيا
مرفان شيخموس
ما مدى أهمية الاقتصاد الروسي؟ وما مدى تأثير العقوبات الأوروبية على قطاع الغاز في روسيا؟ أسئلة كثيرة يطرحها محللون ومراقبون ومتابعون لقضية العقوبات الأوروبية على الغاز الروسي والتي تعتبر من أهمّ القضايا عالمياً، من الناحيتين السياسية والاقتصادية.
لن ندخل في الموضوع بطريقة مستعجلة أو في سرد مفصّل للوقائع، لكننا سنراجع أهمية الغاز الروسي بالنسبة إلى أوروبا ومدى قدرة تحمّل الاتحاد الأوروبي تلك الخطوات التي اتخذها بفرض عقوبات على موسكو.
تعتبر روسيا ثامن أكبر القوى الاقتصادية في العالم، بإجمالي ناتج محلي يتجاوز 2 تريليون دولار، وهو يعتمد بشكل أساسي على صادراته من النفط والغاز المسال، في حين يُعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر الشركاء التجاريين لروسيا، فهناك علاقات اقتصادية قوية بين الجانبين، ذلك أنّ نصف الصادرات الروسية، والتي تصل قيمتها إلى 292 مليار دولار، تنتهي في دول أوروبية، وتمثل الصادرات الروسية إلى القارة الأوروبية نحو 15 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الروسي. وفي المقابل، فإنّ روسيا تعتبر ثالث أكبر شريك للتكتل الأوروبي بصادرات تبلغ 169 مليار دولار في المجالات كافة، إضافة إلى كونها الشريك الأهمّ في مجال الطاقة، ويبرز هذا الدور من خلال مراجعة بعض المؤشرات.
تعتمد أوروبا على روسيا في قرابة 36 في المئة من واردات الغاز الطبيعي، و31 في المئة من النفط، و30 في المئة من الفحم، وتبلغ حصة الأولى من صادرات النفط الروسية حوالى 80 في المئة، و70 في المئة من الغاز، ونصف صادرات الفحم الروسي.
وعلى ضوء التطوّرات المتلاحقة التي شهدتها الأزمة الأوكرانية تصاعدت حدّة التوتر في العلاقات بين روسيا وكلّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلا أنّ دول مجموعة اليورو التي خرجت للتوّ من أزمة اقتصادية، تبدو حذرة في قطع علاقات مع شريك اقتصادي قوي، كما أنّ الغاز الروسي يضيف إلى ذلك الحذر.
وتخشى أوروبا من تكرار جولات حرب الغاز بعدما عانت مرتين في السابق، لا سيما أنّ ستة بلدان أوروبية تستورد كامل حاجتها من الغاز من روسيا، أما بالنسبة إلى ألمانيا، أكبر اقتصاد في محيط اليورو، فإنّ النسبة تصل إلى 40 في المئة.
وإذا كانت العقوبات الغربية الحالية، تسبّبت في تراجع الاقتصاد الروسي، فإنّ المضيّ فيها، وتحويلها إلى عقوبات موجهة ضدّ القطاع المصرفي على سبيل المثال، قد يؤدّي إلى جرِّ القطاع المصرفي الأوروبي إلى أزمة، لأنّ حجم قروض المصارف الروسية لنظيراتها الأوروبية يتجاوز 187 مليار يورو، ما قد يتسبّب في أزمة جديدة، في وقت ما زالت منطقة اليورو تعاني من نتائج الأزمة السابقة في شكل ملموس.
من وجهة نظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإنّ العقوبات ليست حلاً ولا تأتي بالنتائج المرجوّة منها، بل تُلحق أذى بمن يفرضها، لكنّ أوروبا تخطط، في المقابل، لتقليل اعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية.
صعّد الاتحاد الأوروبي من مناقشاته بشأن مستقبل إمدادات الطاقة، في محاولة للحدّ من اعتماده على إمدادات الطاقة الروسية، فاقترحت بريطانيا بحث استيراد الغاز من الولايات المتحدة.
من جهة أخرى، قال رئيس قمة الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي في بروكسيل إنّ الاتحاد الأوروبي يخطط لتقليل اعتماده على واردات الطاقة من روسيا، وإنّ الأمر كان موضوعاً رئيسياً في قمة الاتحاد.
وأشارت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، إلى أنّ واردات الغاز الصخري الأميركي قد تصبح في النهاية خياراً للدول الأوروبية التي تسعى إلى تنويع مصادرها من الطاقة، لكن يجب على الولايات المتحدة أولاً إنشاء البنية التحتية اللازمة للتصدير.
على النقيض من ذلك، وفي مقابل المساعي الأوروبية إلى التخلي عن الغاز الروسي، كانت موسكو قد أعلنت من قبل في تقريرها «استراتيجية الطاقة الروسية حتى عام 2030» الذي أصدرته في 2009، أنها ستركز صادراتها تدريجياً على الشرق بتخصيص 75 مليار متر مكعب من الغاز للمستوردين الآسيويين من مجمل صادراتها في السنوات المقبلة، وتوّجت ذلك بصفقة تصدير الغاز إلى الصين.
ومما لا شك فيه، أنّ زيارة إيغور سيتشين، الرئيس التنفيذي لشركة «روس نفط» لليابان وكوريا لبحث سبل التعاون في الطاقة، أظهرت رغبة تلك الدول في توقيع صفقات مماثلة للصفقة الروسية الصين.
في أعقاب عقد الصفقة الأخيرة، طرح عدد من نواب برلمان الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان عقد صفقة غاز يابانية ـ روسية، تقضي بمدّ خط من جزر سخالين الروسية إلى اليابان بقيمة 5.9 مليارات دولار لاستيراد عشرين مليار متر مكعب من الغاز.
وكانت اليابان قد وقعت في حزيران 2012 على مذكرة تفاهم مع موسكو لاستيراد كميات أكبر من شحنات الغاز المسال الروسي بحلول 2018 مع افتتاح منشأة تسييل «فلاديفتسوك».
أما بالنسبة إلى كوريا الجنوبية، فتبدو خطط تصدير الغاز الروسي إليها الآن، أكثر قابلية للتحقق من ذي قبل. وفي هذا السياق، كانت رئيسة كوريا الجنوبية أعلنت نهاية العام الماضي رغبتها في تأسيس «مبادرة أوراسية» تتضمّن بناء شبكة طاقة تربط كوريا الجنوبية بروسيا. وحذت الهند حذو اليابان وكوريا الجنوبية بإعلانها أخيراً رغبتها في عقد صفقة لاستيراد الغاز الروسي من خلال خط يمرّ عبر الصين بعد إعلان صفقة الغاز الصينية ـ الروسية.
ولكن يبقى السؤال الأهمّ: لمن ستكون الغلبة في تلك الحرب الاقتصادية؟ تبقى جميع الاحتمالات واردة…