سورية: هل اقتربت ساعة إنجاز الحسم العسكري؟
حميدي العبدالله
منذ بداية انطلاق الحرب على سورية، أطلق محلّلون كثر، سوريون وعرب، مواعيد لإنجاز الحسم العسكري في مواجهة الجماعات المسلحة والدول المنخرطة في الحرب على سورية، ولكن لم تتطابق التوقعات على الدوام مع سير المواجهات العسكرية، ما خلق حال من اللايقين والشكك حول التقديرات التي تصدر في شأن اقتراب موعد الحسم النهائي.
لا شك في أن الحسم العسكري تأخر، ليس لأن المؤامرة ضخمة والقوى والدول المنخرطة في الحرب على سورية حشدت إمكانات يصعب معها الحسم السريع مقارنة مع تجارب أخرى وخاصة تجربة الجزائر حيث استغرقت عملية الحسم نحو عشر سنوات، فحسب، بل أيضاً لأن الدولة السورية والقيادة السورية كانتا عرضة لضغوط من أصدقاء سورية حالت دون استخدام القدرات الكفيلة بإنجاز عملية الحسم بشكل سريع، وقامت هذه القيود على اعتبارات تتعلق بإدارة العلاقات الدولية، خاصة بين روسيا والولايات المتحدة، إذ كانت موسكو تتمنى دوماً على الدولة السورية إبداء المرونة وعدم القيام بأعمال عسكرية واسعة. ويمكن الاستنتاج أن تراجع المساعي لمنع الإسراع في عملية الحسم من قبل أصدقاء سورية لم يبدأ إلاّ بعد 18 تموز 2012 لدى اجتياح مدينة حلب وأحياء في دمشق واغتيال القادة العسكريين في مكتب الأمن القومي، فبعد ذلك أنجزت أول عملية حسم حُرّرت عبرها أحياء في مدينة حمص في مقدّمها بابا عمرو، وفي مدينتي حماة وإدلب، ولم تتوافر شروط الحسم الكامل لناحية انتهاء مساعي الأصدقاء في الحد منه إلاّ بعد انفجار الأزمة الأوكرانية، أي منذ نحو شهرين فحسب.
في ضوء هذا الواقع يمكن الاستنتاج أن تأخر الحسم العسكري كان لاعتبارات سياسية أكثر منه لأسباب عسكرية أو اختلال في توازن القوى العسكرية لمصلحة الجماعات المسلحة، ولذلك تأخر الحسم، ولذلك أيضاً لم تتطابق توقعات الكثير من المحللين مع سير مجريات الحوادث ميدانياً، ما ولّد انطباعاً بأنّ الحسم أمر متعذّر لأسباب عسكرية، وبالتالي أن الحرب ستطول سنوات.
اليوم، بعد انتفاء مساعي الدول الصديقة إلى حضّ سورية على التريث في عملية الحسم، في ضوء التحولات التي شهدتها العلاقات الدولية عقب انفجار الأزمة الأوكرانية، وتدهور العلاقات بين روسيا والغرب التي يصعب التحكم فيها واحتواؤها في وقت قريب، فإن عملية الحسم العسكري ضد الجماعات المسلحة تتسارع اليوم، وقياساً ما حققه الجيش العربي السوري والقوى الرديفة الأخرى منذ تحرير القصير في حزيران 2013 مروراً بتحرير منطقة القلمون، وشرق حلب، والغوطة الجنوبية، يمكن استخلاص حقيقة مفادها أن إنجاز الحسم العسكري، أي تحرير المدن الكبرى واستعادة المناطق الحيوية والاستراتيجية، وإبعاد الجماعات المسلحة عنها، بات أمراً قريباً. وإذا كان ليس واقعياً تحديد آجال زمنية لإنجاز كامل هذه العملية، إلا أنه يمكن التشديد على الآتي:
أولاً، الظروف الدولية والإقليمية والمحلية، لا سيما تغيير البيئة الحاضنة للجماعات المسلحة، باتت في مصلحة الجيش العربي السوري، أكثر من أي فترة سابقة، وبالتالي تساعد هذه التغييرات والتحولات في تسريع عملية الحسم بالمقارنة مع ما كانت عليه الحال في السنوات الثلاث الماضية، وفعل هذه التحولات في المرحلة المقبلة لن يتغيّر سلباً، بل على العكس، خاصة التحولات المحلية لجهة إلقاء ألوف الشبّان السوريين سلاحهم والانضمام إلى الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني.
ثانياً، القوة العسكرية الأكبر التي اضطرت في السنوات الثلاث الماضية إلى التوزع على جبهات عديدة، لاحتواء الهجوم الذي كانت تقوم بها الجهات المنخرطة في الحرب على سورية، باتت الآن على وشك أن تنتهي من إعادة الأمن والاستقرار إلى أخطر الجبهات والمناطق بعد إنجاز الحسم في حمص وريفها وفي القلمون ومناطق واسعة من الغوطة. ومن الطبيعي أن شروط تعزيز القوات العسكرية في جبهات أخرى لا تزال في وضع دفاعي أو لم تبادر إلى عملية الحسم، باتت قريبة أيضاً، وعندما يحين الوقت المناسب، وهو قريب جداً، فإن معدلات الحسم سوف تتسارع في جبهات تشهد الآن مراوحة في المكان، وتقتصر المواجهات على الاشتباكات الموضعية، مثلما يحصل الآن في محافظات حلب ودير الزور وإدلب.
ثالثاً، هذا التطوّر في الأوضاع الميدانية دفع القيادة السورية إلى الكلام عن انعطاف ميداني، وهو يؤسس لإنهاء العمليات العسكرية الواسعة في غضون أشهر وليس سنوات، إذ كان صعباً ماضياً التنبؤ بموعد محدد لانتهاء هذه العمليات الواسعة أو النشطة.