مسرحيّون عراقيّون… بلا مسارح!
كتب د. علي حسون لعيبي ميدل ايست أونلاين :المسرح العراقي من أقدم الفعاليات الفنية في المنطقة العربية نتيجة الوعي الحضاري الذي يتمتع به المثقفون العراقيون من خلال التراكم المعرفي الذي يمتد الى الآف السنين، وكان له دور كبير في تعميق الروح الوطنية والتبصير بالحقوق المشروعة إذ شكّل اداة ثورية في سائر عمليات التغيير التي حصلت في البلد. وكادت لا تخلو محافظة أو مدينة من قاعة للمسرح حكومي أو أهلي. وكان هنالك اهتمام ملحوظ بالعمل المسرحي، سواء على صعيد الحكومات أو الحركات السياسية أو النقابات أو الأفراد المتذوقين والمهتمين به. فمن منا لا يتذكر مسرحية «النخلة والجيران» و«فلوس الدوه وترنيمة الكرسي الهزار» وغيرهما.
متتبع تاريخ المسرح العراقي يرى بوضوح أن لبنات تأسيسه الأولى كانت رصينة وواعية وحريصة، والقائمون عليه هدفهم الأسمى هو نشر الوعي الثقافي الفني الملتزم، بعيداً عن الإسفاف والاستخاف بقيمته العليا. وتشير الدراسات الخاصة بتاريخ المسرح في العراق إلى بداية ظهور ملامح تشكل إنتاجه كمنجز فني للمتلقي في أواخر القرن التاسع عشر، ومن منطقة الموصل محافظة نينوى حيث كانت الأديرة المسيحية وعملية التواصل مع الآخر عن طريق الديانة المسيحية، ففي البداية كانت مخطوطة حنا حبش 1880 النص الأول غير المطبوع الذي يعتبر دراما اجتماعية أخلاقية متاثرة بالفكر المسرحي الفرنسي. أما أول نص مسرحي مطبوع فهو مسرحية نعوم فتح الله السحار «لطيف وخوشابا» 1893 ، وظهر مؤلفون آخرون في الفترة التالية مثل يحيى عبدالواحد وحنا رسام اللذين تناولت نصوصهما الموضوع التاريخي. وفي مسرحية عبدالمجيد شوقي «فتح عموريه» مثال للموضوع التاريخي.
عام 1927 تشكلت الفرقة التمثيلية الوطنية، من خلال رائد المسرح العراقي حقي الشبلي، كذلك في الفترة بين عامي 1927 و 1939 تأسست بعض الفرق المسرحيه مثل «فرقة بابل للتمثيل»، و«الفرقة التمثيلية العربية»، و«جمعية أنصار التمثيل». وظل هذا الامتداد في تصاعد في جميع الأزمنة بغض النظر عن إيديولوجية النظام السياسي وشكله، يتطور نحو الأفضل.
برز المسرح العراقي كثيراً في عالم المسرح العربي والعالمي، وكان للمعاهد والكليات الفنية دور مهم في صقل المواهب المسرحية تمثيلاً وإخراجاً وتأليفاً، فكانت تضخ دماء شابة متجددة واعية للعمل الفني في الساحة الفنية العراقية وحتى العربية والتي ساهمت في تأسيس خيرة الفرق المسرحية، مثل «فرقة 14 تموز»، و«المسرح الفني الحديث»، و«منتدى المسرح»، إضافة الى «الفرقة القومية للتمثيل». وكانت ثمة رعاية خاصة للمسرح والمسرحيين نشعر رغم قلتها بأن هنالك من يتابعك ويهتم بك معنوياً في أقل تقدير. إضافة إلى وجود الجمهور المتذوق الذي يبحث عن العروض الهادفة الراقية. ودخل القطاع الخاص ذات فترة وبرزت ظاهرة المسرح التجاري أو بعبارة أخرى المسرح الذي يتعامل مع عبارة «الجمهور عاوز كده». لكن بقي المسرح العراقي الأصيل هو الرائد والمتصدر من خلال تجارب وعروض معهد الفنون الجميلة وأكاديمية الفنون الجميلة وتلك العروض السنوية التي لا تنقطع حركتها في نشاط ملحوظ.
رغم ما يسمى بفسحة الحرية بعد 2003، لم نشهد تطوراً نوعياً للمسرح، فلا يزال بناء مسرح الرشيد محطماً ومسرح بغداد تسكنه الفئران، ومسارح السينما أضحت محلات تجارية، أو مصارف تهدم كل شيء رغم الوفرة المالية، وهاجرت العقول الفنية المهمة بل همشت على نحو مقصود مثلما همشت الشخصيات المسرحية المعروفة.
وضاع هذا التاريخ المسرحي المجيد رغم جهاد المسرحيين لكي يستمر. نحن اليوم في بلد بلا بنى تحتية للمسرح. نحن مسرحيون بلا مسارح.