واشنطن تؤكد ما أنكره الاليزيه من دمشق
روزانا رمّال
بعد الوفد الفرنسي البرلماني وفد أميركي في دمشق في الأسبوع نفسه…
ضمّ الوفد الفرنسي عضوي مجلس النواب جيرارد بابت رئيس جمعية الصداقة الفرنسية السورية، وهو أحد المقرّبين من الرئيس فرانسوا هولاند، وجاك ميارد أحد الوجوه البارزة في البرلمان الفرنسي وله تأثير ونفوذ كبيران فيه، وعضوين من مجلس الشيوخ هما ايميري دو مونتيسكيو نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ وجان بيار فيال، إلى جانب وفد جمعيات إغاثية فرنسية.
يكفي الاطلاع على مسؤوليات الوفد الفرنسي الزائر وصلاحياته لاستشراف فحوى مهمته في سورية، وتكفي معرفة انّ بين أعضاء الوفد مَن هو مقرّب من هولاند لرسم تساؤلات حول تبرئة هولاند من الزيارة، والذي وإنْ كانت تصريحاته واقعية وليست للتبرير، وهذا مستبعد، فإنها تطرح بلا شك تباين الفرنسيين حول الموقف تجاه الرئيس السوري بشار الاسد وجدوى التعاطي معه، وبالتالي انقسامهم حول مصالح فرنسا في سورية والمنطقة، وهذا بحدّ ذاته مؤشر دقيق.
خرج فرانسوا هولاند ليتبرّأ مما اكدت عليه الولايات المتحدة في وفدها المرسل الى دمشق في الأسبوع نفسه لزيارة الفرنسيين وبتوقيت لافت، فالتقى الوفد الأميركي قيادات سورية رفيعة المستوى، علماً أنه أيضاً ضمّ إضافة إلى عدد من البرلمانيين وزير عدل سابقاً، هو رمزي كلارك، الناشط في الحزب الديمقراطي الذي يمثله باراك أوباما كرئيس للبلاد.
ليس سهلا على المشككين واقعاً مفاده انّ الزيارات تشير إلى اعتراف بشرعية الرئيس السوري بشار الأسد كرئيس نافذ، وبعدم القدرة على إسقاطه كواقعية في الرؤية، وبغضّ النظر عن الإرباك الذي أحدثته هاتان الزيارتان في الأروقة الديبلوماسية الاقليمية والدولية، خصوصاً لجهة التكتم الذي شاب مهماتها، فإنّ سؤالاً حقيقياً يطرح في الحدّ الأدنى وهو: ماذا يفعل هؤلاء في دمشق التي تمّ قطع العلاقة بينها وبين بلادهم رسمياً بناء على اعتبار الرئيس الأسد فاقداً للشرعية؟ وعليه فإذا كان كلام هولاند أو غيره ممن يمكن أن يخرج ناقداً او مادحاً للزيارات، فإنه لا بدّ من الإضاءة على انّ ما يجري يؤكد على تباين وانقسام رسمي وجدي لدى الغرب من الموقف تجاه سورية، ومن واقع قد يفرض التعاطي مع الأسد في المرحلة المقبلة.
عموماً لا تشعر واشنطن بالإحراج وهي التي أطلقت تصريحات على لسان المتحدثة باسم البيت الابيض حول الأسد ودوره في الحل رغم التباين والموقف منه، حسب تعبيرها، اضافة الى ما اعلنه ستيفان دي ميستورا عن ان لا حلّ من دون الأسد في سورية، وهو المبعوث الأممي لحلّ الأزمة فيها، وبالتالي لا تشعر الولايات المتحدة بالإحراج اذا ما أعادت حساباتها في ايّ تسوية مقبلة يفرضها التفاهم على الملف النووي الذي أصبح في مرحلة متقدمة جداً، وواشنطن التي لم تمانع الحوار مع نظام المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية التي تصنّفه إرهابياً بصفته يدعم حركات المقاومة في المنطقة من حزب الله وغير حزب الله كحماس ومجموعات المقاومة العراقية لن تشعر بالإحراج أبداً من الحوار مع الأسد أو إعادة العلاقات السياسية الرسمية اذا ما تيقّنت انّ في هذا مصلحة عليا لها، ويفيد التذكير انّ واشنطن هذه هي نفسها التي تعاملت مع محمد مرسي كرئيس شرعي من رحم الثورة المصرية ومعاناة الشعب، وهي ذاتها التي خضعت مرة أخرى للشارع المصري واعترفت بشرعية السيسي مردّدة عبارتها الشهيرة دائما «اخطأنا التقدير».
في السياسة لا تحكم الدول الكبرى في سلوكها «مبادئ ومسلمات»، وفي السياسية لا يتمسك بالمواقف والمبادئ عادة سوى من هم غير قادرين على إحداث تغيير بإيعاز ممّن هم أقدر وهم عادة ممثلو حكومات الشرق الاوسط الضعيفة، وبالتالي لا يشعر بأيّ حرج من يمتلك النفوذ والقوة من اي تغيير تفرضه المرحلة والظروف السياسية للانعطافة نحوه إذا اقتضت المصلحة.
«توب نيوز»