حسم السوريين يُربك غرف العمليات في الداخل والخارج…
جمال العفلق
لم يستفق أعداء سورية من الضربة الأولى التي وجهها الجيش إلى العصابات المسلحة في الجنوب، حتى استيقظوا على بداية المرحلة الثانية من العملية بعد توقف قصير اختلفت الآراء حوله بين مهلة غير معلنة أعطاها الجيش للمسلحين وبين الأحوال المناخية القاسية التي مرّت على المنطقة في الآونة الأخيرة، ولكن في المحصلة استكمل الجيش عملياته بضربات سريعة حققت نتائج مبهرة للسوريين ومؤلمة لأعدائهم.
وعلى وقع الضربات الموجعة والتقدم الميداني الذي لم تستفق منه «إسرائيل» وهي أول المستفيدين من وجود العصابات الإرهابية على طول الحدود السورية والخط الفاصل مع الجولان المحتل، فإنّ انهيار المسلحين السريع جعل من غرف العمليات، خصوصاً الموجودة في عمان والتي تدير العمليات العسكرية ضدّ الجيش السوري لتأمين جيب فاصل يبعد الجيش السوري عن حدود الجولان المحتل ويضمن تهديداً طويل الأمد للعاصمة دمشق، لكنّ المرحلة الثانية كما يطلق عليها العسكريون أدخلت تلك الغرف في حالة إرباك ستدفعها قريباً إلى البحث عن غطاء دولي تجد فيه مخرجاً لدعم من تبقى من مرتزقتها على خط النار.
فمن يعرف جغرافيا المنطقة الجنوبية، يدرك أنه لا مفرّ أمام العصابات المسلحة، خصوصاً من غير السوريين، فإمكانية إيجاد ملجأ يحميهم أصبح أمراً صعباً، والأمر الأكثر صعوبة أن تسمح لهم «إسرائيل» بدخول الأراضي المحتلة لأنّ ذلك سيشكل عبئاً لا طاقة لها على احتماله. أما انسحابهم نحو الأردن، المصدِّر الرئيسي للعصابات العاملة في الجنوب، فهو أمر لن يكون الأردن، بدوره، قادراً على احتماله، خصوصاً أنّ عمّان لديها الكثير من الملفات الشائكة في هذا الخصوص وليست في وارد فتح معسكرات سيتوقف التمويل عنها عاجلاً أم آجلاً.
إنّ هذا الإرباك الذي تعاني منه غرف عمليات أعداء سورية رافقه إرباك سياسي آخر، حيث أعطت دمشق الضوء الأخضر للموفد الدولي لتجميد القتال في حلب، لكنّ التقارير تشير إلى أنّ ما يسمى محاور معارضة ترفض خطة دي ميستورا وتجد فيها إعلان هزيمة أخرى على محور الشمال. فالمناطق التي يشرف عليها الجيش لا تعطي فرصة للمسلحين بإعادة التمركز أو التجمع من جديد، وهذا الإرباك السياسي وعدم وجود هامش كبير للمعارضة للتفاوض كشف دور المشغلين الذين لا يهمُّهم وقف القتال من عدمه، بقدر ما يعنيهم استمرار الحرب على سورية، فما زالت الملفات الدولية التي تمّ ربطها بالحرب على سورية عالقة من أوكرانيا إلى الملف النووي الإيراني إلى اليمن، حيث تغيرت الخريطة السياسية، إلى مصر التي تقف على مفترق طرق بين كسب ودّ الممولين من جهة ومحاربة الإرهاب الذي يهدّدها من الداخل والإرهاب القادم من دول الجوار، وأخطره الموجود في ليبيا اليوم من جهة أخرى.
إنّ ما يحدث على الجبهات السورية انعكس على جبهات العراق المفتوحة ضدّ الإرهاب وعصابات «داعش» وأربك القرار الأميركي المتردّد في دعم فكرة تحرير الموصل من يد «داعش»، في وقت تشعر الإدارة الأميركية بالفشل، وعلى كلّ الصعد، حيث تتباين الآراء تجاه القضايا المصيرية للمصالح «الإسرائيلية» والمصالح الغربية، هذا التباين الذي سيدفع بالعلاقات العربية ـ الإسرائيلية إلى السطح أكثر، خصوصاً أنّ بعض العرب من المعادين لطهران ودمشق يجدون في «إسرائيل» قارب نجاة لهم من طوفان انهيار العصابات المسلحة، هذا الانهيار الذي سيكشف للعالم الدور الذي لعبته تلك الأنظمة في محاولة تدمير سورية وتشريد شعبها.
إنّ المعارضة السورية والغارقين في وهم كسر دمشق يعيشون اليوم أسوأ حالات التشرذم والصراع، فالنتائج التي يحققها الجيش السوري على الأرض ما زالت تحيّر القائمين على مشروع تدمير الدولة السورية وتفكيكها، ومن اعتقد أنّ اشتراك المقاومة في الدفاع عن سورية سيضعفها ويشغلها عن العدو الأساسي للمنطقة «إسرائيل»، اكتشف متأخراً أنّ المقاومة تزداد خبرة وقوة وأنّ السنوات الأربع الماضية، أعطت المقاتلين خبرة ستستخدم في الحرب المقبلة التي ما زالت «إسرائيل» تفكر في إشعالها، خصوصاً أنّ عصابات التكفيريين لم ولن تحقق لـ«إسرائيل» ما كانت تحلم به في خلق جيب عميل يخدمها ويحميها لعقد من الزمن على الأقل.
كتب محمد مهدي الجواهري:
دمشقُ يا أمَّةً حَطَّتْ بها أُممُ
مِنها إذا نُكَّسَتْ أعلامُها عَلَمُ
كأنَّما هيَ عنْ أوزارِ جِيرَتِها
كفَّارَةٌ، وعنِ الساعِي بِها نَدَمُ
يا هِمَّةً باسمِها تُسْتَنْهِضُ الهِمَمُ
يا قِمَّةً تتهاوَى عِندَها القِمَمُ
دمشقُ، إنَّ وجوهَ الغدرِ سافِرَةً
أَخَفُّ مِنها شُروراً وهيَ تَلْتَثِمُ
وارتدَّ عنكِ وأحلافٌ لهُ خدمٌ
مُغْبَرَّ وجهٍ على خَيشُومِهِ رَغَمُ