زاسيبكين: خلافنا الاستراتيجي مع أميركا أنها تريد استمرار نظام القطب الأوحد أما روسيا فتسعى إلى نظام دولي مبنيّ على المساواة بين الجميع
نظمت منفذية الكورة في الحزب السوري القومي الاجتماعي لقاء حوارياً مع سفير روسيا الاتحادية في لبنان ألكسندر زاسيبكين بعنوان «السياسة الخارجية الروسية: تحديات وآفاق»، وذلك في قاعة الجمعية الخيرية العمرانية في أميون.
حضر اللقاء عميد الخارجية حسان صقر، عميد التربية والشباب عبد الباسط عباس، منفذ عام الكورة الدكتور باخوس وهبة وأعضاء هيئة المنفذية وعدد من أعضاء المجلس القومي ومسؤولي الوحدات الحزبية في المنطقة وجمع من القوميين.
كذلك حضر اللقاء وزير الدفاع الوطني السابق فايز غصن ممثلاً بالمحامي رامي لطوف، عضو الهيئة التأسيسية في التيار الوطني الحرّ المحامي جورج عطالله ومنسّق التيار في الكورة نبيل حريكي، مسؤول حزب الله في الشمال الشيخ رضا أحمد، ممثل حركة أمل بسام سلامة، رئيس اتحاد بلديات الكورة المهندس كريم بو كريم، رئيس بلدية أميون غسان كرم، مسؤول الأمن العام في الكورة النقيب غيث يوسف، وعدد من القضاة والقناصل والمسؤولين الأمنيين ورؤساء بلديات ونوادي وجمعيات ومخاتير وشخصيات وحشد من المواطنين.
استهلّ اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني والنشيد الروسي ونشيد الحزب السوري القومي الاجتماعي، ثم كلمة ترحيب وتعريف من ناظر الإذاعة والإعلام في منفذية الكورة الدكتور هنيبعل كرم تناول فيها الخطر الذي تعيشه المنطقة برمّتها والنتائج المترتبة عليه، مشدّداً على حتمية وضع خطة لمواجهة الإرهاب الذي بات سكّيناً مسلّطاً على الرقاب، ويهدّد المفاهيم الإنسانية جمعاء.
السفير زاسيبكين
وتحدث السفير زاسيبكين فعبّر عن سروره لإتاحة الفرصة أمامه للتحدّث عن السياسة الخارجية الروسية وتبادل الآراء حول هموم المرحلة. وأشار إلى ضرورة البحث في العمق الاستراتيجي لما يحدث لفهم العناصر الأساسية للمرحلة الراهنة والتخطيط للمرحلة المقبلة.
ورأى أنّ نقطة الانطلاق يجب أن تكون نهاية الحرب الباردة، لأنّ المرحلة التي تلتها كانت من ضمن الأطر نفسها من ناحية تصرّفات مراكز القوى الأساسية في العالم وما يحدث فيه. وتطرّق إلى تفكك الاتحاد السوفياتي وصعوبة المرحلة الانتقالية في التسعينيات. ولفت إلى الأسس الجديدة التي وضعتها روسيا تدريجياً في السياسات الداخلية والخارجية، والتي أوصلت إلى الاستقرار المستمرّ منذ انتخاب الرئيس فلاديمير بوتين.
وتحدّث عن التوجه إلى الاتفاق مع الغرب والتطلع إلى الشراكة معه وبناء علاقات على أساس المصالح المشتركة الاقتصادية والسياسية قدر الإمكان، إذ أنه بعد التسعينات تبلور النهج المستقلّ نظراً إلى اعتبارات موضوعية، فروسيا بلد كبير ويعتمد على خبراته وقدراته الذاتية، وبالتالي من الخطأ الاعتقاد بأنّ السياسة الروسية يمكن أن تقوم على التبعية.
نظام دولي مبني على المساواة
وشدّد زاسيبكين على أنه في الآونة الأخيرة كان التصوّر الغربي مبنياً على انتصارهم في الحرب الباردة والحصول على المكاسب الدولية والسعي إلى الهيمنة على الشعوب، في وقت كانت روسيا تتطلع إلى النظام العالمي المتعدّد المبني على المساواة في الحقوق بين كلّ أعضاء المجتمع الدولي، في أنحاء الكرة الأرضية كافة، وسواء كانت الدول كبيرة أم صغيرة، لكن الولايات المتحدة حاولت إبقاء نظام القطب الأوحد، وسعت خلال الـ15 سنة الأخيرة إلى أن تبقي هذه المعادلة هي الأساس في العلاقات الدولية، فكانت الأمور في بعض الأحيان تسير في إطار التعاون، وفي أحيان أخرى تبرز محاولات للهيمنة والسيطرة، وتدريجياً كانت هذه الخلافات تتعمّق إلى أن أصبحت التناقضات واضحة للجميع، وكنا نلاحظ هذا الموقف عبر كلّ المراحل في السنوات الأخيرة، إذ شهدنا «ثورات ملوّنة» ومحاولات إسقاط أنظمة وضغوط على الدول وغير ذلك. وتجاه ذلك كنا نلاحظ أنّ غالبية الدول والشعوب غير مرتاحة لما يحدث، حتى أنّ النزاعات شملت مناطق عديدة في العالم، أما روسيا فقد بقيت في طليعة الدول وفي الصفوف الأمامية ضدّ هذه الحملة التي شملت ولا تزال غالبية دول العالم لتثبيت السيطرة الغربية عليها.
وذكّر زاسيبكين بالعدوان الذي حصل على العراق بحجة مفبركة، وبقصف صربيا وعاصمتها بلغراد لفصل كوسوفو عنها. وإذ اعتبر أنّ الغرب كان قادراً على إشعال الفتن والحروب، أكد أنّ روسيا لا ترى في ذلك وسيلة لتثبيت الاستقرار أو الوصول إلى اتفاقات أو تسويات أو حلول سلمية. وقد وجدنا أنّ نظرية «الفوضى الخلّاقة» أدّت إلى مشاكل كبرى في العالم، ومنها تفكيك دول وانتشار الإرهاب واستنفاد للخبرات البشرية والاقتصادية والسياسية. لذلك كنا نبذل الجهود لتسوية سياسية في سورية، وخلال السنوات الأخيرة كنا نسعى إلى إيجاد تسوية عبر الحوار الوطني. وحينما فتحنا باب التسوية عبر اتفاقية جنيف فوجئنا بفتح الجبهة الجديدة في أوكرانيا للضغط على روسيا وفصلها عن محيطها الطبيعي.
وأشار إلى أنّ روسيا عملت جاهدة على إيجاد حلول سياسية في أوكرانيا، كما تحاول اليوم في الشرق الأوسط، لا سيما في سورية تطبيق اتفاق وقف النار والعنف وإجراء المصالحات والإصلاحات السياسية، في حين أنّ النهج الأميركي والأوروبي مستمرّ في التصعيد لأنهم لا يريدون لروسيا أن تسجل فوزاً سياسياً، في حين أننا لا ننظر إلى الأمور من هذا المنظار بل من منظار إنساني.
واعتبر أنّ هناك حرباً إعلامية تشنّ اليوم على روسيا، وهي غير مسبوقة في التاريخ المعاصر، لأنّ ما يحدث هو تزوير للحقائق. ونحن مضطرون لمواجهة هذه الهجمة، لأنّ المرحلة حالياً اسوأ مما كانت عليه الأمور في الحرب الباردة، حيث كانت قواعد اللعبة واضحة، أما اليوم فالاتهامات ضدّ روسيا لا معايير لها، وعندما تجري محاولات لإعادة كتابة التاريخ، لا بدّ أن نواجهها لأننا نحن الشعب الروسي نفتخر بالانتصار على الفاشية الألمانية، فيما هم يدّعون أنّ الجيش السوفياتي هاجم أوكرانيا وألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. وإزاء ذلك نحن نعتبر أنّ هذه الهجمات تأخذ منحى استراتيجياً هدفه تدمير روسيا بالكامل لأنّ ذلك يتعلق بتاريخها.
المجتمع الروسي أكثر تماسكاً
وشدّد على أنه نتيجة هذا الهجوم أصبح المجتمع الروسي أكثر تماسكاً وتلاحماً ومنعة، وزادت المشاعر الوطنية، خصوصاً بوجود قيادة روسية ناهضة. وعندما يتحدّث الغرب عن عقوبات وعن تجويع روسيا فإننا نردّ بأفعالنا، وفي قناعتنا أنه من المستحيل للشعب الروسي أن ينتظر شيئاً من الغرب، والمخرج الوحيد هو الاعتماد على الذات من دون أن يستثني ذلك مواصلة التعاون مع الدول الغربية على أساس البراغماتية.
بعد ذلك أجاب السفير الروسي على أسئلة الحضور، وقال في خصوص تدنّي أسعار النفط والأهداف المتوخاة من وراء ذلك: لا نستبعد أنّ هناك عوامل سياسية ومحاولات لاستخدام هذا السلاح ضدّنا، وربما هناك اعتبارات أخرى متعلقة بالبترول الصخري وغير ذلك. المهمّ بالنسبة لنا ليس إنْ كانت هناك مؤامرة أو لا، ولكن من الواضح أنّ الغرب يستخدم كلّ الأساليب للضغط علينا، ربما من خلال البترول أو عقوبات تشمل أموراً كثيرة، وربما عبر المصارف. وعلى رغم كلّ ذلك سنبقى مصرّين على النهج نفسه ولن نخضع وإنْ حصل أيّ تردّد في هذا المجال فإنه سيكون مضرّاً بالمصالح الاستراتيجية الروسية.
وردّاً على سؤال عن مصير المطرانيْن المخطوفيْن بولس يازجي ويوحنا ابراهيم، أكد زاسيبكين أن لا معلومات جديدة متعلقة بهما. من الجانب الإنساني، فقد استنكرنا جريمة الاختطاف ونحن متضامنون معهما، أما الجهود المبذولة للإنقاذ فهي موضوع آخر بعيد من المواقف المعلنة.
وعن نتائج اجتماع المعارضة السورية في موسكو رأى أنّ فرص التقدم نحو تسوية سياسية في سورية قليلة في هذه الظروف، لكننا سنواصل الجهود من أجل تحريك الحوار إلى الأمام، ربما يكون هناك «موسكو 2» و«موسكو 3»، لتحقيق أهداف واضحة، أهمّها التعمّق في الحديث السياسي بين الطرفين وتمثيل المعارضة وتنفيذ ما سجل في بيان جنيف والمشاركة في التسوية السياسية لأوسع شريحة سورية ممكنة، بحيث يتمّ التركيز اليوم على الحوار السوري ـ السوري لأسباب مختلفة، أولها أنّ الأمر هو شأن داخلي سوري، وثانيها أنّ الأجواء الإقليمة والدولية غير مناسبة لاجتماع «جنيف 3». ونحن نتمنى التقدّم في الحوار السوري، ومن المفضل للأطراف الخارجية الأخرى المشاركة في تنقية أجواء الحوار وعدم عرقلة التسوية السياسية.
ازدواجية التعاطي مع الإرهاب!
وحول تأثير تدريب ما سُمّي «المعارضة السورية المسلحة» في الأوضاع الميدانية وكذلك في الحوار، اعتبر زاسيبكين أنّ ذلك مضرّ جداً في هذه الظروف، لا سيما بعدما أصبح الإرهاب واضحاً للجميع. ورأى أنّ المطلوب توحيد الجهود وإعلان التحالف ضدّ الإرهاب بشكل صريح وجدّي ووقف هذه الازدواجية، إذ إنهم يطالبون بالتصدّي للإرهاب، وفي الوقت نفسه يتمّ تدريب مجموعات وتمويلها وتسليحها وهي قد تنتقل في أيّ وقت إلى تنفيذ أعمال إرهابية، هذه الازدواجية قائمة ونحن واثقون أنّ هذا مقلق ومضرّ.
وعن الدعم الروسي للدولة السورية قال إنّ ما نشاهده من زاوية عريضة في البعد التاريخي الاستراتيجي حتى الآن، ما حدث مثلاً في يوغوسلافيا والعراق وليبيا وسورية وأوكرانيا، وروسيا مستهدفة أيضاً، واضح من هذا التسلسل أننا لا نزال نواجه في الدرجة الأولى الاستراتيجية الأميركية نفسها الهادفة إلى السيطرة والهيمنة. من هذه الناحية عندما ندافع عن مصالح الشعب السوري والنظام السوري لأنه كان يقود الأمور في سورية خلال فترة طويلة، وكان هناك استقرار، واتهامه يشكل اتهاماً للأنظمة الأخرى، ونحن ضدّ هذا المنطق بشكل مطلق، لأنّ النظام يدافع عن نفسه وعن بلده وشعبه، فيما هناك طرف يهاجمه ويريد إسقاطه بغاية السطو، ولا نعرف ما هي نتائج هذه الهجمة؟ البعض يطالب بتغيير سريع للسلطة، لكن هل في ذلك يتأمّن الاستقرار أم لا؟ ورأى أن النظام السوري صمد ولا يزال صامداً أمام هذا الهجوم.
وحول دعم روسيا للجيش اللبناني أعلن زاسيبكين أنه في الفترة الأخيرة تم تجديد التفاوض حول توريد السلاح الروسي إلى لبنان، وقد توصلنا أخيراً إلى بعض النتائج الملموسة، وهناك أمور لوجستية لا بدّ أن تتم لتسلّم السلاح لأنه آتٍ حتماً، وكلّ ما يقال خلاف ذلك هو من باب الدعاية والمزايدات الإعلامية.
وعن عرض الرئيس بوتين على الاتحاد الأوروبي بيع البترول باليورو بدلاً من الدولار ورفض الأوروبيين ذلك، قال إنّ العمل متواصل، وهناك توجه لاستبدال الدولار باليورو حيث أمكن، لكن الأمر يتطلب وقتاً.
ورداً على سؤال أكد زاسيبكين أنّ موقف روسيا بالنسبة إلى الأقليات واضح، لذا نتحدث عن الحلول السلمية للنزاعات في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يشترط العناية بمصير الأقليات التي تهجّر نتيجة النزاعات والحروب.
علاقة «إسرائيل» واضحة بالمجموعات الإرهابية
وبالنسبة إلى موقف العدو «الإسرائيلي» من المجموعات الإرهابية مثل «داعش» و«النصرة» وغيرها قال زاسيبكين: هم يقولون إن لا علاقة لهم مع المجموعات المسلحة، إنما العلاقة واضحة وظاهرة، هذا الموقف مضر، ونعتقد أن لذلك دلالة أخرى وهي أنّ «إسرائيل» كما نعرف سياستها ونهجها معادية للعرب ودولهم ومصالحهم.
وعن المفاوضات الإيرانية مع مجموعة «5 + 1» ولا سيما مع الولايات المتحدة بشأن الملف النووي، قال زاسيبكين: الحديث طويل حول التغيّرات التي سوف تحصل في حال جرى الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني، لا نريد مبالغات في هذه المسألة بل نركز على ضرورة الاتفاق على البرنامج النووي وفقاً للمبادئ المطروحة. والموقف الروسي المبدئي حيال إيران يؤيد المشاركة الإيرانية في القضايا الشرق أوسطية، وهو نهج نعتمده منذ سنوات، ونعتقد أنّ حصول الاتفاق على البرنامج النووي سوف يساعد في تنشيط الدور الإيراني في المنطقة.
وأستبعد أن تؤدّي نتائج توقيع الاتفاق على البرنامج النووي إلى تغيير جذري في التحالفات في الشرق الأوسط، لأنّ ذلك بمثابة انقلاب لكلّ موازين القوى في المنطقة.
وشدّد على أننا نريد إعادة التوافق في المجتعات العربية وليس الانتصار لأحد المحاور أو التكتلات في المنطقة، من هنا يختلف الموقف الروسي عن المواقف الغربية والأميركية، لأننا لا نسعى إلى الهيمنة أو السيطرة.
وعن موضوع الأسير في السجون الفرنسية جورج ابراهيم عبدالله، أكد زاسيبكين أنّ القضية تتعلق بحقوق الإنسان، ونحن ندعمه ونؤيد الضغط بأساليب عديدة في سبيل الإفراج عنه.
وعن استعداد روسيا لقيادة تحالف دولي ضدّ الإرهاب شدّد زاسيبكين على أنّ ذلك يجب أن يتمّ من قبل الأمم المتحدة، وليست روسيا أو أميركا قادرتين على قيادة هذا التحالف، ليس لعدم قدرة أيّ منهما على ذلك، إنما لأنّ لكلّ طرف مصلحة خاصة معينة.
بعد اللقاء الحواري أقيم حفل عشاء على شرف السفير الروسي في مطعم الأوكتاغون.