مسرحيّة «1980 وأنت طالع» تعيد المسرح السياسيً إلى خشبات مصر
«1980 وأنت طالع»، ليس مجرد عنوان عمل فني على مسرح الهوسابير، وسط القاهرة، بل صرخة مدفونة لشباب جيل يعتقد أنه مظلوم، وعودة إلى المسرح السياسي بعد فترة طويلة من الغياب.
«1980 وأنت طالع» مسرحية مصرية تبدأ بلوحة يصطف فيها جميع ممثلي العرض. ثلاثة عشر ممثلاً يتقاسمون البطولة الجماعية، وهم متساوون في معاناة جيلهم، لا يعرفون أنفسهم بأسمائهم بل بسنوات عمرهم، فالمسرحية تتحدث عن جيل من شباب مصر، ولدوا عام 1980 وما بعده.
نجح الكاتب الشاب محمود جمال، 34 عاماً في إيصال رؤيته. وإلى جانب التأليف، يشارك أيضاً ممثلاً، كاشفاً بمهارة عن حال جيله المتردّي ووضع الجمهور أمام كثير من الحقائق السياسية أخطاء ثورتي 25 يناير 2011 وثورة 30 يونيو 2013، وأخطاء السلطة في مصر، مطيلاً النقد لها، بدءاً بعهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، مروراً بحكم المجلس العسكري الذي أدار المرحلة الانتقالية الأولى عقب ثورة يناير، إلى حكم «الإخوان» الذي أطيح بعد 30 يونيو 2013، وصولاً إلى فترة حكم الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.
بالنقد اللاذع للحكم القائم ورأس السلطة، أطلق الشباب العنان لحريتهم، مؤكدين تمسكهم بثورتهم ومصرّين على تحقيق أهدافها والتصدّي لكل من يعرقلها.
لتحسيد الوضع الراهن، يلجأ النص إلى الاسكتشات المسرحية، فالمشاهد يربطها خيط واحد، يعبّر عن القضايا الشبابية، مثل سلطة الآباء في المنزل، وعدم القدرة على فهم طبيعة الجيل الجديد، البطالة وفشل قطاع كبير من الشبّان في الحصول على سكن مناسب، وصولاً إلى القضايا الثورية وتعامل الشرطة مع التظاهر السلمي.
المسرح السياسي الذي غاب لفترة طويلة في مصر يعتبر أداة تغيير، تحفز المشاهد على التفكير في مشاكله وتحضّه، وتحرضه على اتخاذ مواقف تعمل على تغيير سلبيات الواقع. ويعتقد المهتمون أن هذا النوع يلعب دوراً مهماً في تغيير كل ما هو موجود، إذ يمكن أن يؤدي الفنان دور السياس، ويعرض على الجمهور مشاكله بشيء من التكثيف، ليصل به إلى لحظة التنوير ويحضّه على تغيير واقعه.
تبدو المسرحية نوعاً من تحدّي الشباب لكل شيء في الواقع، فالعرض من فصل واحد، ويتكون من عشرة مشاهد تربط بينها وحدة الموضوع وقضايا الشبّان الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، موزعة في مشاهد تغوص داخل عمق التفاصيل، وثمة أربعة مشاهد يشارك فيها ثلاثة عشر ممثلاً مسرحياً في آن واحد.
يبدأ العرض وينتهي بالمشهد الجماعي، الذي يلتقط فيه الممثلون صورة جماعية ويعرفون أنفسهم بأعمارهم، في إسقاط سياسي يحذر من مرور العمر من غير الحصول على فرصة عمل لتكوين أسرة وتحقيق الذات. تكسر المسرحية الشكل النمطي، بلا إمكانات كبيرة، وبلا ديكور أو نجوم شباك تذاكر، وبلا خبرات سابقة. مع ذلك حقق العمل نجاحاً ساحقاً، ما يعكس التناغم والانسجام، فالديكورات هدفها في لغة المسرح صنع منظر يحدد للمشاهد الزمان والمكان، بينما يتحدث هؤلاء الشبّان عن الزمان والمكان في الزمن الراهن، بلا افتعال أو تكلف، والعرض يكسر الشكل النمطي، والتصميم المسبق، والنص الثابت، للانطلاق من روح الشباب.
بساطة حياة الشبّان والفقر والبطالة، ينقلها العرض في مشهد الشاب الذي اضطر إلى العمل بائعاً يجوب الشوارع ولا يجد من يشتري منه بضاعته، لأن من يستهدفهم بلا عمل، ثم يعود في نهاية اليوم ليجد حبيبته التي تنتظره منذ سنين لتحديد موعد خطبتها رسمياً، ويعكس العرض الصراع النفسي الذي يتعرض له شاب لا يجد عملاً ويرغب في تكوين أسرة، والفتاة التي تنتظر وتطاردها أسئلة المجتمع عن سبب تأخر زواجها.
الإمكانات المستخدمة في العرض فقيرة وثمة اكتفاء بالإضاءة للتركيز على بؤرة المشهد ووجوه الممثلين التي تصل في التعبير إلى درجة بليغة تجعل القاعة تتفاعل فيتصاعد التصفيق كلما مس مشهد واقعاً يحياه المشاهدون الذين لم تتجاوز أعمار معظمهم عمر الشباب، ما يعكس عودة المسرح بقوة إلى حالة التواصل مع الجمهور على نحو مؤثر.
اعتمد فريق عمل المسرحية، على الجمهور في الترويج للعمل، ففي نهاية كل عرض يلتقط أعداد من الجمهور صوراً تذكارية مع فريق العمل، ويدعو المخرج الشبّان المعجبين بالعمل إلى الكتابة عنه على مواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«فيسبوك»، والتحدث عنه في دوائر الأصدقاء.