خصائص الأزمة الجديدة بين تل أبيب وواشنطن
حميدي العبدالله
بات واضحاً أنّ ثمة أزمة سياسية قوية تعصف بالعلاقات الأميركية «الإسرائيلية». وجود هذه الأزمة لم يعد موضع إنكار من أيّ طرف كان، ولكن طبيعة هذه الأزمة وما إذا كانت تشبه الأزمات السابقة التي مرّت بها العلاقات الأميركية «الإسرائيلية» هي موضع الجدل هذه المرة. البعض يعتقد أنّ هذه الأزمة تشبه الكثير من الأزمات السابقة، بما في ذلك أزمة ضمانات القروض في عهد بوش الأب في مطلع عقد التسعينات التي نشبت بين واشنطن وتل أبيب.
لكن من الواضح، أنّ النظر في أسباب الأزمة الحالية يوضح أنها أزمة لها خصائص منفردة تميّزها عن الأزمات السابقة، وبالتالي لا بدّ من قراءة آفاق العلاقات الأميركية ـ «الإسرائيلية» في ضوء هذه الخصائص. مثلاً أزمة ضمان القروض كانت بمبادرة من إدارة بوش الأب للضغط على الحكومة «الإسرائيلية» لقبول المشاركة في مؤتمر مدريد، الذي حاولت واشنطن من خلاله استرضاء الرأي العام العربي وإرضاء الحكومات العربية التي وقفت إلى جانب الولايات المتحدة في حربها لإخراج القوات العراقية من الكويت. كما أنّ جميع الخلافات بين حكومات الكيان الصهيوني والإدارات الأميركية المتعاقبة، وقعت عندما كانت الولايات المتحدة لاعباً قوياً في المنطقة، وجيش «إسرائيل» قوة يصعب تحدّيها في المنطقة، وبالتالي كانت الخلافات بين الطرفين خلافات تكتيكية وليس لها جذور عميقة في بنية توازن القوى والمعادلات التي تحكم الصراع العربي- «الإسرائيلي».
الأزمة بين تل أبيب وواشنطن هذه المرة تأتي في ظلّ ظروف ومعادلات وتوازنات جديدة.
فالعدو «الإسرائيلي» لم يعد القوة القادرة على فرض مشيئته في المنطقة، ولم تعد الكلمة الأخيرة له في الصراع العربي- «الإسرائيلي» بعد فشل حروبه منذ عام 2006 وحتى الآن. كما أنّ قوة الولايات المتحدة ومستوى هيمنتها على المنطقة لم تعد كما كانت عليه في العقود الستة التي أعقبت إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية، وهذه هي المرة الأولى، التي تسعى فيها الولايات المتحدة إلى التفاهم مع خصومها في المنطقة على قاعدة تسويات لا تتجاهل مصالح هؤلاء الخصوم الحيوية. وإذا كان هناك من يشبّه إيران اليوم بمصر عبد الناصر في الخمسينات والستينات وتكيّف الولايات المتحدة مع الأمر الواقع الذي مثلته حركة التحرّر الوطني الناصرية، فإنّ قوة الولايات المتحدة اليوم وكذلك قوة «إسرائيل» العسكرية تختلف عما كانت عليه في عقدي الخمسينات والستينات، ذلك أنّ تل أبيب وواشنطن تواجهان معاً تحدّيات غير مسبوقة في هذه المنطقة، وهذه التحديات تشكل جوهر المعادلات والتوازنات الجديدة، وبالتالي تجعل من الصعب مقاربة الأزمة الحالية عبر معايير مستمدّة من ماضي علاقات البلدين، وموقعهما في المعادلة السائدة على مستوى المنطقة التي تحتضن الصراع العربي- «الإسرائيلي».
وأهمّ ما يميّز هذه الأزمة هو افتراق المصالح بين الولايات المتحدة و»إسرائيل»، على الأقلّ مع جناح من المؤسسة الصهيونية الحاكمة في فلسطين المحتلة. فمصلحة الولايات المتحدة تقوم بالتوصل إلى تسوية في الملف النووي الإيراني، في حين أنّ مصلحة نتنياهو، هو ومن معه، في توريط الولايات المتحدة في حرب ثالثة في المنطقة، أو على الأقلّ إبقاء الأزمة مفتوحة مع إيران مع ما يترتّب عليها من توسع للنفوذ الإيراني على حساب المصالح الأميركية.
وهذا العامل سيكون له في المستقبل تأثير كبير في تناسل وتصاعد الأزمات بين واشنطن وتل أبيب.