«بالتساوي» لخليل الرزّ … رواية الأنثى المظلومة والظالم المقموع
كتب عمّار المأمون: الاغتراب داء يصيب المجتمعات المعاصرة، يبتعد فيه الإنسان عن ذاته ويضيع ضمن بنى اجتماعية وأدوار مفروضة عليه مسبقاً، الكاتب السوري خليل الرّز يرسم في روايته الجديدة «بالتساوي»، الصادرة لدى دار «الآداب» 2014 ، حياة شخصين، عبدالهادي وسميع ضمن مدينة الكل فيها عابرون وعشوائيون.
عبدالهادي ابن أحد التجار يُفرض عليه منذ ولادته كيف ستكون حياته، عليه أن يدرس الصيدلة ثم أن يتزوج من بديعة. طفولته هي تلخيص لحالة طبقة كاملة من سكان دمشق أصحاب الأموال الذين يحافظون على مكانتهم هذه وفق تقاليد صارمة يعاقب من يقف في وجهها بالإبعاد، حياتهم راكدة لا حراك فيها، إلا أن عبدالهادي يقرّر التمرّد فيخرج على طاعة أبيه، فيدرس الأدب العربي ويسافر إلى بيروت لفترة وجيزة حيث يصرف نقود والده من دون أي مبرر، فقط للانتقام. الأب هو عقدة في سبيل الحصول على الاعتراف، الاعتراف العائلي الذي من دونه يخسر كل شيء.
يستقل عبدالهادي في حياته ويبقى على اتصال مع صديق طفولته سميع الذي يعيش في منزل عجوز تنكّد حياته، ويعمل موظفاً في مديرية إحياء التراث العربي. يلتزم بعمله ويشتهر بنزاهته ودقته، إلا أنه لا يرتقى وظيفياً، فالثبات هو ما يحكم حياته.
ليلة زواجه على رفيقة الطفولة بديعة يهرب عبدالهادي، ويدخل إلى «كاباريه» في دمشق فيقع في حب الراقصة التونسية أزهار، ويبدأ بعد ذلك رحلة طويلة من التلصص والتتبع لها ولفتاة أخرى، يهيم بها عبدالهادي ويحفظ تحرّكاتها، في حين أن سميع الذي كان معه في «الكاباريه» يتعرّض ليلتئذ لصدمة تغيّر أفكاره وقراراته كلّها بعدما تحرشت به غانية فليبينية.
كلٌّ من عبدالهادي وسميع يحاول الوقوف ضد السائد، الأول يعشق الراقصة ويتعّرض للضرب والسباب في سبيلها والآخر يكره صديقته «ابتسام» التي تركها للتفرّغ كاملاً لوظيفته.
الضحية أنثى
الأنثى تحكم الصراع دائماً. كبت جنسي مصاب به كلّ من عبدالهادي وسميع يُفرَّغ بالمراقبة والتلصص، ويأخذ شكل زيارة لأحد أوكار الدعارة مرة وينتهي بهما الأمر إلى الهرب والتعرض لفضيحة. الجنس يخنق الشخوص، ذو معادلات أخرى للتفريغ، مشوّهة تجعل الشخوص تهذي وتبتعد عن رغباتها لتضيع في عالم من الوهم والغرق في التفاصيل.
تقدّم الرواية نموذجين رئيسيين لامرأتين على طرفي نقيض، «بديعة» ابنة الأسرة والعادات والتقاليد، و«أزهار» التي هربت من تونس وعملت كراقصة في «كباريه»، كأن نتيجة الهرب هي الضلال والضياع. حكم مطلق يفرضه حتى عبدالهادي على «أزهار» بوصفها الضحية وهو المخلص. الأنثى مظلومة، محكومة بالمؤسسة والمجتمع والخطاب الذي يحدّد دورها.
الزمن في الرواية غير خطي، إذ يتداخل الماضي والحاضر والمستقبل لتكوين رؤية مشوشة لدى الشخوص لتعكس ما يمرّون به. كل شيء متصل، تراكمات من الحوادث تتداخل كاشفة عن عقلية الشخوص المصابة بالاغتراب، فأصوات الماضي والحاضر ترسم الحدث «الآن» والحدث «هناك» لتكثّفه، فتنسلّ العبارات متلاحقة لتربط الواقع بالمتخيّل، الظاهري بالأنطولوجي. الواقع مختلف عما تراه الشخوص. لكل منها واقعها المتفرد واللغة التي تميزها. تداخل السرد يقدم الحدث بوجهات نظر مختلفة تحمل اتجاهات أصحابها.
يرسم الرّز أبطاله بصورة العاجزين، فهم مكبلون دوماً، كل خطوة تحتاج إلى ساعات وأيام من المراجعة والتفكير. العنفوان محكوم بالشباب بوصفه طيشاً وينتهي بالفشل. أي مغامرة ستنتهي بالسقوط. الهاوية أو القاع هما معادلان اجتماعيان يتمثلان في الرفض والنكران، ورغم كل شيء، المدينة ومؤسساتها وطبقاتها الاجتماعية قادرة على احتواء كل شيء وتجييره لمصلحتها.