أوكازيون «الاعتدال» الأميركي في بازارات أردوغان
د. سليم حربا
ها هو موسم احتفالات الكذب والتكاذب يقترب في أول نيسان، وتستعد أميركا لافتتاح الموسم بكذبة القرن الواحد والعشرين المعارضة السورية المسلحة المعتدلة ، في إطار أوكازيون وتنزيلات على المصطلحات والمعنى ومواصفات ومقاس جلباب الاعتدال الأميركي الذي أخذ من «داعش» لونه، ومن «جبهة النصرة» مقاسه، ومن مسمّيات الإرهاب الأخرى أكمامه وأزراره، ليصبح ستاندرد يلبسه كلّ إرهابي تعويضاً عن عباءة الوهابي وقميص البغدادي والجولاني والقرضاوي. ويقدم العرض الأميركي إغراءات بأنّ من يرتدي ثوب الاعتدال سوف يتم تسليحه وتدريبه ورعايته وحمايته، والعرض لمدة مفتوحة في بازارات أردوغان ورياض الإرهاب ودوحته. وكعادته دائماً، يتحفنا العم سام بعبقريته وخبرته في تفكيك وتركيب الإرهاب الأصيل والمهجّن، فهو الذي أطلق على روّاد تنظيم القاعدة في أفغانستان لقب الجهاديين وهو الذي دافع عن جذر الإرهاب وكيانه الصهيوني عندما قال إنّ «إسرائيل» تدافع عن نفسها ضدّ الطفل الشهيد محمد الدرّة، وهو الذي أطلق «داعش» تحت مسمّى ثوّار الربيع العربي وطلاب الحريّة والديمقراطية، وهو الذي تغنّى بـ«الجيش الحر» وسلّحه حتى تورَّم وأصبح مع سلاحه وجبة دسمة لـ«داعش» و«النصرة»، وبعدها وقف على أطلاله ليبعث «جبهة ثوار سورية» وأتخمها بالأسلحة والذخيرة والمال فمالت إلى مشيمتها وتلاشت بين «داعش» و«النصرة»، بكلّ ما ملكت أيمانها من أسلحة ودعم أميركي. ثم تفتقت عبقريته الاعتدالية بدعم «حركة حزم» لتأتي بما لم يستطعه الأوائل وها هي تفرُّ بعزم لتبايع»الجبهة الشامية» وكتائب «ابن تيمية» الإرهابية في شمال حلب.
بعد كلّ هذا الإخفاق والبحث في سراب، تقول أميركا: وجدتها… إنها المعارضة السورية المعتدلة التي تلملم الفارّين والمهزومين من «داعش» و«النصرة»، وما احتوت مسمّيات وصفحات الإرهاب الصفراء والحمراء وأكلة لحوم البشر والذين فُلّت سواطيرهم من القتل إلى حمامات السلطان العثماني، علّ بابه العالي ومياهه الآسنة تَصلح لإجراء غسيل أموال وسلاح وجرائم وتاريخ أسود ليعودوا ويملأوا الأرض عدالة وتنمية، كإرهاب معتدل لم تسأم أميركا من محاولة تحويله من فانتازيا هوليودية إلى واقع على مبدأ»عنزة ولو طارت»، وتريد إقناعنا بفرض النظرية من دون برهان.
ولنا أن نسأل فيثاغورث المخابرات الأميركية وديكارت العثماني ولافوازيه الخليجي وشارلوك الصهيوني، كيف يستطيعون تحويل الوحوش إلى نعاج، واتباع أبي جهل وأبي لهب ونابشي القبور وآكلي لحوم البشر الذين ارتكبوا المجازر في حقّ التاريخ في الرقة وحلب والموصل، ليصبحوا عشّاق تمثال الحرية؟ وكيف لعبقرية الأميركي أن تنزع جينات طبعهم الإرهابي ليصبحوا «داعش» و«النصرة» خالية الدسم؟ لكنها على ما يبدو تأكيد على البديهي الأميركي بأنّ الاستراتيجية ثابتة والتكتيك والأدوات متغيرة، فأميركا لا يمكن أن تتخلى عن «داعش» المعجّل حتى يشتد عود «داعش» المؤجلّ كـ»جبهة النصرة» الموعودة والتي ترعاها مشيخة قطر، وهي أدنى من قاب قوسين لتعلن فكّ عقدها عن الأب الروحي لتنظيم القاعدة الظواهري، كمناورة اعتزال وإعلان اعتدال أميركي ـ «إسرائيلي» ـ إخونجي، بعد أن تحولت إلى ذراع تنظيم القاعدة في بلاد الشام وذراع أردوغان والكيان الصهيوني، لتحلّ محلّ «داعش» الذي بدأت نكباته البنيوية وأخذ عموده البشري والفقري بالتصدع، ويبقى قصر النظر وعمى البصيرة والحقد الأميركي يهيّئ ويترك الباب العالي مفتوحاً لـ«داعش» الموعود تحت مسمّى المعارضة السورية المعتدلة، وكأنه يقول للإرهاب في بازارات أردوغان: لا تدعوا الفرصة تفوتكم.
لكنّ رياح الميدان وكفّة الميزان الوطني والإقليمي والدولي، جاءت منذ أربع سنوات، وستبقى بما لا تشتهيه سفن الإرهاب والعدوان وستجد أميركا وأدواتها أنّ بضاعتها ردّت إليها، ومن يزرع الريح في مزارع الفضاء لن يحصد إلا الخيبة. وستجد أميركا نفسها بعد حين ولن يطول ذلك الحين أنها أمام حزم وعزم جديدين وإرهاب يمثّل معارضة إرهابية معتلّة وليست معتدلة، وقد نتفق مع أميركا على أنها تستطيع أن تدربها وتسلحها كما درّبت وسلّحت ما فات ومات، لكنها لن تستطيع أن تحميها.