انفجار العلاقات الدولية لم يعدْ بعيداً
د. وفيق ابراهيم
ليس بالضرورة أن يأخذ الانفجار المحتمل أشكال حروب كبرى وانهيارات، لكنه يعكس حال الانسداد السياسي الكامل في العلاقات الدولية، والأسباب كامنة في ما ترسمه الدوائر السياسية الأميركية على مستوى العالم بأسره من نصب أزمات، وتأسيس حروب صغيرة، وإثارة عداوات في غير منطقة، ومنع الدول من التوصل إلى تحالفات لا تتناسب مع مصالح الولايات المتحدة.
هكذا نفهم تجديد الرئيس الأميركي أوباما عقوبات بلاده على روسيا بسبب أزمة أوكرانيا عاماً جديداً، وضمن هذا الإطار نستوعب دفع البيت الأبيض بالعلاقات بين دول بحر الصين إلى المرحلة الأسوأ، احتراب شديد بين الكوريتين لأسباب غير حقيقية قد تكون معنوية الطابع. أهناك حروب حديثة لا تزال تندلع لأسباب معنوية ونفسية؟
يوجد ما بين اليابان وكوريا الشمالية ما صنع الحدّاد الأميركي وأكثر، تبادل تهديدات قد تدفع في لحظة واحدة إلى حروب حقيقية، وكذلك الصراع بين اليابان وروسيا على مجموعة جزر الكوريل المندلع منذ الحرب العالمية الثانية، والعلاقات بين اليابان والصين على كفّ العفريت الأميركي.
وبالاستنتاج، فإنّ الرابح الوحيد في بحر الصين هو الأميركي الذي يواصل اعتقال اليابان منذ الحرب العالمية الثانية، ويضعها في وجه الصين، ويقمع كوريا الشمالية بكوريا الجنوبية، ويقفل منافذ روسيا بحقد ياباني كان يفترض أن يوجه سهامه إلى أميركا التي قصفت اليابان بقنبلتين نوويتين في الحرب الثانية. وتعرقل واشنطن تحرك روسيا بإقفال الدرب الأوكراني في وجهها، وتسعى إلى إلهاء الصين وروسيا بنصب أزمات في بحر الصين والقوقاز وأوروبا الشرقية، أزمات غير قابلة للحلّ بسبب التسعير الأميركي المتواصل.
أما أخبث حركات الدوائر السياسية الأميركية، فهو ما تفعله على مستوى الخليج، تعقد اتفاقاً أولياً مع إيران، ولكي تمرّره وفقاً لأهدافها الاستراتيجية البعيدة المدى، أرسلت وزير خارجيتها كيري ليسوقه في شبه جزيرة العرب. ويتبين أنّ كيري قال لأعراب الجزيرة إنّ إيران بلدٌ سيئ جداً وسيتم ضبطها بوسيلتين: الاتفاق النووي الذي سيلجم إمكانية صناعتها لقنبلة نووية، والاتفاقات العسكرية الضامنة الموقعة بين بلدان الخليج وأميركا وأهمها معاهدة كوينس 1945 مع السعودية السارية حتى 2065 فقط. وهكذا يتضح أنّ السياسة الأميركية تواصل استخدام الفزاعة الإيرانية كوسيلة لضبط بدو الخليج ضمن الدائرة الأميركية، من دون أن يسيء هذا الضبط إلى الانفتاح الأميركي على إيران. فلواشنطن مصالح جيوسياسية واقتصادية قد تظهر في وقت قريب مع طهران، لعلّ أقلها محاولة أميركية لتحييد إيران في حركة صراعها مع الصين وروسيا وكسر الصعود الإيراني.
لجهة تحركات واشنطن في سورية والعراق، فإنها لن تؤدي إلا إلى تفجير كبير في العلاقات الدولية. فكيف تمنع أميركا الغارات الجوية لتحالفها الدولي عن الجيش العراقي وطلائع الحشد الشعبي الذي بدأوا حرب تحرير محافظتي صلاح الدين والموصل وتشنُّ غارات على حدود المناطق الكردية فقط؟ وسرعان ما تسرب معلومات تفيد بأنّ الجيش العراقي لم يحرّر أكثر من واحد في المئة من الأراضي التي استولى عليها «داعش» في العراق؟
وفي حركة أكثر خبثاً، تدفع أميركا العرب إلى إنشاء تحالف تسميه «سنياً» بين مصر والسعودية وتركيا، وتهنئ إيران على مشاركتها في الهجوم مع الجيش العراقي على مناطق يقول الإعلام الأميركي إنها مناطق السنّة، مواصلاً معزوفة إثارة الخلافات السنية ـ الشيعية.
أما الأكثر طرافة واستغباء لشعوب العالم الثالث، فهو ما صرّح به رئيس أركان الجيوش الأميركية دمبسي الذي أعلن أنّ القوات الأميركية ستؤمّن حماية للمعارضة السورية المعتدلة التي تدربها، وهذه الحماية هي ضمن مناطق العمل السورية للمعارضة. فإذا بنا ندرب معارضة لتحارب الإرهاب في سورية، ونذهب معها لنحميها مما يعترضها في الداخل السوري، الأمر الذي يثير تساؤلاً كبيراً وهو التالي: لماذا ندربها إذا كنا نحن من سيؤمن حمايتها؟ ولماذا لا نذهب مباشرة من دون تدريبها؟ أهي محاولة التفافية لاحتلال سورية بعلم معارضة نزعم أنها سورية؟
أيعتقد الأميركيون أنّ السوريين أغبياء إلى هذه الدرجة حتى يصدقوا خرافة التدريب والحماية والمواكبة؟ أم أنّ ما يجري هو استرضاء لتركيا؟
ولم يتأخر الردّ الروسي الذي أعلن رفضه لكلّ تدخل لحماية المعارضة في سورية أو نصب خطر جوي فوق أراضيها. وهي إجابة تشبه في اللغات الديبلوماسية شكل الإنذار الصريح. ألم تؤدِّ منطقة الحظر الجوي الأميركية في العراق إلى تقوية الإقليم الكردي وفرط دولة العراق؟ ماذا فعل التدخل الأميركي في أوروبا الشرقية؟ وهل نجحت قواته في إبادة طالبان أو القاعدة في أفغانستان؟
لمجمل المذكور ونتيجة للتصلب الأميركي في السياسات الرعناء، تتجه العلاقات الدولية إلى مزيد من الانحدار السريع بين محاور متعدّدة، قد لا تدفع باتجاه حروب كونية، لكنها تؤسس لحروب إقليمية وداخلية ترعاها المخابرات الأميركية بمساعدة المال الخليجي والقراءات الشيطانية لإسلام بريء منها.
إنّ وقف الانحدار السريع للعلاقات الدولية رهن بخلق توازنات جديدة تسعى إليها روسيا وحلفاؤها، وسورية هي الموقع المساعد لهذه التوازنات بسبب صمودها البطولي في وجه التآمر الدولي.
ويخشى المراقبون أن يؤدّي هذا الانسداد إلى تدمير المؤسّسات الدولية، وأن تشقّ مؤسسات محاور دولية متناقضة ترث الخلاف الأميركي مع الاتحاد السوفياتي.