آلهة الأوليمب
كتب محمد زكريا توفيق: تبيّن الأساطير الإغريقية والرومانية، بصفة عامة تطور الفكر والعواطف الإنسانية منذ الأزمنة الغابرة، فمن خلالها يمكننا تتبع الدروب التي سلكها الإنسان مذ كان يعيش في حضن الطبيعة، حتى ابتعاده عنها تماماً.
الأساطير حقيقة تقودنا إلى زمن مضى كانت الناس فيه على سجيتهم يعيشون قريباً من تراب الأرض وأشجارها وزهورها ومياهها وصخورها وتلالها. والبعد عن الطبيعة هو السبب الحقيقي لشقائنا اليوم.
زمن كتبت فيه الأساطير لم يكن ثمة فرق بين الحقيقة والخيال. كان الخيال زاهياً، ناصعاً، مبهراً، لا تعكر صفوه قسوة المنطق وتداخل المعايير العقلانية. لذا يمكن لمن يسير بين أشجار الغابة رؤية الحوريات، تطير من غصن إلى غصن، فرادى أو جماعات. ثم تميل إلى النبع لتشرب. فينعكس ضياء وجوهها على السطح، بدوراً منيرة جميلة.
العودة إلى الماضي بهجة كل كاتب أو شاعر يتلمّس الأساطير الكلاسيكية. في الزمن السحيق، كان الرجل البدائي يرى بروتيوس، عجوز البحر وهو يشرق من الماء أو يسمع صوت نفير ترايتون. ومن خلال الأساطير، يمكننا أن نلمح شيئاً من هذا العالم الرائع. لكن الإنسان البدائيما كان يشعر بالجمال الذي نشعر به إزاء الأساطير. كان يرى من خلالها صور الرعب التي تقطن جوف الغابات المعتمة. لم يكن يرى حوريات الماء والجنيات فحسب. الرعب ساكن هناك، ومن الرعب والخوف يتولد السحر، خط دفاعنا الأول ضد الشر. ومن السحر أتى تقديم الأضاحي لتجنب غضب الرب. لكن الأساطير الكلاسيكية أمر مختلف.
عاش، الإغريق في البداية حياة متوحشة قاسية. ومع ذلك، تبين أساطيرهم أنهم تفوقوا على ظروفهم الصعبة. بعض الأساطير يمكن إرجاعها إلى هذا الزمن البعيد. لا نعرف متى بدأت تلك الأساطير ومتى تطورت إلى صيغتها الحالية. لكنها في وضعها الراهن، جاءت عن طريق شعراء عظام. أول ما كتب فيها عن الإغريق ورد في ملحمة الإلياذة. الأساطير الإغريقية تبدأ بهوميروس الذي يعتقد أنه ظهر منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد. تحتوي الإلياذة على أقدم الأدبيات الإغريقية. كتبت بلغة ثرية، قوية، جميلة. لا بد أن قروناً عديدة سبقتها من الشوق إلى التعبير عن النفس بوضوح وجلال وجمال. تلك كانت بداية الحضارة الإنسانية. تلقي الأساطير الإغريقية كثيراً من الضوء على الإغريق القدامى، على ثقافة أسلافهم وفنونهم ونظام حكمهم. لكن كيف حصلت المعجزة الإغريقية؟ لا أحد يعرف. ما نعرفه أنه عالم جديد ولد مع ميلاد الحضارة الإغريقية.
مع الحضارة الإغريقية أضحى الإنسان مركز العالم وأهم ما فيه. حتى الآلهة بات لها شكل الإنسان، متمعة بالكثير من طباعه وخصاله وعظمته ومثالبه.
لا يعتقد الإغريق أن الآلهة هي التي خلقت الكون. العكس هو الصحيح، الكون هو الذي خلق الآلهة. قبل أن توجد الآلهة تكونت السماء والأرض. هما أول الآلهة. من تزاوج السماء والأرض جاء التيتان. ومن التيتان جاء باقي الآلهة.
التيتان يسمون الآلهة القدماء. كانت أحجامهم ضخمة وقوتهم خارقة. كانوا يوجدون بكثرة، لكن القليل منهم ظهر في الأساطير. أهمهم كرونوس، أو ساتورن لدى الرومان، أو زحل لدى العرب.
كان كرونوس ملك التيتان حتى اننزع ابنه زيوس الحكم منه لنفسه. يقول الرومان إن كرونوس فر هارباً إلى إيطاليا وجعلها تشهد عصراً ذهبياً. تميّز بالسلام والسعادة طوال مدة حكمه.
تيتان آخر هو أوقيانوس، نصف إنسان ونصف سمكة. وهو إله النهر الذي يحيط بالأرض. زوجته هي تيتيس. ومن التيتان أيضاً هيبيريون، أبو الشمس والقمر والفجر. كذلك، ميموسين، ويعني اسمه الذاكرة. أيضاً تيميس، وأيابيتوس أبو أطلس الذي يحمل الأرض على كتفيه، وبروميثيوس منقذ البشرية ومهديها النار والحضارة.
هؤلاء فحسب، بين الآلهة التيتان، هم الذين لم يقع عليهم غضب زيوس بسبب وقوفهم في صف أبيه أثناء حربه ضده. لكنهم يحتلون منزلة أقل من آلهة الأوليمب. آلهة الأوليمب الاثنا عشر العظام الذين يحكمون العالم هم:
1 – زيوس جوبيتر ، رئيس الآلهة.
2 – بوسيدون نيبتون ، شقيق زيوس.
3 – هاديس بلوتو ، شقيق زيوس.
4 – هيستيا فيستا ، شقيقة زيوس.
5 – هيرا جونو ، زوجة زيوس وشقيقته.
6 – آريس مارس ، ابن زيوس وآريس.
7 – أثينا مينيرفا ، ابنة زيوس.
8 – أبولو، ابن زيوس.
9 – أفروديت فينوس ، ابنة زيوس.
10 – هيرميس عطارد ، ابن زيوس
11 – أرتيميس ديانا ، ابنة زيوس.
12 – هيفاستوس فولكان ، ابن زيوس في بعض الأقوال .
آلهة الأوليمب الاثنا عشر هم المجلس الأعلى للآلهة. هم الذين خلفوا الآلهة القديمة، التيتان، في الحكم. يسمون آلهة الأوليمب، لأن قمة جبل الأوليمب هي موطنهم، أو كما ورد في الإلياذة، مكان أعلى من قمم كل الجبال.
جاء في شعر هوميروس أن بوسيدون يحكم البحر، وهاديس يحكم العالم السفلي، عالم الأموات. أما زيوس فهو إله السماوات. ثمة بوابة كبيرة في المدخل بين السحاب إلى الأوليمب موطن الآلهة حيث تعيش وتنام وتتغذى على طعام شهي خاص للآلهة ورحيق الأزهار، وتشنف آذانها بالموسيقى، يعزفها لها الإله أبولو على قيثارته.
مكان كامل، مبارك، حيث لا ريح ولا أمطار أو ثلوج، على ما يقول هوميروس، يمكن أن تعكر صفو الصحبة والهدوء المقدس. ولم لا، وزيوس هو إله السماوات والمطر والسحاب والبرق والرعد. هو ملك الآلهة وقوته تعادل قوة الآلهة مجتمعة. يقول في الإلياذة، لأفراد عائلته: «أنا أقوى منكم جميعاً. جربوني لكي تتأكدوا. اربطوا السماء بحبل من الذهب وامسكوه جميعاً، وحاولوا جذب زيوس إلى أسفل. لن تستطيعوا. لكنني أستطيع جذبكم جميعاً إلى أسفل لو أردت. وإذا ربطت الحبل في قمة الأوليمب، فإنني أستطيع تعليق كل شيء في الهواء، الأرض والماء أيضاً».
رغم قوة زيوس هذه، إلاّ أنه غير قادر على كل شيء، ولا عالم بكل شيء. يمكن معارضته وخداعه. بوسيدون، إله البحار، غافله في الإلياذة، وكذلك زوجته هيرا. في بعض الأحيان يكون القدر أعظم منه.
نقع في شعر هوميروس على هيرا، زوجته، تتساءل بسخرية عما إذا كان يستطيع أن ينقذ رجلاً حكم عليه القدر بالموت. ويظهر في الأساطير عاشقاً فلاتي ومغرماً بالنساء الجميلات.
امرأة تلو امرأة حتى بلغن الخمسين. كان يذل نفسه في سبيل شهواته، ويلجأ إلى مختلف الحيل والألاعيب الدنيئة كي يخفي مغامراته النسائية عن زوجته هيرا. ومع ذلك، يبدو في الأساطير القديمة عظيماً مهاباً.
في الإلياذة، نرى أغاممنون متوجهاً إليه بهذا الدعاء: «زيوس، أيها العظيم المجيد. يا إله العواصف والسحاب. يا إله السماوات».
كان زيوس يطلب من عبيده ليس تقديم القرابين فحسب، بل كذلك السلوك القويم. أفراد جيش الإغريق في طروادة كان يقال لهم إن زيوس لا يساعد الكذابين أو الذين يحنثون بوعودهم.
نظرة السخرية من سلوك زيوس إلى جانب نظرة التبجيل والاحترام كانتا تسيران جنباً إلى جنب لقرون عديدة. طائره هو النسر، وشجرته هي شجرة السنديان.