مرحلة انعدام الخيارات

وليد زيتوني

يبدو أنّ الولايات المتحدة الأميركية مصمّمة، من ضمن مشروعها الأساس على الدخول في هذه المرحلة إلى جنوب روسيا وغرب الصين. وطبعاً ستكون منطقة شرق المتوسط وعمقها البري، المسرح الطبيعي لحراكها السياسي والأمني. فهي تناور على كلّ المحاور الإقليمية للوصول إلى هذا الهدف مهما ارتفعت كلفته ضمن الهوامش المتاحة في تخطيطها الجيواستراتيجي.

يجب بداية التوضيح بأنّ ما هو تكتيكي أو عملاني على المستوى العالمي وبالتحديد للدول الكبرى، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأميركية وغيرها، هو بالضرورة استراتيجي على المستوى المحلي والإقليمي. فالمشروع الاستراتيجي الأميركي مسرحه الكرة الأرضية برمّتها، حين تتناول المشاريع المناطقية الإقليم الجغروسياسي المحيط. فالمشروع الإقليمي يجب أن يأخذ في الاعتبار حدود وهوامش الحركة المتاحة للمشاريع الكونية إضافة إلى الإمكانات الذاتية الثابتة منها والمتبدّلة. من هنا تأتي الخيارات المتاحة للمشاريع الإقليمية وبالتأكيد استناداً إلى حركة مخططات الدول الكبرى. هذه الخيارات قد تصل في حالات توازن القوى إلى اللعب على تناقضات المصالح والمشاريع الكونية لتحقيق الأهداف المحلية.

من خلال هذا العرض الموجز يمكننا تحديد مواقف الدول الإقليمية أو الساعية لأن تكون دولاً إقليمية معترفاً بها دولياً. وبالتالي رصد حركتها على ضوء تقدم المشروع الأميركي أو تراجعه أمام الدول الكبرى الممانعة كروسيا والصين.

على قاعدة هذا الواقع يمكن تصنيف سلسلة المشاريع الجيوسياسية المعتمدة إما من دول قومية كإيران وتركيا، أو دول جاذبة على مستوى العالم العربي كالسعودية أو مصر بعد تراجع قوة جذب الدول المركزية المشرقية كسورية والعراق نتيجة الأحداث الدائرة على أراضيهما. طبعاً لن نصنّف دولة العدو الصهيوني لأنها جزء من المشروع الأميركي باستثناء بعض الأدوار المطلوب أميركياً أن تلعبها على الأقلّ في المرحلة الراهنة.

يبدو أنّ الملف النووي الإيراني كعنوان فعلي لمشروع إيران الجيوبولتيكي ودورها على امتداد المنطقة بغضّ النظر عن المحادثات التقنية التي تدور مع دول 5+1. فالاتفاق المزمع عقده ليس أكثر من أحد الخيارات المتاحة لإيران لتثبيت موقعها الإقليمي، وفي الوقت نفسه خيار يسمح للولايات المتحدة بإزاحة أحد العوائق الأساسية أمام مشروعها العالمي. غير أنّ هذا الاتفاق أثار حفيظة كلّ من تركيا الساعية بدورها إلى مشروع الخلافة العثملي، وبالطبع السعودية التي تعمل جاهدة على الإبقاء على حصرية الاعتماد الأميركي ولو الشكلي لدورها في العالم العربي. قد ظهر جلياً هذا الانزعاج أولاً في كلام وزير خارجية السعودية سعود الفيصل بأنّ إيران تسيطر على أربع عواصم عربية. وهو ترداد لما قاله نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس الأميركي. وثانياً محاولة الالتفاف بترطيب الأجواء مع تركيا وقطر كنسخة تركية خليجية.

إنّ اشتباك هذه المشاريع على أرض سورية الطبيعية أو الهلال الخصيب، والمحاولات المتكرّرة لتغييب دور دولها وإشغالها بالحرب الداخلية أفقدت هذه الدول، وبخاصة سورية والعراق، قدرتها على الخيارات وبالتالي اللعب على هوامش المشاريع الأخرى لتحقيق مشاريعها الذاتية. لقد أصبح الخيار الوحيد المتاح أمام هذه الدول هو محاربة ما يُسمّى بالإرهاب المتمثل بالحركات التكفيرية المصنّعة في دوائر الاستخبارات الأميركية والمؤدلجة بالفكر الوهابي السعودي، والمشغّلة من قبل الدولة التركية الأردوغانية، والمموّلة من قبل دول الخليج. لم يعد في إمكاننا على الأقلّ في المستقبل القريب وحتى المتوسط استعادة مشروع البحار الأربعة، والسيطرة على طريق الحرير، دمشق/ بكين. ولا فتح خط سكة الحديد بغداد/ برلين.

الخيار الوحيد المتاح أمامنا القتال ثمّ القتال للانتصار في معركة البقاء والوجود ومن ثمّ الانتقال إلى مرحلة البناء والإعمار الجديد للبشر والحجر.

نحن بالفعل رأس الحربة في الحرب القائمة ليس فقط لضمان استقلالنا وحريتنا، بل إننا نقاتل نيابة عن العالم الذي يستهدفه الأميركي ومنظومة النهب العالمية المواكبة له.

إنّ وحدة الموقف هي ضرورة لدول الهلال الخصيب كي تعيد لها قدرتها وحيويتها بين أمم العالم في حرب تنازع البقاء.

عميد ركن متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى