فرنسا: لست بحاجة إلى إذن مغادرة!
عامر نعيم الياس
قدّم وزير الداخلية الفرنسي برنارد كازونوف استراتيجية متكاملة لمحاربة الفكر المتطرّف و«شبكات الجهاديين» الفرنسيين وذلك خلال جلسة مجلس الوزاء الفرنسي في الثالث والعشرين من الشهر الجاري. خطّة بدأت فيها حكومة مانويل فالس لمواجهة تردّي شعبية الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على الصعيد الداخلي، والذي شكّلت سياسته السوريّة أحد مسبّباته، فضلاً عن الخطر الداهم الذي بات يشكله ملف «الجهاديين الأوروبيين» على الدول الأوروبية في ضوء الهجوم الذي يشنّه الجيش العربي السوري على أكثر من محور، ونجاح مبادرات المصالحة مع المسلحين السوريين في أكثر من منطقة، ما أدّى إلى فرز المقاتلين الأجانب ووضعهم في مواجهة خيارين: إما المواجهة والموت، أو العودة من حيث أتوا.
تقول صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية إن الاستراتيجية الجديدة تقوم على ثالوث «الردع، المنع، العقاب»، أما «لوموند» فتقول إنها حصلت على وثائق من اجتماع ترأسه الرئيس هولاند في كانون الأول من عام 2013 بموجبها نرى ثالوثاً آخر «التعليم، الرقابة، الوقاية من التطرّف الإسلامي»، لكن بين الثالوثين الإعلاميين، هل من حقيقة ثابتة ناظمة لتوجه الدولة الفرنسية التي يقودها الاشتراكي هولاند؟
الحقيقة الواضحة في الملف السوري تحديداً، والتي لا تقبل الجدل، تتمثل في انخراط هولاند المستمر وتموضعه على يمين الإدارة الأميركية في ما يتعلق بالحرب على الدولة السورية، لكن التفاصيل التي تتضح يوماً بعد يوم، تبرز هذه الحقيقة بمختلف تفاصيلها والتي لا يزال الكثير منها متروكاً للوقت وتطورات الوقائع على الأرض.
صحيفة «لوموند» كشفت في أحد تقاريرها بعنوان «في الواقع من المفيد العودة إلى العمل بإذن المغادرة» أن الحكومة الفرنسية أصدرت في «تشرين الثاني من عام 2012 تعميماً وزارياً ألغي بموجبه بند ضرورة منح إذن سفر إلى خارج البلاد، خصوصاً للمراهقين الذين أصبح بمقدورهم مغادرة البلاد من دون الحصول على موافقة ذويهم» وفي حالة تركيا «جواز السفر غير ضروري إذ يكتفى ببطاقة الهوية».
اليوم، يعود هذا الملف إلى واجهة اهتمام الغرب، فالشرطة البريطانية تريد مخاطبة «النساء من ذوي الجهاديين» لمنعهم من الذهاب إلى سورية، أما الفرنسيون فيرسمون الاستراتيجيات المركبة، فيما القرار مختلف، فلماذا ألغي بند «إذن المغادرة» بتعميم وزاري وفي ذروة الإنكار الغربي لوجود إرهابيين في سورية أو «مقاتلين أجانب» بحسب مصطلحهم الرسمي؟ ما هو الرابط بين قرارات «حكومية رسمية» من هذا النوع وبين الهجوم الغربي الشرس على سورية بين عامي 2012 و2013؟ ولماذا يكشف اليوم عن هذا الأمر، هل نفد الوقت المحدد لقلب الدولة في سورية أم أن الأمور خرجت عن نطاق السيطرة؟
صمدت الدولة السورية فأثير الملف، نفد الوقت فأصبح من الضروري معالجة ملف «الجهاديين الأوروبيين»، الانتخابات الرئاسية السورية ستجري، فلا ضير من صوغ استراتيجيات وقوانين جاهزة للتفعيل في الوقت المناسب، لكن ليس الآن، فحتى هذه اللحظة لا قيمة للبحث في قوانين تستهدف «شبكات تجنيد الجهاديين الغربيين من الدول الأوروبية باتجاه سورية» في الوقت الذي تبقى فيه الشبكة الأساسية خارج إطار المساءلة، شبكة يحميها القانون لأنها تقترحه وتصوغه وتقرّه، ثمّ تلغيه ببساطة كالتعميم الذي أصدرته الحكومة الفرنسية نهاية عام 2012 لتشريع أبواب الذهاب إلى سورية من دون موافقة من أي أحد، قرار ما زال ساري المفعول حتى اللحظة بانتظار قرار مضاد لا استراتيجيات، فالإرهابيون الأوروبيون يشكلون «18 في المئة من مجمل المقاتلين الأجانب في سورية، نسبة ازدادت بين شهري تشرين الثاني وكانون الأول من عام 2013» بحسب المركز الدولي لدراسات التطرّف.
كاتب سوري