يحيى القدور المرعبي القوميّ سليل الباكويّة والإقطاع

لبيب ناصيف

عرفت عكار الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ الثلاثينات، وعرفت قراه تباعاً، وبينها الحاكور، حلبا، جبرائيل، عدبل، رحبة، جديدة القيطع، الحصنية، تكريت وغيرها، حضوراً قومياً اجتماعياً لافتاً، وبرز منها رفقاء نذكر الراحلين منهم الأمناء: ابرهيم حنا الخوري، ميشال الدورة، وليم بحليس، خليل دياب، مطانيوس جريج، حسن عز الدين، أحمد هاشم، والرفقاء ابرهيم حبيب طنوس، نقولا داود، بدر خنيزير، حميد دياب، غازي طالب، وغيرهم ممن يصعب تعداد أسمائهم.

بينهم أيضاً الرفيق يحيى القدور المرعبي، الذي آثر أن يتخلى عن لقب الباكوية الموروث أباً عن جد، عن أراضيه وكانت وفيرة، ليعيل نفسه وعائلته، متمكناً من الاستمرار في نضاله الحزبي ناظراً للتدريب، ثم ناموساً ومنفذاً عاماً في كل من طرابلس وعكار، وإذ غادر الى البرازيل تحت ضغط وضعه الاقتصادي، تولى مسؤوليات ناموس منفذية، وناموس مندوبية مركزية، ومدير لمديرية سان باولو. مستمراً على نشاطه وتفانيه وتلبيته لكل واجب حزبي.

ولد الرفيق يحي القدور عام 1925. انتمى الى الحزب في 13/01/1952 ومنذ ذلك الحين لم يعرف هرباً من واجب أو قعوداً عن النشاط الحزبي في أحلك الظروف، ومنها مشاركته في معركة «عدبل» عام 1958 وتعرضه للإصابة.

لم يخضع الرفيق يحيى لإغراءات عائلته، ولم يضعف، وقد ضاقت أحواله المادية وباع أملاكه، ولو قبلت عقيلته السيدة سلوى أن تبيع منزلهما في طرابلس، وكان سجّله باسمها، لما رجعت بعد وفاته لتستقر فيه وقد أمست في مرحلة الشيخوخة.

عرفت الرفيق يحيى القدور ورافقت في مسؤولياته في الوطن، ثم في البرازيل عندما استقر فيها وتولى مسؤوليات. فيها كلها كان الرفيق الذي يفقه أصول الحزب وقواعده، نظامياً بامتياز، يملك إطلالةً بهية وقامة عملاقة، مؤسّسياً في جميع تصرفاته، ومؤمناً بالقضية السورية القومية الاجتماعية بشكل مطلق. ولا مرة ضعف إيمانه أو خفت صوته المجلجل دفاعاً عن الحزب وعقيدته. كان يلبي كل واجب، يحترم رفقاءه ومواطنيه ويفرض على الجميع أن يحترموه، فهو لا يتصرف خارج قواعد الأخلاق والدماثة واحترام الذات.

وفاته:

وافت المنية الرفيق يحيى القدور في 15/11/2000 عن عمر يناهز 75 عاماً ونعاه الحزب، ونشرت مجلة «البناء ــ صباح الخير» في عددها عن شهر تشرين الأول 2000 أن عميد العمل الرفيق إميل عبود الأمين لاحقاً ، والأمناء خليل دياب وحسن عز الدين ويوسف كفروني وأحمد هاشم ومطانيوس جريج والياس الخوري كانوا في استقبال المعزين، بالإضافة الى المنفذ العام الرفيق رياض نسيم 1 وأعضاء هيئة المنفذية. وأضافت أن عدداً كبيراً من النواب والشخصيات الاجتماعية والعسكرية والروحية ورؤساء البلديات والمخاتير، الى حشد كبير من القوميين الاجتماعيين والمواطنين، حضروا المأتم الحافل للرفيق يحي القدور، وألقى صديقه ورفيقه رؤوف نافع كلمة قال فيها:

« رفيقي في الطفولة، رفيقي في المدرسة ورفيقي على الدرب الطويل الشاق.

خمسون عاماً قضيناها معاً في الطريق الحق من أجل انتصار حق الأمة، خمسون عاماً قضيناها في العمل الوطني والقومي. واليوم أقف موقفاً صعباً للغاية أمام جسدك الذي ما عرفته إلا منتصباً ليؤدي تحية الأمة العظيمة بعنفوان الصلابة الوطنية وبكبرياء القومية الاجتماعية العظيمة. في كل مناسبة كنت تحرص كل الحرص على أداء الواجب القومي والوطني والاجتماعي غير عابئ بمرض ولا آبه لمعترض مهما كانت قوة هذا المعترض آنذاك. لقد انتميت، يا رفيقي، وانتمينا حقاً. يوم عزّ الانتماء على الرجال، يوم كان هذا الانتماء يقودنا الى سجن أو مقصلة أو فصل من وظيفة في أدنى المراحل. أقدمت يومها، يا رفيقي، واثقاً أنك تنتمي الى عقيدة تساوي وجودك، ومارست هذه المقولة الحق طيلة حياتك مضحياً وغير آبه بالصعاب والمشقات وغير طالب لنفسك ثمناً أو مكسباً. إنني اليوم يا رفيقي، إذ أحيي فيك نضالك لإعلاء كلمة الحق أقول: نم قرير العين بعد نضال طويل لانتصار قضية آمنت بها، وبها مؤمناً قضيت رغم ما اعترض كفاحك من عقبات عائلية وغير عائلية في الوطن وفي خارج الوطن، وإنني أحييّ فيك إخلاصك الذي استمر لنصف قرن جهاداً حقاً من أجل قضية عظمى تساوي وجودنا».

وفي العدد المذكور نشرتُ كلمة وفاء بالرفيق المناضل يحيى القدور، أوردت فيها الآتي:

« فقدت عكار والحزب السوري القومي الاجتماعي، الرفيق يحيى عبد الفتاح القدور المرعبي عن عمر ناهز الخمس والسبعين قضى ما يقارب الثلثين منه في العمل القومي الاجتماعي، إذ ان الرفيق يحيى ولد عام 1925 وانتمى الى الحزب في 13/1/1952 على يد الرفيقين حبيب أبو فاضل 3 واحمد العجم 4 وكان المنفذ العام الرفيق يوسف الحاج 5 . قبل انتمائه الى الحزب كان الرفيق يحيى من الناشطين مع «الإخوان المسلمين» ومن أشد أعداء الحزب، حتى أن استشهاد سعاده كان بالنسبة إليه فرحة العمر. وصدف أنه في العام 1950 وجد نسخة من سلسلة «النظام الجديد» في منزل ابن عمه فاروق فانكبّ على قراءتها، وكانت بداية الإيمان فالانتماء.

تولى الرفيق يحيى مسؤوليات حزبية عديدة منذ بعيد انتمائه الى الحزب، في الوطن كما في المهجر البرازيلي، بينها ناموس منفذية، ومنفذ عام في كل من عكار وطرابلس، وناموس منفذية البرازيل، وناموس المندوبية المركزية في البرازيل، ومدير مديرية سان باولو، أما أول مسؤولية تولاها فكانت مدير مديرية سعيد فخر الدين باب التبانة طرابلس .

إبان معركة عدبل المشهورة العام 1958 كان الرفيق يحيى القدور يتولى مسؤولية ناظر تدريب عكار، وبحكم مسؤوليته هذه تواجد في عدبل وقاد مع الأمين عبد الوهاب تركماني معركة الدفاع عنها في وجه جحافل «المقاومة الشعبية»، وفيها استبسل الرفقاء واستشهد منهم عقل دياب، جليل دياب شقيق الأمين خليل والرفيقين الشهيدين حنا وجبران دياب وحنا عيد.

وإن كان الرفيق يحيى سليل عائلة لها جذورها الاقطاعية في عكار، فهو كان قومياً اجتماعياً مناضلاً ضحى وأعطى وباع أملاكه، ولم يسجل يوماً أنه كان خارج دائرة الصراع القومي الاجتماعي، بل بقي مثالاً في النظامية وفي القيام بواجبات العضوية الملتزمة.

تخلى الرفيق يحيى عن «البكاوية» التي يفخر بها أقرباؤه، وواجههم بالإيمان القومي الاجتماعي منذ انتمائه الى الحزب، وخرج على طاعتهم أبان حوادث العام 1958 التي كان قائدها في عكار ابن عمه النائب حينذاك عبد الكريم القدور المرعبي، وفي سبيل إيمانه وعضويته في الحزب خسر الكثير، إنما ربح شيئاً كبيراً وكبيراً جدا،ً هو أنه كان قومياً اجتماعياً، وبقي وفياً للقسم.

وإذ يرحل الرفيق يحيى لينضم الى كوكبة الرفقاء الميامين الذين أضاؤوا في ظلمة ليل الأمة، إنما يستمر مقيماً في وجدان رفقائه وحزبه، خالداً بخلود هذا الحزب العظيم الذي سطّر في تاريخ الأمة قمماً من العطاء والنضال سيحكى عنها الكثير».

هوامش:

1 محام من بلدة رحبة، منح رتبة الأمانة، وهو حالياً عضو في المجلس الأعلى.

2 من الحاكور، مقيم في بلدة ماريبورا في ولاية سان باولو.

3 مصرفي معروف.

4 رفيق مناضل اضطرته ظروف حوادث عام 1958 إلى الانتقال الى بطرام حيث استقر فيها، منشئاً عائلة قومية اجتماعية، ومجسداً القسم في كامل حياته العائلية والحزبية.

5 من «دار بعشتار». تولى مسؤوليات حزبية في كل من الكويت ولبنان، شقيق الأمين ميشال الحاج المحكمة الحزبية العليا .

رئيس لجنة تاريخ الحزب

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى