حلم «يهودية الدولة» في ميزان الانتخابات «الإسرائيلية»…

سومر منير صالح

تقترب الانتخابات «الإسرائيلية» التي ستحسم معها قضية «يهودية الدولة» في «إسرائيل»، هذه القضية قد تعيد رسم خريطة الصراع العربيّ الصهيونيّ مجدداً، حال إقرار القانون في «إسرائيل»، لأنّ الإقرار في حدّ ذاته هو بداية إجراء الترانسفير القسري بحق شعبنا العربي الفلسطينيّ داخل الخط الأخضر عرب48 ، أيّ النكبة الثانية وعودة القضية الفلسطينية إلى نقطة الصفر… حيث شكل تحوّل فلسطين من كيانٍ مراقبٍ إلى دولةٍ مراقب غير عضو في منظمة الأمم المتحدة بتاريخ 29/11/2012 ضربةً لمشروع «يهودية الدولة الإسرائيليّة» من ناحيتي الحدود ومدينة القدس، فنسفت بذلك ركنين أساسيّين من أركان هذا المشروع بعد الاعتراف الأمميّ بفلسطين دولةً وفق حدود الرابع من حزيران عام 1967، كما شكل تزايد الاعتراف العالميّ وخصوصاً الأوروبيّ بالدّولة الفلسطينية وفق تلك الحدود هاجساً مؤرقاً لحكومة نتنياهو خوفاً من العزلة الدوليّة، دفع بها إلى سنّ تشريع «الدّولة القومية» في محاولة من نتنياهو لفرض «الطابع اليهوديّ لإسرائيل» في مواجه الاعتراف الدوليّ بدولة فلسطين… مما دفع به إلى محاولة إقرار قانون إعلان «إسرائيل دولة يهودية» في «الكنيست»، بعدما أقرّ بالأغلبية في جلسة الحكومة «الإسرائيلية» بتاريخ 23/11/2014، الأمر الذي أثار جدلاً حادّاً بين التيارات السّياسية والدينية في «إسرائيل»، وأفضى بتاريخ 2/12/2014 إلى عزل حزبي «هناك مستقبل» بزعامة وزير المالية يائير لابيد و«الحركة» بزعامة وزيرة العدل تسيبي ليفني من الحكومة، وشمل قرار العزل 4 وزراء من الحزبين إلى جانب لابيد وليفني، هذه الأزمة السياسية قادت إلى حلّ الكنيست لنفسه بتاريخ 8/12/2014 مفسحاً المجال أمام انتخابات مبكرة في آذار 2015…

هذه الانتخابات هي أزمة سياسية في الشكل وصراع جوهري على مدى «يهودية اسرائيل»، بين رؤيتين متناقضتين حول «هوية الدولة»، رؤية التيار المتديّن لـ«الدولة اليهودية» والتي تقوم على مبدأ الدولة الدّينية، بمعنى أنّ «الشريعة اليهودية ـ الهاخالا» هي بمثابة الدستور لهذه الدولة، وهو ما أكد عليه يائير لابيد في معرض تعليقه على مشروع قانون «اليهودية» في الحكومة حين قال: أنتم تريدون دولة شريعة ، بينما تقوم الرؤية العلمانية لـ«الدولة اليهودية» على مبدأ «دولة اليهود»، دون أن تعني تطبيقاً كاملاً لـ«الشريعة اليهودية» على جميع مناحي الحياة العامة…

انطلاقاً من ذلك تأتي أهمية هذه الانتخابات المبكرة، فهي من ستقرّر مستقبل «يهودية الدولة في إسرائيل» والتي حاول بنيامين نتينياهو التأثير عليها قبيل الانتخابات من خلال مجموعة من المعطيات السّياسية ومنها: إحياء خطاب اليمين واليسار في «إسرائيل» مجدداً، ودعوة يهود فرنسا للهجرة إلى «إسرائيل» إثر حادثة «شارلي إيبدو» ومتجر باريس 9/1/2015 ومقتل رهائن يهود، وشنّ عملياتٍ أمنيةٍ على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، واستهداف «حزب الله» في تلك العمليات، إضافةً إلى رفع نبرة الخطاب السّياسيّ ضدّ المشروع النوويّ الإيرانيّ والتلويح باحتمالات الردّ «الإسرائيليّ» على هذا المشروع بشكلٍ أحاديٍّ… .

هنا يمكن طرح ثلاث سيناريوات حول مستقبل قانون «الدولة اليهودية» انطلاقاً من النتائج المتوقعة للانتخابات:

السّيناريو الأول: إقرار مشروع القانون في «الكنيست «الإسرائيليّ»، وهذا السيناريو يفترض فوز تجمع الليكود واليمين المتطرف بأغلبية الأصوات في «الكنيست الإسرائيلي»، وقدرتهم على حشد الأعداد المطلوبة لإقراره، عبر تحالفٍ محتملٍ مع تيار «الحريديم» المتشدد، والتيارات الدينية مثل حزب «البيت اليهودي» بقيادة اليميني نفتالي بينيت، لإنجاح التصويت وليس بالضرورة تشكيل حكومةٍ ائتلافيةٍ نظراً إلى معارضة أفيغدور ليبرمان حكومة مشتركة مع «الحريديم»، وسترتب عليه إشكاليات جمّة في الداخل والخارج، وفي مقدّمها اندلاع انتفاضة فلسطينية داخل الخط الأخضر لتمتدّ إلى أرجاء فلسطين المحتلة كافة…

السّيناريو الثانيّ: «تجميد» طرح المشروع على الكنيست، ومردّه إلى أمرين إمّا عدم قدرة «الليكود» واليمين المتطرف على تحقيق أغلبيةٍ برلمانيةٍ في الكنيست، أو تحقيق أغلبيةٍ لازمةٍ لإقرار هذا القانون، مع إدراك قادة «الليكود» واليمين المتطرف لحجم التداعيات المحتملة لإقرار هذا القانون، بعد الجدل الدائر في «إسرائيل» وردّ الفعل الأوروبيّ غير المتوقع، وتوجه السلطة الفلسطينية إلى تبنّي خيارات أكثر حزماً تجاه «إسرائيل» كالانضمام إلى اتفاقية محكمة الجنايات الدوليّة والتوجه نحو التصعيد بما يشمل كلّ الاحتمالات ومنها احتمالات تعليق أو إيقاف التعاون الأمني مع «إسرائيل»، واحتمال حلّ السّلطة لنفسها وحدوث انتفاضةٍ فلسطينيةٍ ثالثة، الأمر الذي سيدفع بـ«الليكود» وحلفائه إلى «تجميد» طرح القانون على «الكنيست» دون إلغائه، بانتظار ظروفٍ أكثر ملاءمة.

السّيناريو الثالث: عدم إقرار مشروع القانون في «الكنيست»، وهذا السّيناريو ينطلق من قدرة التيارات العلمانية – اليسارية على تحقيق أغلبيةٍ برلمانيةٍ في «الكنيست الإسرائيليّ» عبر تحالف حزبي العمل – الحركة واستقطاب حزب يوجد مستقبل- يش عتيد ، أو تحقيق أغلبيةٍ مناهضةٍ لهذا القانون عبر ضمان تصويت حزب «كاديما» برئاسة شاؤول موفاز ضدّ مشروع القانون حال عرضه على «الكنيست»، وهذا السيناريو يتضمّن نجاحاً محتملاً للقوى اليسارية في الاستثمار الأمثل لحالة الإرهاق النفسيّ لدى «الإسرائيليين» والناتج عن تزايد مشاعر الخوف لديهم من مخاطر فتح الجبهة الشمالية، وتزايد حالة العزلة الدّولية على «إسرائيل» من قبل الدّول الحليفة لها خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، وتحميل سياسات نتنياهو المسؤولية عن ذلك.

وفي اعتقادي أنّ ردود الفعل الفلسطينية والدوليّة لطرح قانون «الدولة القومية»، وقدرة التيارات العلمانية على إقناع الناخب «الإسرائيليّ» بعدم جدوى إقرار القانون، إضافةً إلى التصعيد الفلسطينيّ داخل الخط الأخضر، متزامنٌ مع تصعيد في موقف الحكومة الفلسطينية والمتمثل بالاستمرار في سياسة الانضمام إلى المنظمات والاتفاقيات الدولية، وخصوصاً في المجال الإنسانيّ، والتهديد بإمكانية العودة إلى تبني استراتيجية حركات التحرّر الوطني كبديلٍ لسياسة المفاوضات، سيجعل السّيناريو الثاني أقرب إلى التطبيق من غيره، وبخلاف ذلك سيكون سيناريو الإقرار في «الكنيست» حاضراً، فنتنياهو ومن خلفه قادة اليمين و«الليكود» يدركون جيداً أنّ البيئة الإقليمية والدولية المحيطة بـ«إسرائيل» قد تغيّرت لصالح أجندات مكافحة الإرهاب الدوليّ المتنامي، والذي بدأ يطرق أبواب أوروبا، وصراع المصالح الدولية وشكل النسق الدوليّ الراهن، والاتجاه نحو حلٍّ سلميٍّ لقضية الملف النووي الإيراني، وأنّ تراجعاً قد حدث في مركزية القضية الفلسطينية في الإقليم العربي، نظراً لانشغاله بأحداث وتداعيات «الربيع العربيّ» والأولوية أصبحت لإعادة الاستقرار والمحافظة على السّلم الأهليّ في دول «الربيع العربي»، هذه المتغيّرات يمكن الاستفادة منها في إنهاء الخطر الديموغرافي العربي المتعاظم في الأراضي المحتلة عام 1948 في نظر نتينياهو، فتمرير القانون في «الكنيست» سيكون بأقلّ ردود فعلٍ ممكنة في هذه الظروف الإقليمية والدولية، وقد يتجه اليمين المتطرف في «إسرائيل» إلى اعتبار إقرار قانون «اليهودية» في مقابل الاتفاق النوويّ بين الغرب وإيران وتجاهل مصالح «إسرائيل» الأمنية، للتخفيف من حدة ردود الفعل الدولية حال الإقرار في الكنيست.

باحث بدرجة الدكتوراه دراسات سياسية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى