الاستثمار الأميركي للإرهاب طويل الأجل…
جمال رابعة
صرّح باراك أوباما الشهر الماضي في منتدى واشنطن لمكافحة التطرف العنيف، بأنّ الصراع القائم هو صراع ضدّ الإرهاب من أجل السلم.
وقال: إنّ حرب الأسد أدت إلى انتشار الإرهاب. بعد ذلك أطلّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري ليؤكد وجوب وضع استراتيجية موحَّدة لمواجهة الإرهاب. ومن هنا فإنّ الواقع الميداني يؤكد نفاق الإدارة الأميركية وعدم جديتها في القضاء على الإرهاب المتمثل بـ»داعش» و«النصرة» وإخوانهما، وما شهدناه من عمليات جوية قام بها التحالف، يشير إلى عدم توفر إرادة للنيل من القدرات العسكرية للعصابات الإرهابية في سورية والعراق، وإلا ماذا نقول، حيال معلومات كشفها مسؤولون ومراقبون بأنّ طائرات التحالف تنقل إلى «داعش» الأسلحة والمؤن، تحت حجج واهية بأنّ هناك خطأ فنياً ما قد وقع؟
من جهة أخرى، استطاعت إحدى نقاط المراقبة التابعة للجيش العراقي رصد هبوط طائرة مروحية حربية أميركية في أحد مواقع «داعش» وما أن بدأ الموقع يتعرض للقصف حتى غادرت الطائرة. فماذا يعني ذلك؟ وماذا تعني صفقة السلاح بين «داعش» ورومانيا، وهل هي بعيدة عن أنظار وإشراف الإدارة الأميركية؟
حسب مصادر أميركية، نفذ طيران التحالف أكثر من ألفي طلعة جوية، أطلق خلالها آلاف الأطنان من الذخيرة والصواريخ، ورغم ذلك لم يستطع التأثير
على القدرات الفعلية للتنظيمات الإرهابية، بينما شهدنا مفاعيل هذه الطلعات الجوية عندما كان القرار تدمير جيوش الدول، كما حصل في العراق وليبيا وأفغانستان.
جدير بالذكر، أنّ كوندوليزا رايس كانت صاحبة نظرية «الفوضى الخلاقة» التي نرى نتائجها في ليبيا وتونس ومصر والعراق، وصولاً إلى سورية التي تنتشر فيها كلّ أنواع التنظيمات الإرهابية التكفيرية.
وفي السياق ذاته، فإنّ قرار الإدارة الأميركية بتدريب 1200 مسلحاً ممّا يسمى معارضة معتدلة ليس أمراً جديداً، فالجديد في الموضوع هو الإعلان عنه صراحة، أما الحقيقة غير المعلنة فهي أنه، ومنذ بداية الحرب القذرة على الدولة السورية، كانت كلّ أشكال الدعم المالي واللوجيستي للعصابات التكفيرية حاضرة. وفي هذا الإطار، أكد الكاتب والمؤرخ الأميركي الشهير ويبستر تاربلي أنّ الولايات المتحدة الأميركية، لو شاءت، لقطعت عن «داعش» كلّ وسائل الاتصال على الشبكة العنكبوتية، معتبراً أنّ «داعش» هو الجيش السرّي لواشنطن في المنطقة، وأنّ الاستخبارات المركزية صنعته من خلال العلاقات العامة والتهويل. ولفت تاربلي إلى أنّ متزعم «داعش» المدعو أبو بكر البغدادي صديق حميم للسيناتور الأميركي جون ماكين، مشيراً إلى دور آل سعود من خلال الدعم الذي يقدمونه لـ «داعش»، عبر عبد الرحمن الفيصل، شقيق وزير الخارجية السعودي. وما يؤكد هذا الكلام هو ما قاله السيناتور الأميركي البارز كريس مورفي بأنّ أميركا ساهمت في إذكاء نار الحركات المتطرفة من خلال الحروب التي خاضتها في الشرق الأوسط. وكان السيناتور الجمهوري ريتشارد بير، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي، أكد أنّ السعودية وبعض حلفاء أميركا في الشرق الأوسط متورطون في عمليات تمويل الإرهاب، منذ تأسيس تنظيم «القاعدة»، محذراً من أنّ عدم مشاركة تلك الدول في شكل جدي وحقيقي في الحرب على الإرهاب ستكون له عواقب وخيمة. بالإضافة إلى ذلك، ماذا يُفهم من قول أوباما أنّ بلاده هي الأقوى في العالم وعلى الدول الأخرى الانصياع لإرادتها، وقد أعطى لنفسه ثلاثين عاماً للي ذراع «داعش»؟ فهل يمتلك التنظيم هذا الحجم من القوة العسكرية والتنظيمية؟
لقد حذرت الدولة السورية، وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد، منذ بداية هذه الحرب القذرة، من الإرهاب وتداعياته على المنطقة وعلى العالم، وقدم الرئيس الأسد نصائح للأميركيين قبيل غزو أفغانستان، بعد أن جاء وفد من الكونغرس للقائه في دمشق، حيث وضع الرئيس السوري جملة من النصائح بين أيدي الوفد مبيناً له «الفرق بين الانتقام من الإرهاب وبين معالجته ومكافحته». وقبل الحرب على العراق، وبعد أن وقف الحكام العرب إلى جانب الإدارة الأميركية، بقيت سورية وبقي الرئيس الأسد غير خاضعين للإدارة الأميركية ومشيئتها، وبقيت كلمات الرئيس الأسد شاهدة للتاريخ في مؤتمر القمة العربية عام 2003 في شرم الشيخ، حين قال في كلمته: «إنّ المستهدف ليس بلداً بعينه ولا نظام حكم بعينه ولا حاكماً بعينه، بل الأمة كلها، لجرِّها إلى حروب تفتتها على أساس عرقي وطائفي ومذهبي». وفي هذا الصدد، جاءت زيارة وليم بيرنز إلى دمشق ليسأل عن رأي سورية في الحرب على العراق، فجاءه الردّ بأنّ الحرب خطأ قاتل وأنّ واشنطن ستندم على خوضها، وأنّ المقاومة ستنطلق وسورية ستكون مع هذه المقاومة. وشرحت سورية خطورة الموقف من ظاهرة الإرهاب الذي سيتفشى في العراق ومنه إلى المنطقة، وربما إلى العالم، لكنّ الإدارة الأميركية لم تصغ إلى نصائح الدولة السورية وفعلت ما تريد، وفق استراتيجيتها، ما أدى إلى تجذر الإرهاب في المنطقة والذي صار خطراً على العالم وخصوصاً على الدول التي رعته وسهلت وصوله إلى سورية، وقد قال الرئيس الأسد منذ اليوم الأول: «إنّ سورية تمتلك مناعة الصمود، لكنّ اللعب مع وحش الإرهاب سيجلب الكارثة إلى العالم وسيكتشف الذي يريد تدمير سورية وإسقاطها أنه أول الضحايا».
إنّ ما تقوم به الإدارة الأميركية من تهويل وتخويف وإثارة للرعب من تنظيم «داعش»، الذي بنى نفسه وقوته الذاتية على أساس بثّ الخوف والرعب باستخدامه أساليب قتل وحشية، كالذبح وقطع الرؤوس والحرق، والتي تعبِّر عن فكر وثقافة التنظيمات التكفيرية، بقرار أميركي، ما هو إلا استثمار أميركي، ولأجل غير مسمّى، كما زعم الرئيس الأميركي عن معركة الثلاثين عاماً مع «داعش».
عضو مجلس الشعب السوري