ازدواجية «المستقبل» في النظرة إلى إيران
هتاف دهام
لا جديد تحت الشمس يحمله شهر آذار ولا معطيات جديدة على الصعيد الرئاسي. فمعركة رئاسة الجمهورية وكما بات معلوماً تتأثر بالتطورات الاقليمية والدولية أكثر مما تتأثر بالحوارات الداخلية التي استؤنفت بين تيار المستقبل وحزب الله، وبين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.
لم تشهد جلسة انتخاب الرئيس أمس أي تغيير يذكر، سوى أنها أرجئت الى يوم الخميس في الثاني من نيسان المقبل، بدلاً من الاربعاء الذي يصادف الأول منه يوم الكذب، لكي لا يتحوّل انتخاب الرئيس الى كذبة، بعدما تعوّد اللبنانيون على الفراغ.
الإخفاق العشرون في تأمين النصاب الذي لا يتعدّى 55 نائباً في كلّ جلسة، لن يكون الأخير. الجلسة الحادية والعشرون لن تضع حداً لفراغ بعبدا، بانتظار أن تعود رئاسة الجمهورية أولوية عند الدول الاقليمية والدولية المنهمكة في قضايا أخرى.
وإلى حين أن تدق ساعة ساحة النجمة، ومطرقة الرئيس نبيه بري ايذاناً بانتخاب الرئيس، فإنّ مصادر مطلعة في 14 آذار تشير لـ«البناء» الى «أنّ كلّ المعطيات الخارجية تؤكد أن الانتخابات الرئاسية ليست قريبة على رغم كلّ ما يُشاع من بشائر شهر آذار، وأنه علينا انتظار الاتفاق الإيراني – الأميركي، ليبنى على الشيء مقتضاه، بغض النظر عن أنّ الرهان قد لا يكون مضموناً».
لكن المصادر نفسها لفتت إلى أنّ رئيس الجمهورية في حال كان ثمرة التفاهم النووي الإيراني – الأميركي، فإنه سيصل وفق تسوية تقوم على التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي يتقاعد في أيلول المقبل، وعدم المسّ بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ووزير الداخلية نهاد المشنوق، انطلاقاً من أنّ الدول الغربية تولي اهتماماً كبيراً بـ«الثلاثة».
وعلى عكس ما يقال عن توافق إقليمي لانتخاب رئيس، تؤكد مصادر نيابية في 14 آذار لـ«البناء» أن لا رغبة سياسية غربية ولا تأييد شعبياً أوروبياً وأميركياً ولا قدرة مالية على الانغماس أكثر في قضايا الشرق الأوسط».
وتشير المصادر إلى تعيين البيت الأبيض روب مالي المدير الأقدم لمكتب إيران والعراق وسورية ودول الخليج في مجلس الأمن القومي مساعداً خاصاً للرئيس الأميركي باراك أوباما، ومنسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج بدلاً من سلفه فيليب غوردن، انطلاقاً من ان الملفات في المنطقة باتت مترابطة مع ملفات ايران والعراق والخليج.
بدأت قوى 14 آذار تشعر بالقلق من التقارب الايراني الأميركي، وتعتبر مصادرها أنّ الفراغ في المنطقة نتيجة الصراعات بين الدول العربية والخليج وانسحاب الغرب من مسؤولياته في الشرق الأوسط واكتفائه بمعالجة تداعيات الإرهاب، بدلاً من الاهتمام بالاستقرار والأمن، جعل من إيران لاعباً إقليمياً أساسياً».
ولفتت المصادر إلى حالة الركود عند الدول العربية، وشدّدت على «أنّ ايران نجحت في توسيع نفوذها تحت سقف محاربة الإرهاب، وتسأل أين الدول العربية؟ ولماذا لا تأخذ دوراً رائداً لمحاربة الارهابيين»؟
قراءة هذه المصادر لسياسة الجمهورية الاسلامية، تؤكد التباين بين أجنحة 14 آذار في اتجاه إيران أقله في الشكل، وهذا ما برز في ساحة النجمة أمس مع تجنّب نواب كتلة المستقبل عاطف مجدلاني، سيرج طورسركسيان وباسم الشاب، اعتلاء المنبر الى جانب النائب أحمد فتفت الذي خصّص مؤتمره للهجوم على الجمهورية الاسلامية منتقداً كلام السيد علي يونسي مستشار الرئيس الايراني حسن روحاني «بأن إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً»، في حين حاول النائب مجدلاني في حديثه باسم كتلة المستقبل تكرار اسم الكتلة أكثر من مرة وحصر كلامه بالفراغ الرئاسي»، وإشارته الى «أنّ تعطيل الديمقراطية التوافقية يهدّد النظام اللبناني من أساسه ويهدّد النظام البرلماني الديمقراطي كما يهدّد التوزيع الطائفي للرئاسات الثلاث».
ما حصل في مجلس النواب يؤكد وجود موقفين داخل الكتلة الزرقاء. موقف يعبّر عنه الرئيس سعد الحريري والذي ينعكس داخل جلسات الحوار مع حزب الله، والآخر يعبّر عنه الرئيس فؤاد السنيورة وفريقه المتشدّد، وهذا يظهر في بيانات كتلة المستقبل التي يترأسها الرئيس السنيورة والتي تتباين في شكل كبير مع ما يدور داخل صالون عين التينة، وما يمارسه السنيورة من مشاغبة على الخيار التفاوضي الذي يسير به الرئيس الحريري، والذي في الوقت نفسه لا يزال عاجزاً عن ضبط التصريحات النارية.
في حين أشارت مصادر داخل 14 آذار لـ«البناء» إلى «أنّ ما يجري ليس أكثر من توزيع أدوار، فالرئيس الحريري كان يظنّ أنه قد يحمل حزب الله إلى تغيير قناعاته من ترشيح العماد عون، إضافةً إلى المراهنة على الوضع الأمني وتخفيف الاحتقان، الا أنه لمس في زيارته بيروت أنه أمام حلّ من اثنين: إما يكون الجنرال عون رئيساً أو أنه امام مؤتمر تأسيسي يعيد توزيع السلطة في لبنان».
وهنا أشارت مصادر في 8 آذار إلى «أنّ الحريري ليس في إمكانه السير بأيّ من المشروعين، وأنّ الحوار مع حزب الله وصل الى السقف المطلوب منه، فقرّر الحريري السير على خطين: خط متابعة الحوار شكلياً، وخط استكمال السياسة العدائية تجاه حزب الله. فعاد إلى تحريك مفرزة التخريب على الحوار وهذا ما ظهر في كلام وزير العدل اللواء اشرف ريفي بوصفه حوار المستقبل – حزب الله بـ«حبة بانادول» مسكنة.