عدنان عزام: تنتصر سورية على أعدائها حين ينتصر الإنسان السوريّ على ذاته

كتبت سلوى صالح من دمشق ـ سانا : منذ حداثته كانت فكرة الترحال تراود الرحالة السوري عدنان عزام، ومع الوقت أخذت الأفكار تتنازعه بين الالتصاق بالوطن أرضاً وشعباً ولغة، واكتشاف العالم والتحاور معه والتأثير فيه، فحمل وطنه في قلبه وأخذ دفاتره وأمتعته ورحل، عابراً القارات خلال 1300 يوم، ليكون أول رحالة في التاريخ يعبر العالم على صهوة حصان.

اليوم، يبحر الكاتب عزام مواليد السويداء عام 1957 في عوالم الكلمات والأفكار باحثاً عمّا يساعده في الانتصار لقضية وطنه، فيستثمر كل كلمة وكل فكرة، وكان جند نفسه منذ بداية الحرب على سورية قبل أربع سنوات للدفاع بالقلم عن وطنه الذي عاد إليه بعد ربع قرن من الاغتراب في باريس، واضعاً خبراته المتراكمة عبر السنين في خدمة سورية، إذ أدرك أن ما يسمى بـ«الربيع العربي» وسيلة وتسمية جديدتين للسيطرة على المنطقة وإخضاعها للاستعمار.

للاطلاع على تجربته الغنية في الترحال أولاً وفي الكتابة ثانياً كان هذا الحوار معه:

هل تأثرت بأحد الرحالة القدامى؟

ـ لم أتأثر بالمفهوم الحرفي بأيّ رحالة لأنني مهتم أولاً وقبل كل شيء بموقع سورية في العالم. كنت أحب قراءة الأدب المهجري وكتابات جبران، والتقيت في بداية رحلتي رحالة سوري هو عدنان حسني تللو الذي جال العالم على دراجة نارية وشعرت خلال اللقاء في بيته الدمشقي كأننا نحمل هم الوطن في أعناقنا.

ما هي الصعوبات التي واجهتك خلال ترحالك؟

ـ واجهتني صعوبات كثيرة غالباً ما أتفادى الحديث عنها، فالترحال والتنقل على ظهر حصان أو أي حيوان آخر مشقة حقيقية والتزام يومي بسلامة هذا الحيوان وإطعامه وإيجاد مكان ملائم لنومه، ولا يمكن مقارنة ذلك بأيّ وسيلة أخرى. كنت أشعر بأنني أنحت في الصخر وأصنع أسطورة في الصبر والمعاناة والخبرة والرمزية، نتيجة الصعوبات الكبيرة التي واجهتها والتي كادت تكون مستحيلة التذليل لمدة أربع سنوات هي مدة رحلتي الأطول في العالم، علماً أن الإعلام الرسمي العربي لم يهتم بهذه الرحلة.

هل أنت راض عن تجربتك في الترحال وهل تكرّرها؟

ـ بالتأكيد أشعر بالرضى، لكن كان ممكناً أن يكون ترحالي أفضل وأكثر فائدة من النواحي الفكرية والثقافية والتربوية لو ربط ببرنامج للتوعية والتثقيف للطلاب أو بصحيفة واسعة الانتشار. أتمنى تكرار هذه التجربة مستقبلاً إذا توافرت لها الظروف المناسبة.

ما هو مشروعك المستقبلي؟

ـ أعمل على بناء مشروع تراثي لتوثيق علاقة جيل الشباب بوطنهم من عادات وتقاليد وحمايتهم من التأثيرات الهدامة للثقافة الغربية التي لم نحسن الإفادة إلا من قشورها مثل الملبس وطريقة الكلام والمشي، أما الجوهر فلم نأخذ به. هذا المشروع سيكون رائداً بكامل المعايير وسأحاول تعميمه على سائر المحافظات السورية، وأرحب بكل من يرغب في التعاون لإنجازه.

ما هي طموحاتك ؟

ـ أنا سعيد جدا في وطني ولدي رغبة عميقة في انتصار سورية على أعدائها. لا يتم ذلك إلا بانتصار الإنسان السوري على ذاته والتوقف عن الانبهار بمظاهر الرفاهية الزائفة لدى الغرب كالسيارات والملابس وطريقة العيش. طموحي أن أشاهد برنامجاً تلفزيونياً ثقافياً يتحاور خلاله المثقفون السوريون الوطنيون، وأن أرى الشبّان يزرعون الأشجار ويعتنون بها ويهتمون بالأعمال الزراعية ويقبلون عليها لأنها تؤمن لهم الاستقلالية والارتباط بالأرض فسورية ليست للولادة والهجرة فحسب بل لنحيا فيها أيضاً.

والمشاريع التي تعمل على تنفيذها راهناً؟

ـ مشاريعي الراهنة هي الترويج للكتاب الذي وقعته في مكتبة الأسد حديثاً وعنوانه «المحنة السورية… لماذا أخطأ الغرب» في المحافظات السورية والعالم العربي، كذلك إتمام ترجمة كتاب آخر لا يقل أهمية عن الكتاب السابق، وإنهاء كتابة الجزء الثالث والأخير من مجموعتي «الاستغراب» الذي سيكون مهماً جداً إذ يوثق لتجربتي في فرنسا لمدة خمسة وعشرين عاماً وسيكون سياسياً أكثر من الجزءين الأولين. كذلك ترجمة فيلمين وثائقيين أنتجتهما وأخرجتهما خلال إقامتي في باريس وآمل في عرضهما في سورية.

كيف تصف أهمية كتاب «المحنة السورية»؟

ـ كنت أتواصل خلال إقامتي في فرنسا مع الأوروبيين وبينهم مؤلف كتاب «المحنة السورية» فريدريك بيشون الذي كان أكثر جرأة وموضوعية في ما يخص سورية، فعرى الأمور ووثق على نحو يومي وبصدقية للحوادث اليومية التي عاشتها سورية منذ بداية الأزمة، ولما أنجز الكتاب قرأته بنهم، من دون أن أكون محايداً، فوجدته كتاباً مهماً واستثنيته من قاعدة الاستشراق التي أعتبرها أخطر مطية امتطاها الغرب لتكون عملية استخباريّة بلبوس ثقافي. الكتاب دقيق ويغرد خارج السرب ويطرح مشكلة تسلط الغرب على الشرق ويبين لماذا أخطأ الغرب مع سورية، ما دفعني إلى ترجمته إلى العربية .

متى كانت بدايات تجربتك في الكتابة؟

ـ أول كتاب ألفته عام 1989 بالفرنسية عنوانه «فارس الأمل» عن دار ستوك، إحدى كبريات دور النشر في فرنسا وعام 2000 أعدت صوغ الكتاب بجرعة سياسية وسميته «بين الشرق والغرب» وصدر لدى دار «روشيه» كما نشرت مقالات بمجلة «باريس القرية» الثقافية لمدة ثمانية عشر عاماً، إضافة إلى مقالات نشرتها في صحف فرنسية صغيرة، فالصحف الكبيرة تسيطر عليها المافيات الصهيونية.

هل كانت لك نشاطات ثقافية في فرنسا؟

ـ في مجال السينما، أنتجت فيلمين وثائقيين حول هجرة العرب الى الغرب، ففي فرنسا وحدها ستة ملايين عربي، لذا اشتغلت على موضوع الهوية العربية بعدما حاول الغرب طمس اللغة العربية والعادات والتقاليد. لدى تسجيل المواليد الجدد مثلاً يجبر العربي على تسمية ابنه باسم غربي إلى جانب اسمه العربي. كذلك تعمل الحكومة الفرنسية على تجاهل تعليم اللغة العربية وعدم احترام العادات والتقاليد وخصوصية المهاجرين.

هل كان للفيلمين تأثير إيجابي في نظرة فرنسا إلى العرب؟

ـ يعمل الاعلام الفرنسي الذي يتابعه 150 مليون شخص أوروبي على إظهار العربي على أنه إرهابي من خلال مطبخ إعلامي متخصص. لذا اشتغلت على الهجوم المعاكس من خلال فيلم وثائقي عن حياة المهاجرين العرب في فرنسا مدته 32 دقيقة يوجه رسالة إلى الدولة الفرنسية التي تسوق شعارات براقة، ولدى التعامل مع العرب تسقط هذه الشعارات ويحضّ الفيلم الحكومة الفرنسية على إعطاء المهاجرين حقوقهم المشروعة. أستطيع القول إننا نجحنا في هذا الموضوع والفيلم من إخراجي وإنتاجي وإعدادي، وتواصلنا فيه مع شخصيات للشهادة والتمويل. أما الفيلم الثاني فصورت فيه بدايات وصول المهاجرين العرب الى فرنسا تحت عنوان «جذور وأوراق» ويسعني القول إنني تركت بصمة، وكنت أول عربي يترشح للانتخابات البلدية البرلمانية في فرنسا.

هل تابعت كتاباتك بعد العودة إلى الوطن ؟

ـ حين عدت إلى الوطن في بداية الأزمة ألفت كتاب «الاستغراب» الجزء الأول وأردت أن أوثق فيه الرحلة التي قمت بها مع إسقاطات ثقافية وسياسية من خلال معرفتي بالغرب، كيف أتيح للمثقف السوري والعربي مقاومة مشروع الاستشراق. والعام الفائت نشرت الجزء الثاني من الكتاب. ومن يقرأ الكتابين يجد فيهما ثلاثة مستويات من القراءة، الأول استمتاع القارئ بتجربة الترحال، والثاني موجه إلى كل من يحب الاستكشاف ومعرفة العالم ويهتم بصناعة الأسطورة لكون هذه الرحلة تدخل في عالم الأساطير الانسانية، والثالث أن من يريد القراءة بين السطور يدخل علم السياسة. ما أودّ إيصاله من الكتاب هو رسالة سياسية من إنسان سوري لم ينبهر بالغرب.

كيف ترى مستقبل سورية ؟

ـ مستقبل سورية مرهون بكل ما ذكرته، وهذا كله مرهون بتعميق الثقافة السياسية الوطنية إلى حدّ المغالاة، كي يصبح الوطن خطا احمر وكذلك تعميق الثقافة السياسية التعددية فقانون الحياة يقول إن كل من يعمل في حاجة إلى من يراقبه ويحاسبه. منذ البداية كنت متفائلاً بأن سورية محصنة، ولديّ معطيات للتفاؤل. كنت متيقناً من أن سورية ليست وحدها وأن الظروف الدولية والإقليمية ليست مثلما كانت قبل الأزمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى