الخطر آتٍ من هناك:خريطة تنظيمات الإرهاب في ليبيا… «الحقائق المُرة»
د. رفعت سيد احمد
بعد جريمة ذبح داعش 21 قبطياً مصرياً، انتفض العالم أجمع يدين هذا الفعل التكفيري الهمجي، الذي أساء أولاً إلى الإسلام، وثانياً إلى مصر وثالثاً إلى الإنسانية كلها. وبعد هذه الجريمة والردّ العادل، القوي عليها من قبل قواتنا المسلحة المصرية، بدأت الأنظار تتجه إلى ليبيا، وإلى الخطر الآتي منها، وبدأت التساؤلات تطرح من أين أتى كلّ هؤلاء التكفيريين القتلة؟ ما هي حقيقتهم؟ وهل ثمة تواصل بينهم وبين الإرهابيين في العراق وسورية؟ وما هي حقيقة تواصلهم مع «داعش» في سيناء؟ ما هي خريطة توزيعهم وقوتهم الحقيقية، وهل ثمة خطر جديد منهم على مصر وخاصة أنّ هناك حدوداً ممتدّة بينها وبين ليبيا حوالى 1115 كم2 حول تلك الأسئلة وغيرها تدور دراستنا هذه.
إنّ الخطر الآتي على مصر يأتي من التيارات التكفيرية بقيادة تنظيم ما يُسمّى فجر ليبيا وهو الذراع المسلح لـ«الإخوان المسلمين» في ليبيا، ولقد بايع بعض قياداته «داعش»، وهذه الجماعة تسيطر على طرابلس ومؤسساتها وسواحلها حيث تمّ ذبح الأقباط المصريين 15/2/2015 ، وتُحدِّثنا الحقائق أنه وبعد ثلاث سنوات ونصف السنة على إسقاط حكم القذافي فإنّ ما جرى في ليبيا لم يكن ثورة بل مؤامرة متكاملة الأركان من أجل النفط، شاركت فيها قطر تركيا فرنسا الولايات المتحدة بريطانيا إيطاليا… وبعض الدول الخليجية وغيرها ويتردّد أنّ الإدارة المصرية في عهود ما بعد ثورة كانون الثاني 2011، وخاصة في عهد محمد مرسي شاركت لوجستياً ومن خلال الدعم والغطاء السياسي للغزو الغربي، وكان للجامعة العربية والخارجية المصرية وقتها دور سيّئ تابع لقطر آنذاك للأسف الشديد.
مصر الآن تدفع ثمناً باهظاً لسوء الوعي والفهم لما جرى في ليبيا وللصمت غير الحكيم على تلك المؤامرة التي سُمّيت زيفاً بثورة 17 شباط وأبرز الأثمان هو تكوين ما يُسمّى بـ«جيش مصر الحرّ» من عناصر إخوانية وسلفية حوالى 1500 عنصر هربوا بعد 30/6/2013 ويتدرّبون الآن في سبعة معسكرات بالقرب من الحدود مع ليبيا، أبرزها معسكرات في مصراته، معسكر صحراء زمزم وخليج البوردة والموجود على بعد 60 كم من مرسى مطروح معسكر سبراته معسكر الزنتان معسكر الجبل الأخضر معسكر مدينة الزاوية معسكر مدينة درنة وهذه المعسكرات يقودها المدعو شريف الرضواني الذي سبق وقاتل في سورية وهنا الرابط الخطير بين الذي جرى ويجري في سورية من تآمر وعدوان على الدولة الحاضنة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، والذي يجري الآن في مصر، وأهمية المقاومة المشتركة له بدون تردّد أو مجاملة لبعض دول الخليج التي تعادي سورية! هذه المعسكرات يتمّ فيها الآن تدريب عناصر ما يُسمّى بـ«الجيش المصري الحرّ» بإشراف الشيخ إسماعيل الصلابي الذي يقود «إخوان ليبيا» وهو رجل مخابرات فضلاً عن ادّعائه العلم والدعوة وكان حلقة وصل بين خيرت الشاطر ومحمود عزت و«الإخوانيّين» السوريّين رياض الشقفه وصدر الدين البيانوني مع «إخوان ليبيا» إبان حكم محمد مرسي وإلى جواره يأتي شعبان هدية أو أبو عبيدة الليبي الذي يرأس ما يُسمّى بغرفة ثوار ليبيا وهي تشكيل عصابي أطلق عليه الإعلام الغربي والقطري لفظ ثوار كما هي العادة مع بعض ثورات الربيع العربي الأميركية صناعة وأهدافاً هدية هذا – كان قد اعتقل في مصر منذ فترة وتمّ مقايضته بطاقم السفارة المصرية الذي اختطف في ليبيا.
إنّ ليبيا التي يحكمها الآن 250 ميليشيا متحاربة مع بعضها البعض والتي هجرها نصف سكانها 3 ملايين ليبي خارج ليبيا بسبب هذه العصابات التي لا يزال بعض إعلامنا يسمّيهم ثواراً ، وتستضيفهم فضائياته وإعلامه المقروء بدون وعي، وإدراك، أنّ مجرد إطلاقه كلمة ثوار على هؤلاء سواء في سورية أو في ليبيا يعني إسقاط الشرعية عن مقاومة مصر للإرهاب في داخلها، لأنّ ما يجري في سورية وليبيا هو عينه ما يجري في مصر فلماذا نفرّق بينهما في المسمّى؟! نطلق على أحدهما ثورة وعلى الآخر إرهاباً ؟!
دور استخبارات قطر وتركيا
ونعود لنقول إنّ خريطة جماعات العنف في غرب مصر داخل الحدود الليبية استمدّت بعد 30/6/2013 قوة مادية كبيرة بعد زيارة كلّ من سعادة الكبيسي رئيس الاستخبارات القطرية وهاكان فيدان رئيس المخابرات التركية إلى بنغازي ولقائهما بقيادات «الإخوان المسلمين» بقيادة نوري أبو سهمين أبرز قيادات الإخوان في ليبيا وقيادات جماعة أنصار الشريعة والتي هي امتداد لـ«القاعدة» والتي ترتب عليها إنشاء وتدريب جيش مصر الحر على الحدود والذي بايع أمير «داعش» في العراق أبو بكر البغدادي وسمّى نفسه بـ«داعش» ليبيا.
لقد رصدت قطر وتركيا ما يقرب من مليار ونصف المليار دولار لدعم هذه الجماعات، مع الدعم الإعلامي عبر قناة الجزيرة وفضائيات أخرى.
من أبرز أهداف عصابات «داعش» وأخواتها في ليبيا والموجودة على حدود مصر مع ليبيا، هو إعادة إنتاج تجربة ما يُسمّى بـ«الجيش السوري الحر» و«النصرة» وغيرها من التنظيمات العميلة للمخابرات التركية والخليجية والغربية وهدفت إلى زعزعة استقرار سورية خلال السنوات الأربع الماضية بالتنسيق مع تنظيمات القاعدة داعش ، وحوالى 1500 جماعة إرهابية أخرى وفقاً لرصد مبعوث الأمم المتحدة السابق الأخضر الإبراهيمي، الهدف هو نفسه مع مصر حيث يُراد من الجيش المصري الحر ودواعش ليبيا، خلق مناطق عازلة واستنزاف الجيش المصري على حدوده الغربية، والتواصل مع البدو والقبائل في غرب مصر، والحيلولة مستقبلاً دون الاستثمار أو السياحة في تلك المنطقة المهمة لأمن مصر واقتصادها، والتي تحتوي على أكبر تجمع سياحي مصري هو الساحل الشمالي في أقلّ من عامين مقبلين، ومن بين الأهداف أيضاً محاولة الثأر لإسقاط حكم «الإخوان» بعمليات إرهابية منسّقة مع خلاياهم النائمة في مصر أو مع فرع تنظيمهم في سيناء.
خريطة الإرهاب كما يراها الليبيون
إنّ ليبيا في المجمل وبعد سقوط القذافي في 20/10/2011 تحوّلت إلى ساحة صراع مسلح، على بسط النفوذ بين ما لا يقلّ عن عشرين كيان مسلح، بعضها تابع لما سُمّي بـ«المؤتمر الوطني العام» في العاصمة طرابلس، والآخر تابع لمجلس النواب الشرعي في مدينة طبرق، وكل منها يدّعي أنه يدافع عما يسمّيها الشرعية وما يعتبره في صالح الليبيين. وأضحى هناك حكومة وبرلمان في طرابلس وحكومة وبرلمان في طبرق، وقوة عسكرية هنا وأخرى هناك يسمّيها كل فريق بـ«الجيش». مع التأكيد أنّ الجيش في طبرق هو الحقيقي والمتكامل، أما الجيش التابع لجماعة فجر ليبيا الإرهابية في طرابلس، والتي دمّرت وحرقت في أسبوع واحد سبعة آلاف منزل في منطقة ليبية واحدة هي وشفانة هذا الجيش التابع لطرابلس هو أقرب إلى العصابات المسلحة منه إلى جيش نظامي بالفعل. هذا وبالإضافة إلى هذين الطرفين، توجد كيانات أخرى لا تعترف بالفريقين الأولين.
وتصطف أربعة كيانات مسلحة مع حكومة طرابلس هي: «قوات فجر ليبيا»، و«غرفة عمليات ثوار ليبيا»، و«الدروع»، وأخيراً «كتيبة الفاروق».
وعلى الجبهة الأخرى، وهي في ظننا الأكثر صدقاً وتماساً مع مطالب الشعب الليبي، تقف إلى جانب حكومة طبرق، 12 قوة عسكرية، وهي: «قوات رئاسة أركان الجيش»، و«قوات حرس المنشآت النفطية»، و«كتائب الزنتان»، و«كتائب وشفانة»، و«صحوات المناطق»، و«كتيبة حسن الجويفي»، و«كتيبة 319 التابعة للجيش»، و«كتيبة 204 دبابات»، و«كتيبة 21 صاعقة»، و«قوات الصاعقة»، و«مديريات الأمن»، وأخيراً «كتيبة محمد المقريف».
وهناك أربعة كيانات مسلحة، كما أشرنا، لا تعترف بالحكومة المدعومة من مؤتمر طرابلس ولا تلك المدعومة من مجلس طبرق. وهي: «مجلس شورى ثوار بنغازي»، و«تنظيم أنصار الشريعة»، و«تنظيم مجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها»، و«تنظيم شباب شورى الإسلام».
وهذه الكيانات الأربعة مناهضة لمجلس النواب وحكومة عبد الثني وتقاتل قوات حفتر، ورغم عدم اعتراف تلك الكيانات بالمؤتمر الوطني وحكومة الحاسي، فإنها لا تقاتل قوات ذلك الطرف، وتتلقى دعماً سياسياً من المؤتمر وحكومة الحاسي.
البيئة الحاضنة
وفي دراسة تحمل عنوان «ليبيا بين جماعات العنف والديمقراطية المتعثرة» للباحث الليبي محمد عبد الحفيظ الشيخ نشرتها مجلة «المستقبل العربي» عدد شباط 2015، جاء فيها: «إنّ ليبيا أصبحت اليوم البيئة الحاضنة لاستقطاب الجماعات المتشدّدة ينتمي أغلبها إلى تنظيم «القاعدة» أو إلى «الإخوان المسلمين» وتدعمها جميعاً مالياً وإعلامياً وسياسياً قطر وتركيا، وتلقت هذه الجماعات دعماً مكنها من تكوين ميليشيات مسلحة وفرض إرادتها على الأرض بقوة السلاح، وساهمت بشكل أو بآخر في تعثر المسار الديمقراطي في ليبيا، مثل ميليشيا «فجر ليبيا» في طرابلس و«أنصار الشريعة» في بنغازي التي بايعت تنظيم «داعش».
المعلوم كما يقول الباحث الليبي – أنّ ميليشيا «فجر ليبيا» منحازة إلى التنظيمات المتشدّدة، وتسعى إلى فرض سيطرتها على مؤسسات الدولة، وعلى عدد من المنشآت الحيوية، حيث صدّت القوات الحكومية يقصد جيش عملية الكرامة بقيادة حفتر هجوماً شنته ميليشيا فجر ليبيا للاستيلاء على ما يُعرف بمنطقة الهلال النفطي، وكان الهجوم مباغتاً على مناطق البلاد النفطية، بحسب ما أفاد مسؤولون عسكريون. ناهيك عن مشاركتها في المعارك العبثية ضدّ الجيش الوطني الليبي المناهض للإرهاب والتطرف.
ووفقاً لدراسة أخرى للباحث الليبي على عبد اللطيف أحميدة تحمل عنوان «غياب الحوار الوطني في ليبيا»: تتوزع القوى المتصارعة في ليبيا بين تنظيمات سياسية ومجموعات مسلحة عديدة تتفاوت في توجهاتها الأيديولوجية، ومواقفها الفكرية، وقدراتها العسكرية. وتعدّ الكتائب والميليشيات المسلحة هي التي تملك القوة العسكرية والسياسية في البلاد، وتضمّ العديد من التنظيمات أهمّها ما يُسمّى بـ الجماعات الجهادية المسلحة التي ترفض المنظور الوطني للدولة الليبية، وترفع شعارات تطبيق، ورغم أنّ هذه الجماعات أدّت دوراً ملموساً في القتال ضدّ نظام القذافي، فإنها مثّلت في مرحلة ما بعد سقوطه عائقاً أمام عملية بناء الدولة.
هذا وتعدّ «الجماعة الليبية المقاتلة» أحد أبرز الجماعات المسلحة التي حاولت الانخراط في العمل السياسي، ورئيسها عبد الحكيم بلحاج، ولكنها عادت إلى العنف مجدّداً.
إنّ الجماعات المسلحة الرافضة للانخراط في العمل السياسي برغم أنها شاركت فـي القتال ضدّ قوات القذافي، وهي جماعات ترفض المنظور الوطني للدولة الليبية، وتكفّر المجتمع، وتسعى إلى تطبيق الشريعة بقوة السلاح، مستفيدة من بيئة إقليمية تصاعد فيها دور التيارات العنيفة، لا سيما في مصر وتونس، هذا بالإضافة إلى سبب رئيسي هو ضعف الدولة الليبية وعدم قدرتها على نزع أسلحة الميليشيات، بسبب التأخر في بناء المؤسّستين الأمنية والعسكرية، ورفض بعض من أسماهم الإعلام بالثوار المسلحين الانضمام إليها خوفاً من تهميشهم في معادلة الثورة والسلطة المتنازع عليها. تحمل تلك الجماعات في مضمونها فكر تنظيم «القاعدة»، خاصة على صعيد التقارب الايديولوجي، ومن أبرزها فضلاً عما رصدناه آنفاً – جماعة أنصار الشريعة، وكتيبة شهداء بوسليم، وألوية الشهيد عمر عبد الرحمن، وجماعات التوحيد والجهاد. وقد سعت تلك الجماعات وفقاً لفهمها السطحي للدين – إلى فرض الشريعة بالقوة في بعض المناطق كدرنة التي جعلوها ولاية إسلامية مستقلة، كما قامت تلك الجماعات بالخروج عن القانون في كلّ تصرّفاتها وقامت بقتل العديد من الليبيين من صحافيين وسياسيين بدون محاكمة بمن فيهم بعض مؤيدي نظام القذافي والهجوم على المصالح الغربية، خاصة الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، وتدريب المتطوّعين الذاهبين إلى سورية، والتنسيق مع بعض الجماعات الإرهابية في الإقليم، خاصة في سيناء وكذلك مع تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب العربي.
وبعد…
إنّ هذه الخريطة من الجماعات التكفيرية والمسلحة والتي حوّلت ليبيا إلى بقايا دولة تمثل خطراً استراتيجياً على الأمن القومي المصري، ولعلّ دماء الشهداء الأقباط الذين ذبحوا على شواطئ طرابلس، والتي لن تضيع هدراً بإذن الله تكون إنذاراً عاجلاً للدولة المصرية ألا تترك ليبيا بين أيدي سرطان الإرهاب، وأن تبلور كما فعلت فجر ليلة إذاعة فيديو استشهاد الأقباط 15/2/2015 بضربة في عقر داره دون أن تقع في فخّ الاستدراج البري والحرب المفتوحة مع تلك الجماعات، وهو ما يريده حلف أعداء مصر الممتدّ من قطر إلى تركيا و«الإخوان» وصولاً إلى «تل أبيب» وواشنطن، على مصر أن تنتقي أهدافها وأن تساعد الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر في إعادة بناء الدولة الليبية مجدّداً، وأن تحصّن حدودنا الغربية مع ليبيا ومناطق القبائل الساحل الشمالي ، حيث الإرهاب الآتي من ليبيا قد ينشط هناك. في موازاة إرهاب سيناء، إنّ قدر مصر أن تحارب على أكثر من جبهة، ولكنه القدر الذي ستنتصر فيه بإذن الله، لأنها تحارب إلى جانب الحق، والوطن، والدين، ذلك الدين الذي لم يطاوله تشويه منذ أشدّ من تشويه «داعش» وأخواتها. والله أعلم…
E mail : yafafr hotmail. com
الخريطة تضمّ أكثر من 250 تنظيم مسلح أبرزها حوالى عشرين تنظيماً معادياً لمصر، وهي: جماعة فجر ليبيا الإرهابية الذراع المسلح لـ«الإخوان المسلمين» أنصار الشريعة بقيادة التكفيري محمد الزهاوي الجيش المصري الحر غرفة ثوار ليبيا تنظيم الدروع كتيبة الفاروق تنظيم شباب شورى الإسلام مجلس شورى ثوار بنغازي شورى مجاهدي درنة – داعش الليبية كتيبة شهداء أبو سليم جماعات التوحيد والجهاد، وأغلب عناصرها تتدرّب في سبعة معسكرات على بعد 60 كم من الحدود المصرية.
أبرز قادة الإرهاب في ليبيا: حسام يونس فتح الله بو راشد سفيان إبراهيم بن جمو عبد الباسط عزوز عطية الشاعري سالم دروبي أيمن كلفه – شريف الرضواني إسماعيل الصلابي نوري أبو سهمين شعبان هدية محمد الزهاوي عمر الحاسي.