تبنين… سفوح وقلعة أثرية تتنوّع رواياتها الجنوبية

محمد ابو سالم

تحتار فيها الأعين بين أن تنظر إلى أعلى حيث ترى القلعة الشامخة على رغم الحروب ومرور الزمن الطويل، أو أرضاً لترى كيف تفرش الطبيعة نفسها بين اخضرارٍ وينابيع تُفرح الناظرين إليها. هي تبنين، تلك البلدة التي تقع على سفوح تلال جبل عامل، وتعتبر مرجعاً لجيرانها من القرى، ومركزاً لاتحاد بلديات القلعة في قضاء بنت جبيل الجنوبي، وهي البلدة التي أنجبت رئيس مجلس النواب نبيه برّي.

تتنوّع الروايات في الحديث عن تسمية البلدة، إذ يجوز أن يكون اسمها مأخوذاً من الآرامية «تبان» أي بائع التبن، أو أن يكون نسبةً إلى عائلة «thevnin» الأوروبية التي سكنت البلدة إبان الحروب الصليبية على الشرق، كما يقال إن رجلاً يمنياً أتى إلى المنطقة، فرأى رجلاً يبني بيتاً فقال له: ماذا تبنين؟ فقال أبني بيتاً وأعجبت الباني الكلمة فأسمى البلدة «تبنين».

تبلغ مساحة تبنين نحو 7 مليون و477 ألف متر مربّع، ترتفع عن سطح البحر حوالى 670 متراً، تبعد عن العاصمة بيروت 110 كيلومترات، وعن مدينة صور حوالى 30 كيلومتراً شرقاً، ويبلغ عدد السكان المقيمين في البلدة شتاءً نحو 3000 نسمة، ويصل عددهم إلى 12.000 نسمة في الصيف.

الطرق المؤدية إليها: صور ـ بنت جبيل و صور ـ جويا. أما عائلاتها فهي: برّي ، فواز، حمود، دبوق، حراجلي، حمزة، الحداد، معلوف، كنعان، أبو الحسن، أبو العينين، أرناؤوط، الخوري، خزعل، دكروب، رستم، صالح، عجمي، عظيمي، طقو، فرحات، فاعور، فران، قهوجي، قدوح، كتورة، مكي، مقلد، هزيمة، هاشم، وزني.

يتوزّع المغتربون بين العاصمة بيروت وبلدان الاغتراب، لا سيما الولايات المتحدة الاميركية، خصوصاً في ولاية ميشيغين، كما أنّ هناك عدداً لا بأس به في القارة الأفريقية.

تتميز تبنين بالتعايش الإسلامي المسيحي بين أهلها منذ القدم، وبقرب الجامع من الكنيسة، إذ يفصل بينهما عشرات الأمتار فقط.

كما تشتهر تبنين بقلعتها التي بناها الآراميون سنة 1850، وهي من أكبر قلاع لبنان، وتبلغ مساحتها 25.000 متر مربع، لكنها بحاجة إلى ترميم، وتسعى بلدية تبنين إلى أن تكون القلعة معلماً سياحياً، لكنها ـ أي القلعة ـ تابعة لمصلحة الآثار في صور ووزارة الثقافة، وقامت السفارة الفرنسية بدراسة تكاليف ترميم القلعة ووجدت أن تكلفة الترميم تبلغ 35 مليون دولار، وسُلّم الملف إلى الـ«unesco» بمتابعة نائب رئيس البلدية يوسف فواز، آملاً أن يصل إلى النتيجة المرجوة.

ويقام منذ سنة 2005 مهرجان سنوي تراثي في القلعة يتضمن فرق دبكة وأكلات شعبية قديمة، يحضر هذا المهرجان أبناء تبنين والقرى المجاورة، وتكون الدعوة عامة.

تحتوي البلدة على ينابيع للبعض منها رواياتها: عين المزراب، عين الوردة، عين الخان وعين الحور.

عين المزراب: هي عين قديمة جداً أحدثت فيها البلدية عدة تحسينات، وسمّيت بهذا الإسم لأنها تصبّ على شكل مزراب.

عين الوردة: عين قديمة وسمّيت بذلك لاحتواءها على الورود، وقد تغنى بها الشاعر المهاجر الشيخ يوسف محمد حسين بري أثناء غربته قائلاً:

أيا موج الأثير خذ اشتياقي

إلى تبنين واخبرها الجواب

وأي ذي رغد عيش

فؤادي غير قلبك ما استطاب

أليست خيمة التينات عندي تعادل كل ناطحة سحاب

وعين الحور هل أرجع اليها وأغسل في مجاريها الثياب

وعين الورد كيف الورد أضحى وهل طابت مشاربه مطاب.

تبنين كانت مقراً للحاكم العسكري في الحرب العالمية الأولى والثانية.

واشتهر أهالي تبنين بزراعة التبغ، ثم زراعة الشمّام، ثم بدأوا يحترفون الاغتراب. عُرفوا بحبهم العلم، نبغ من أبنائها رجال دين وعلماء وصلوا إلى مراكز مهمة في الدولة، كالرئيس نبيه بري، الوزير علي حراجلي وغيرهما، ولم تعرف البلدة فترةً لم يكن واحداً من أبنائها في مجلس النواب.

فيها من الجمعيات: الصليب الأحمر اللبناني، الدفاع المدني، جمعة مدرار، جمعية شباب الغد، جمعية الرؤية العالمية، ميتم تبني ، وجمعية تبنين الخيرية.

«البناء» جالت بصحبة «موقع صوت الفرح» في هذه البلدة العريقة، وكانت مناسبة للتعرّف إلى أهلها الطيبين، ومعالمها الجميلة.

رئيسة جمعية بيت المرأة الجنوبي ورئيسة قسم الخدمات الطبية الاجتماعية في الصليب الأحمر اللبناني أمينة بري فواز، يعني لها الجنوب كلّ شيء، وإذا ما تحدثنا عن هذا الجنوب، لا يمكن أن ننسى أنها ولدت وترعرعت في تبنين حيث عاشت طفولتها وحفظت أناسها وعجائزها حتى حجارتها.

تقول فواز أن تبنين أصبحت مدينة، وتغيّر فيها الكثير من الأمور التي كانت تتمنى بقاءها على حالها مثل عادات أبنائها وتقاليدهم، هؤلاء الأبناء الذين لطالما اجتمعوا في الأفراح والأتراح. «لكننا نشهد اليوم تباعداً بين الأهلين، نتيجة الحياة الاقتصادية والاجتماعية الصعبى، وبذلك، فقدت تبنين طابعها القروي والاجتماعي الذي يفضّله الجميع».

وفي ما يتعلق بالبنى التحتية، تؤكد فواز أنه لو عاد الأمر إليها، لمنعت كثافة الإعمار وإنشاء البيوت ذات الطوابق المتعدّدة التي تفتقد إلى التنظيم المدني، ولكانت حدّدت مناطق للأبنية الشعبية، وأخرى للمنازل الفخمة كي يبقى الطابع الجميل يزيّن تبنبن، مشيرة إلى القلعة التاريخية الكبيرة التي تمتاز بها تبنين، والتي تحتاج إلى اهتمام أكثر، إذ تُقام فيها حفلات لكنها ضئيلة ولا تعمّم على الجوار، وهذا ما يدعو إلى لفت الانتباه إليها من خلال إقامة احتفالات ضخمة تجذب الشباب ليتعلقوا ببلدهم أكثر، لا أن ينظروا إليها ولا يرون ما يجذبهم أو يلفت انتباههم.

أمّا في موضوع البيئة، فترى فواز أن تبنبن تحتاج إلى اهتمام بالبيئة، سواء من ناحية النفايات، أو التشجير. وهنا لا تقع كامل المسؤولية على البلدية، لأن موزانتها لا تكفي.

وختمت فواز بالإشارة الى أبناء الجنوب المحبين بعضهم، والذين استطاعوا على رغم الاحتلال الذي حاول القضاء على تراثهم، أن يتخطوا الأمر ويحاولوا النهوض من جديد يداً واحدة متماسكة.

رئيس بلدية تبنين هو نبيل فواز، وهو أيضاً رئيس اتحاد بلديات القلعة. وكان لقاء مع نائب رئيس البلدية يوسف فواز الذي انتخب للمرة الأولى عام 2004 وما زال في منصبه حتى اليوم، وهو متقاعد من المؤسسة العسكرية إذ كان في الجيش، ضمن الطاقم الإداري في المستشفى الحكومي في صور.

يقول فواز إن بلدية تبنين هي من أولى البلديات التي أنشأت في لبنان، وكان ذلك عام 1892، وأشار إلى أهم مشاريع البلدية لهذه السنة، وهو مشروع إنارة تبنين بالكهرباء عبر المولدات في الأحياء، بحيث يُعطى المواطن 7 ساعات من الكهرباء يومياً، فقام رئيس البلدية بإحضار مولد الكهرباء على حسابه الخاص، كما قامت الكتيبتان الفرنسية والماليزية بالمساهمة بالمولدات أيضاً.

ولفت فواز إلى تركيب البلدية فلاتر مياه في عين المزراب، إذ يستفيد من هذه العين أهالي البلدة والقرى المجاورة.

وأكّد أنه لو كانت القلعة في بلد ثان، لكانت معلماً سياحياً ولكن للأسف الدولة لا تهتم بها. وقد تعرضت للقصف في الحروب، وقُدّمت لها هبة بمقدار 100 الف دولار عبر الرئيس نبيه بري، ولكن هذا المبلغ استعمل لترميم جزء بسيط فقط، كما أن هناك قلعة ثانية تحت قلعة تبنين، ويمكن استثمارها كمعلم سياحي، لكنها بحاجة إلى اهتمام وترميم.

ويقول: «في حرب 2006، تدمرت 104 وحدات سكنية في تبنين، كما أصيبت السراي وجرى ترميمها من قبل وزارة الأشغال، وفُتحت الطرقات بمساعدة قوات «اليونيفيل» البلجيكية والإيطالية، إضافة إلى «UNDP».

وقال أنه بقي خلال حرب 2006، خمسة عشر يوماً في تبنين لأنها تحتوي على سجن، فيه ما يقارب 90 سجيناً ومستشفى، وكلاهما بحاجة إلى مواد ومؤن قمنا بتأمينها.

المختار سميح أبو الحسن عبّر عمّا تتميز به تبنين وأهمها الآثارات القلعة ، وأنها مركز اتحاد بلديات القلعة كما تتميز بأهلها المحبّين للعلم والمعرفة وهم أول من بحثوا عن العلم وثابروا به.

ويقول: «في تبنين 6 مختارين، يتوزع كل اثنين منهم في الحي الفوقاني، الحي التحتاني وحي الكاثوليك. تتميز انتخابات المختارين بالطابع العائلي، إذ تشتد المنافسة بين العائلت.

محمد عطا الله دكروب، يرى في تبنين أصالة الكلام الذي يصل لأبنائها المحبين لبعضهم، ولفت إلى وجود عدد كبير من الشعراء والأدباء فيها منذ القدم، وإلى أوقات الحروب وما عاناه أهل الجنوب عامة وتبنين خاصة، وعلى رغم ذلك استطاعوا الوقوف من جديد، كما روى الكثير من القصص المسلية التي يحلو لها السمع.

عبدو حداد، ترعرع في تبنيم، وأصبح موظفاً في مؤسسة انسانية تُعنى بتقديم خدمات على مستوى لبنان بأكمله، هي مؤسسة الإسكان التعاوني التي انتقلت بعملها اليوم إلى الشمال لتقوم بإصلاح مدارس وترميمها، خصوصاً تلك التي يسكنها النازحون السوريون.

يقول حداد إنه بعد كل تجارب الحرب، تبيّن أن تبنين أكثر أماناً وفيها من العلاقات ما هو مبني على الاحترام والوعي والألفة.

أمّا المناسبات المسيحية، فيقول إن جميعها تُقام في الكنيسة باستثناء عيد الميلاد، إذ تساعد البلدية في تزيين شوارع المدينة.

هذه هي المدينة العريقة تبنين، التي تأبى الأعين إلّأ أن تتغزّل بقلعتها وشموخ مناظرها التي تبهر الأنظار، فكيف إن تمعنتم بصفات أهلها التي تحمل عنوان الجنوب رمزاً لها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى