الفلسفة والتحليل النفسيّ يضيئان درب معرفة حقيقة الذات ويُسقطان الأقنعة

كتاب «الإنسان هو المقياس» موسوعة عن المشاكل والمعضلات الفلسفية التي تُخيف الإنسان العادي من الاقتراب من الفلسفة، والمشاكل المتصلة بالهوة السحيقة التي تفصل بين الفلسفة والبحوث العقلية الأخرى، وتلك المشاكل التي تُمثّل الصدع بين هدف الفلسفة كتحليل نقدي، وهدفها كاستبصار رؤيوي بين الفلسفة التحليلية والميتافيزيقا.

الكتاب دعوة صريحة إلى دراسة المعضلات الأساسية في الفلسفة، بحسب رؤية الكاتب روبن آبيل، الذي ترجم مصطفى محمود كتابه. ويقول المؤلف في المقدمة: «الميتافيزيقا هي ذاك الفرع من الفلسفة الذي يُحاول أن يفهم الكون كوحدة واحدة – ليس كثيراً – عن طريق فحصه بالتفصيل، وهو الإجراء العلمي، مثل تحليل الأفكار وتنظيمها والمفاهيم التي نفحص عن طريقها العالم ونفكر فيه. إن الهدف من الميتافيزيقا هو أن نُعلّل كل ما هو موجود فقط ما هو موجود كمُخطط بسيط ومُتكامل وموجز على قدر الإمكان، فالميتافيزيقيّ يريد أن يُصنّف كل ما يحتوي عليه العالم إلى أقل عدد مُمكن من الأنواع، فهو يُريد أن يُلائم على سبيل المثال الطاقة الكامنة للمسار فوق شلالات نياغرا – التي ربما لا تُصير أبداً طاقة فعلية – وقُدرة بلورة الملح الصغيرة هذه في يدي على أن تذوب. وفي هذا الجزء من الكتاب يتناوَل قوانين الفكر قائلاً: قال المنطقيون الأرسطوتاليّون: كانت هناك ثلاثة قوانين للفكر أساسية، هي:

الهوية: كل شيء هو ما يكونه، وليس شيئاً آخر هي .

التناقُض: الصفة نفسها لا يمكن أن تكون كلا الأمرين: تنتمي ولا تنتمي إلى الموضوع نفسه، وفي الوقت نفسه وبالترتيب نفسه ليست كلا الأمرين: تكون ولا تكون أو أن الافتراض لا يمكن أن يكون كلا الأمرين: حقيقياً وزائفاً.

الوسط المستبعد: إن صفة ما إما أن تنتمي أو لا تنتمي إلى موضوع ما إما هي أو أنها ليست ، أو أن الافتراص إما حقيقي أو هو زائف، إن أيّ أرضية وسط تقع بين الحقيقة والزيف مُستبعدة.

يرى الكاتب أن المنطق الجديد حفّزته الرغبة في وضوح وتحديد واكتمال وتعميم ومنفعة أعظم، وهذا ما تُعبّر عنه الرموز، وتتضمّنه النُظم التي تنص صراحة على ما هو مُفترض، وما يُستنتج وكيف يُستدل عليه، وكانت ذروة انتصار الثورة في المنطق في «مبادئ الرياضيات لوايتهيد وراسل.

إن فهمنا لهذه المكوّنات الأساسية الثلاثة للعالم المكان والزمان والمادة تم تثويره في هذا القرن. النظرة التقليدية والمنطقية للمادة التي لم تتغيّر منذ الأزمنة الباكرة حتى القرن العشرين، مفادها أنك إذا واظبت على تقسيم شيء ما لا تستطيع أن تقسّمه أكثر من ذلك. ومن الخطأ أن نظن أن الزمن يمكن عكسه أو إعادته إلى الوراء، إذ تقدّم نظرية الديناميكية الحرارية مفهوم الفقد الحراري وما يُسمّى حرارة الكون.

إن الفقد الحراري هو مقياس رياضي إلى درجة الخلل في نظام ما، وبالنسبة إلى الكون ككل يمكن أن يمضي فحسب في اتجاه عشوائية أعظَم، وهذا هو السبب في أنه لا يمكن عكس اتجاه الزمن، وعلى المدى الطويل، فمُستويات الطاقة للعالم تتجه فحسب من أعلى إلى أدنى.

كذلك يرى الكاتب أن المدرستين السيكولوجيتين، السلوكية والتحليل النفسي، تستحقان الفحص لأجل مُساهمتيهما في الدراسة العلمية للأنشطة الإنسانية، فالسلوكية تستفز رد الفعل العاطفي العدواني، ما قد يُعزّز نظريتها الخاصة بالتكيُّف، وفي نسخها الباكرة غير المعقدة لم تكن هناك إدانة للمُغالطة الاختزالية، إذ اختزل جون بي واتسون الخبرة إلى لا شيء سوى مُحفزات وردود أفعال.

يضيف: السيكولوجيا هي علم اندفع من اتجاهين مُتضادين، اتجاه إيجاد الوحدات الأولية من السلوك الإنساني، وإلى ناحية اكتشاف تركيب الشخص الكلي، وبالطريقة نفسها في الفيزياء الباكرة، سعَى طاليس والذريون القائلون بأن الكون مكوّن من ذرات والإغريق إلى إيجاد المادة التي صُنعت منها الأشياء، بينما ركّز فيثاغورث على التنظيم الكلي للأشياء في العالم، فهل الحوادث التي تدرسها السيكولوجيا تتكوّن من مكوّنات ذرية نهائية؟

أما عن التحليل النفسي فيقول: يُقدّم التحليل النفسي الفرويدي موقفاً فريداً، فهو لم يكُن مُقنناً بالكامل على الإطلاق. فرويد نفسه يكفي أنه استمر يُغيّر وجهات نظره خلال حياته، فالتحليل النفسي نشأ في العيادات الطبية بدلاً من الجامعة، واستمرت أجواؤه خارج الإطار الأكاديمي، فإفاداته مُفعمة بالاستعارات المجازية «الليبيدو» و«الرغبة الجنسية» سدّت طريقهما ، وهو الأمر الذي قد يكون مُضللاً ويعتمد منهجه في البحث عن الجلسات الحرة وتفسير الأحلام. وحتى مؤيّدوه البارزون لا يتفقون على التقنيات العلاجية، ويُسمّي أحد المحللين النفسيين ذلك «تطبيق تقنية غير مُعرفة على مشاكل غير مُحدّدة، ونتائج لا يمكن التنبؤ بها، ونحن نوصي بشأن هذه التقنية بالتدريب الصارم».

يقول شكسبير: في ما يخصك تكون نفسك حقيقة. ويُخبرنا كيركيغور الشائع كيركيغارد ، أنه لتجنب اليأس يتعيّن على المرء «أن يكون نفسه الحقيقية»، وفقاً لما جاء به عالم النفس كارل روجرز: «تحت العلاج يستكشف المرء ما يختفي خلف الأقنعة التي يظهر بها العالم، وحتى خلف الأقنعة التي كان يخدع بها نفسه، وبدرجة مُتزايدة يصبح هو نفسه شخصاً».

يضيف الكاتب أن الفلسفة الحديثة مثل الطفل الملسوع يخاف النار، هي مُترددة، مشيراً إلى العقل باعتباره كينونة. إنك تتذكر كيف تفعل شيئاً ما، ما يعني أنك قادر الآن على فعله، ذاكرتك ليست كينونة فوق وأعلى من قُدرتك الواضحة. إذ قلت: إن بيرت لديه براعة في إصلاح أجهزة الراديو، فهذا يعني أنك إذا عرضت له جهاز راديو مُعطلاً فسيفعل ما يجعله يعمل. إنك تطلب رؤية براعته، وإذا كان بيرت ذا ذكاء حاد، فهذه طريقة لتمييز الطريقة التي تقول بها الأشياء.

صدر كتاب «الإنسان هو المقياس» في منشورات المركز القومي للترجمة في القاهرة، في 380 صفحة قطعاً كبيراً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى